-A +A
محمد آل سلطان
ما زلت وغيري الكثير يطالب بفرض الخدمة الإلزامية العسكرية في السعودية ليس فقط من أجل حماية الوطن وأهله من الخطر الذي قد يتهددها يوما ما وهو سبب وجيه على أية حال!! ولكن لأجل أن هناك كثيرا من الطاقات الشبابية كشفتها لنا وسائل التواصل الاجتماعي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن هذه الطاقات يمكن أن تتحول في بعضها إلى طاقات سلبية فارغة تؤثر على المجموع ولا تحمل أدنى مسؤولية أو التزام تجاه القيم الوطنية والمجتمعية وهي أشبه بأوراق في مهب الريح تؤثر عليها أي اتجاهات مشبوهة أو عدمية وتفقدها في مراحل متأخرة روح الولاء والانتماء الوطني !! كما أن حاجتنا الملحة للوصول لرؤية 2030 التي ركزت في محورها الثالث على «وطن طموح مواطنه مسؤول» يفرض علينا أن ننظر بجدية في إقرار خدمة التجنيد الإلزامية كأحد الوسائل المجربة في تنمية روح المسؤولية عند المواطن وتحويل سلوكه باتجاه أهداف محددة.

هناك دول كثيرة في العالم تفرض على شبابها خدمة إلزامية عسكرية لمدة لا تقل عن العام، وقد لا يكون لهذه الدول ضرورة عسكرية ملحة أو حتى محتملة على الأقل في المدى المنظور.


.

ولكنها تتحمل تكاليف التدريب العسكري والمدني لشبابها لأجل معرفتها بالفوائد الاجتماعية والاقتصادية التي تعود عليها.

.

ولن أستطرد كثيرا في ذكر بعض التجارب، ولكني أجد أن التجربة السويسرية في التجنيد تعد تجربة مثالية ومناسبة لنا في المملكة العربية السعودية، فرغم أن سويسرا هو بلد الحياد الأول في العالم ومعروف أنه البلد الأنسب والآمن لاستضافة المؤتمرات والمنظمات الدولية ولا ينضم لأي تحالفات عسكرية إلا أن لديه تجربة فريدة في الخدمة العسكرية الإلزامية من سن 21- 35 لمدة عام بحيث يتيح للمؤسسة العسكرية تدريب أكبر عدد ممكن من الشباب على فترات مقسمة إلى تدريب أساسي يصل لأكثر من أربعة أشهر ثم تدريب سنوي لمدة ثلاثة أسابيع لست أو سبع مرات في الأعوام التالية لتحسين المهارات المكتسبة سابقا وتطويرها في جوانب عدة وهو مما انعكس على كثير من الشباب السويسري في تعزيز قيم الانضباط والإنتاج في الحياة المدنية.

.

مخطئ من يعتقد أن التجنيد الإلزامي هو دعوة لعسكرة المجتمع أو تعلم بعض الفنون العسكرية فقط بل هو مرتكز أساسي لتنمية روح الولاء والانتماء للوطن ولتغذية الشباب بالقيم الوطنية والعسكرية التي تساعدهم فيما بعد على أداء أعمالهم المدنية بكل إخلاص وانضباط وتعزيز الإنتاجية وتنمية روح الجماعة والفريق والالتزام بالمسؤولية وطاعة وتنفيذ الأوامر، كل تلك عوامل أساسية تكمل الجوانب التربوية التي قد لا تحظى بالاهتمام والتركيز المناسبين في مراحل التعليم الأساسية.

وربما مرّ على بعضنا أن كثيرا من أصدقائنا أو أقاربنا كانوا في مرحلة ما من أعمارهم مثالا للاستهتار وعدم الانضباط الأخلاقي والاجتماعي وعانت منهم أسرهم قبل مدارسهم أشد المعاناة، فإذا انضموا للمؤسسة العسكرية وأنهوا تدريبهم الأساسي وجدنا شبابا آخرين مختلفين عما كنا نعرفهم من قبل !! يملؤهم الاحترام والولاء لمجتمعهم وأوطانهم، قادرين على تنفيذ ما يوكل إليهم بدقة واقتدار.

.

بل إن كثيرا منهم عندما تقاعد أو استقال من الخدمة العسكرية كانوا أيضا ناجحين في أعمالهم الخاصة التي أسسوها فيما بعد واستفادوا أكبر استفادة من الخبرات المعرفية والقيم الروحية التي تلقوها في حياتهم العسكرية السابقة.

.