-A +A
غسان بادكوك
لبّيت قبل أيام دعوة كريمة من إمارة منطقة مكة لزيارة مقر الإمارة بجدة، الدعوة شملت عددا من الزميلات والزملاء الإعلاميين والمثقفين، وقد شرفنا خلال الزيارة بالالتقاء مع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة، ورغم أن الزيارة أتاحت لي وللمدعوين الاطلاع عن قرب على نموذج فريد من نماذج الأداء الحكومي؛ سأتطرق إليه لاحقا في مقال اليوم، إلا أنني توقفت كثيرا عند الرؤية الإستراتيجية الحصيفة التي تمّيز شخصية الأمير؛ هذه الملاحظة ليست من قبيل المجاملة ولكنها حقيقة لمستها عن قرب مع باقي الزملاء.

ورغم المسؤوليات الجسام التي يضطلع بها سموه، فقد غمر كل فرد من ضيوف الإمارة باهتمامه ورعايته الكريمة، تجلّى ذلك في حرص سموه على الاستماع لآرائنا، وتفضله بالإجابة بكل رحابة صدر على الاستفسارات والملاحظات، ليس ذلك وحسب، بل إن الابتسامة المشرقة التي ارتسمت على محيّاه خلال تفضله بعرض رؤيته لتنمية المنطقة أو التعليق على مجريات اللقاء كانت كفيلة بتشجيع الحضور على الحديث وطرح التساؤلات وتبادل الآراء.


الهدف من الزيارة كان الاطلاع على منجز رائع، كان لسمو الأمير خالد الفيصل الفضل – بعد الله - في تحويله من مجرد فكرة سكنت وجدانه ليصبح خلال فترة قصيرة عملا مؤسسيا تنمويا رائعا وجديرا بأن يُحتذى به في كافة إمارات مناطق المملكة، ذلك المنجز هو مركز التكامل التنموي بالإمارة والذي لا يتجاوز عمره العامين فقط، ورغم ذلك فهو يتولى حاليا التخطيط والإشراف على تنفيذ العديد من المشاريع الريادية العملاقة في مدن ومحافظات منطقة مكة المكرمة؛ تتجاوز قيمتها عشرات المليارات.

والأكيد هو أن كل من استمع لحديث الأمير عن فكرة (المركز) ودوره في تحقيق تنمية متوازنة ومتكاملة في المنطقة، أدرك أن التميُّز والريادة وتحويل التطلعات الكبرى إلى منجزات راسخة على أرض الواقع، لا يتحقق بالأمنيات والأحلام فقط، وإن كانت هي بداية أي عمل ناجح، وإنما يتطلب تنفيذها (قادة) بمواصفات خاصة؛ من أهم سماتهم النفوس الكبيرة والجهود المضاعفة، وهذا - في تقديري - هو أهم ما يميز شخصية الأمير؛ المسؤول المباشر عن إدارة وتنمية منطقة (روحية) وحضارية واقتصادية مهمة في بلادنا؛ تهوي إليها أفئدة المسلمين من كافة بقاع الأرض.

ولا يمكن الحديث عن أهمية الدور الذي يقوم به حاليا مركز التكامل التنموي بإمارة منطقة مكة، بدون الإشارة إلى أهدافه الثلاثة الواضحة كما حددها سمو الأمير وهي: 1.

تنفيذ المشاريع.

2.

تذليل العقبات.

3.

تشجيع الاستثمار.

ولا حاجة بي للقول إن تراخي العديد من أجهزتنا المعنية في تحقيق الأهداف الثلاثة السابقة رغم أهميتها، قد فوّت على البلاد فرص الاستفادة (الكاملة) من إيرادات البترول الهائلة التي أفاء الله بها على المملكة، ولعل هذه الحقيقة تلخّص إلى حد بعيد أبرز تحديات التنمية التي واجهتها بلادنا خلال العقود الأربعة الماضية.

وكان من أبرز ما لفت انتباهي في منهجية (المركز) وخطط عمله، هو حلوله المبتكرة لمواجهة التحديات القانونية والهندسية والمالية؛ خصوصا الأخيرة منها بعد أن أصبحت الهاجس الأول لكل المعنيين بمشاريعنا التنموية منذ تراجع أسعار البترول، إذ نجح مركز التكامل التنموي في تفعيل شراكات بنّاءة مع كيانات أعمال كبرى في القطاع الخاص؛ أسهمت في تمويل العديد من مشاريع البنى التحتية إضافة للمشاريع العمرانية والسكنية؛ بدون أن تتحمل الدولة أية تكاليف لإقامتها، كما جذبت استثمارات ضخمة كانت كفيلة بسد فجوة التمويل، إضافة لتهيئة البيئة المناسبة للرساميل الوطنية والأجنبية الباحثة عن فرص الاستثمار المجدي.

ملمح آخر، توقفت عنده مليا خلال زيارة المركز، هو فريق عمله المتميز والمكوّن من نخبة مختارة بعناية من أفضل الكفاءات الوطنية الشابة والمؤهلة بأعلى المستويات العلمية في شتى التخصصات التي يتطلبها الإشراف على المشاريع، ورغم محدودية عدد أفراد الفريق الذي لا يتجاوز الـ20 مهندسا وإداريا، إلا أنهم بمثابة نماذج مشرّفة للموظفين الحكوميين، وتتركز مهماتهم في معالجة أسباب تأخير المشاريع، والتنسيق بين الجهات ذات العلاقة مع المستثمرين وتعريفهم بالفرص الاستثمارية، إضافة لقيامهم بتسهيل الإجراءات الإدارية، ومراجعة المبادرات للتأكد من جدواها، وتصنيف المشاريع ذات الأولوية طبقا لمعايير دقيقة؛ علمية وعمرانية واقتصادية وهندسية.

ولا يكتمل الحديث عن مركز التكامل بدون التعريج سريعا على أهم المشاريع التنموية العملاقة التي يشرف المركز على تنفيذها أو التي تم التوقيع على العقود الخاصة بها مع المستثمرين والمطورين ومنها: 1.

مشروع بروج جدة: وهو بمثابة مدينة جدة الجديدة، ويقع إلى الشرق من جدة الحالية وتحديدا في منطقة وادي العسلاء، يتميز المشروع بمساحته الهائلة التي تبلغ 132 مليون متر مربع، ويشتمل على مرافق سكنية وترفيهية ورياضية وطبية وتجارية، وقد بلغت كلفة تطوير بنيته التحتية حتى الآن 6 مليارات ريال.

2.

مشروع قلب جدة: يقع في منطقة المطار القديم، وسيكون أحد المعالم الحضارية البارزة في المدينة، والمشروع سكني تجاري ويقع على مساحة 800 ألف متر مربع، وسيضم مركز مؤتمرات وفنادق وأسواق، وتبلغ استثماراته 10 مليارات ريال.

3.

تطوير منطقة النزهة بجدة: وهو مشروع طموح يستهدف معالجة خلل عشوائي في المدينة، طالما انتظرنا تنفيذه، وقد بُدىء العمل في تجهيزاته بعد أن تم أخيرا نقل الورش الصناعية من المنطقة بعد سنوات من التأجيل، وتبلغ مساحة المشروع 9 ملايين متر مربع.

4.

طريق الملك فيصل بجدة: وهو خط دائري سريع، سيربط بين ميناء جدة ومنطقة أبحر الشمالية، وسيساهم في انسيابية الحركة المرورية وفك الاختناقات على المحاور الرئيسية في المدينة.

5.

مشروع مطار الطائف الدولي: وهو أحد ثلاثة مشاريع عمرانية ضخمة، ستشكل الملامح الجديدة لمدينة الطائف، يقع المشروع على مساحة 48 مليون متر مربع، وسيستوعب 5 ملايين راكب في العام، وقد تم توقيع العقود الخاصة بتوصيل المياه وشق طريق لموقع المشروع الذي من المقرر اكتماله بنهاية عام 2017، كما تم تخفيض كلفة الطاقة الكهربائية الخاصة به.

6.

مشروع واحة التقنية بالطائف: وهو عبارة عن مدينة حيوية متكاملة الخدمات؛ تدعم التنمية الاقتصادية وتسهم في تطوير مشاريع المعرفة في المملكة.

وفي النهاية، لا بد من التأكيد على حقيقة واضحة هي أن الرؤية التي ينتهجها مركز التكامل التنموي بقيادة أمير منطقة مكة وتوجيه خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله -، هي تجسيد فعلي لرؤية المملكة 2030، وإن كانت قد سبقتها في استشراف المستقبل، وتوقع الاحتياجات، ومعالجة التحديات، يضاف لكل ذلك مبادرة المركز لوضع معايير علمية لقياس الأداء، وخطط عمل مرتبطة بجداول زمنية تضمن تنفيذ المشاريع بدون تعثر أو تأخير، مع التسريع بوتيرة الإنجازات واستدامتها، وتذليل العقبات أمام المستثمرين، وصولا لتحقيق الهدف النهائي وهو التكامل التنموي في كافة محافظات المنطقة.