ربما تكون أدق التسميات لمعركة الموصل المرتقبة، تسميتها «طرد داعش من الموصل»؛ لأن هذا يبدو الأمر الوحيد المتفق عليه من الأطراف المختلفة، حيث يرغب الجميع في إخراج داعش من الموصل والتي دخلها في يونيو 2014، ليؤدي ذلك إلى إسقاط رئيس الوزراء نوري المالكي، ليحل بدلا عنه حيدر العبادي الذي لم يستطع تغيير الكثير أو ربما لم يرد ذلك.
معركة الموصل وتحريرها من داعش، هو قص شريط لشكل العراق الجديد، ولهذا تأخرت المعركة كثيرا؛ لأن المهم هو شكل الموصل بعد تحريرها من داعش، أما التنظيم والشعب العراقي «السني» فهو أمر ثانوي، بل إن تأخير المعركة وزيادة الدماء المسفوكة من داعش تعفي الحشد الشيعي التابع لإيران من قتل السنة، تمهيدا لتغيير ديموغرافي في العراق، مؤداه ربط العراق بسورية لتشكيل «داعش» أخرى، وهي الدولة الإيرانية في العراق والشام.
إيران منذ سقوط المالكي عملت على عدة إستراتيجيات للتحكم في العراق الجديد بعد داعش، رغم سيطرتها على مفاصل كثيرة في العراق من 2003-2014، على رأسها الحكومة المركزية، بل إن وجود رجل إيران «نوري المالكي» كرئيس للوزراء لثماني سنوات، ساهم في تصفية خصوم إيران الشيعة منهم والسنة، بل إن الاستقلالية أصبحت الموازي اللفظي للخيانة، وكان الفساد هو الوحل الذي يستخدمه المالكي للحفاظ على ولاء النخبة السياسة.
الإستراتيجية الأولى التي عملت عليها طهران، هي إلغاء الجيش العراقي تماما عبر تشكيل ميليشيات الحشد الشعبي، هذا بالرغم من أن الجيش العراقي لم يكن بذات القوة، وربما هروب عناصره من الموصل أبلغ دليل على ذلك، وتبين أن الجيش كان أحد المسارات التي تؤدي بالمساعدات الأمريكية إلى جيب المالكي، وتشكيل ميليشيات الحشد الشعبي هو أخطر من تشكيل حزب الله اللبناني، فحزب الله تنظيم في لبنان موال وممون من إيران كما يقول أمينه، يُعنى بتدريب عناصر إرهابية من اليمن وبعض دول الخليج، ويُعنى بإدارة الصوت الإيراني عبر قنوات عدة في الضاحية الجنوبية، إلا أنه دون نظام موال لإيران في سورية، لا يملك إلا التوافق مع باقي الفرقاء في لبنان، مهما طالت سكرة السلاح.
أما الحشد الشعبي فهو يمثل استنساخا للحرس الثوري، مما يعني مؤسسة عسكرية متناغمة مع الدولة، تسيطر على مفاصل عدة سياسيا واقتصاديا وتُعنى بقمع أي خصوم، وقطع لسان أي صوت معارض قد يخرج لاحقا، يشمل ذلك بالطبع أي مرجعيات شيعية تعارض ممارسات الحشد.
الإستراتيجية الثانية كانت الدفع بنحو مليون مواطن إيراني، لتوطينهم في مناطق سنية مثل الأنبار أو مناطق مختلطة مثل بعقوبة وديالى، هذا ما تقوم به إيران كذلك في سورية حين فُرغت داريا من سكانها ليحل بدلا منهم سكان موالون للأسد، وهو نهج سوفيتي قديم عبر إحلال سكان عوضا عن آخرين في جمهوريات المعسكر الشرقي، ليقضي ذلك على فكرة وجود كثافة سكانية من إثنية غير موالية.
الإستراتيجية الثالثة والتي ربما تحتاج مقالا مستقلا، هو ما يقوم به نوري المالكي مما قد نسميه «تصفية المشهد السياسي من الخصوم»، حيث يعمل المالكي على ما بدأه خلال فترته الثانية من إصدار أحكام قضائية مسيسة ضد طارق الهاشمي، ليبدأ الآن بتصفية المشهد برلمانيا من رئيس البرلمان سليم الجبوري وهوشيار زيباري وزير المالية وإبراهيم الجعفري وزير الخارجية.
وعودا على الموصل التي تنوي الحكومة «المزهرية» لا المركزية، بمستشارها قاسم سليماني الإطباق على الهلال الشيعي، وقتل فرصة أي تمرد سني مستقبلي، اتجهت هذه الحكومة لاستدعاء السفير التركي ورفض التواجد العسكري التركي في العراق، والذي يتمثل في تدريب لعناصر تركمانية في بعشيقة شمالي الموصل.
رفض وجود السفير السعودي كان سعيا إيرانيا لفصل العراق عن محيطه العربي، والاعتراض على السفير التركي كان سعيا لفصل العراق عن محيطه السني، انتهاكات الحشد في الفلوجة والرمادي وتكريت، من قتل على الهوية وتهجير واختفاء لآلاف المواطنين السنة، سبب كاف لرفض مشاركته في معركة الموصل، كما قال الرئيس التركي أردوغان.
مشاركة فرنسا وتركيا في معركة الموصل مهمة، لحماية الموصل ثاني أكبر مدن العراق من أن ينهب إيرانيا، هي حماية للعرب والتركمان السنة والذين خيروا بين نار داعش وجحيم بغداد، هي حماية أيضا للأكراد في كردستان، إذ إن وصول الحشد لحدود كردستان سيجعل شهيتهم أكبر من داعش لابتلاع أربيل.
معركة الموصل مفصلية في شكل العراق المستقبلي، بنفس الأهمية التي تمثلها معركة حلب في مستقبل سورية وربما أهم، وإذا كانت حلب جذبت المقاتلين من عدة جنسيات، فالموصل جذبت كبرى الدول للاهتمام بمعركتها، وعربيا ستتأثر الكويت والسعودية والأردن وسورية كدول جوار للعراق بنتيجة هذه المعركة وإن بدرجات متفاوتة.