غردت الأسبوع الماضي تغريدة قلت فيها: (أتمنى لو يصدر قرار بتحويل 50% من مدارسنا الثانوية لمدارس مهنية، مع منح طلابها مكافآت مجزية. خلال 10 سنوات سنستغني عن الملايين من العمالة الوافدة)، المفاجأة السارة كانت رد الفعل الكبير والمؤيد لمضمون التغريدة؛ والذي جاء خلافا لتوقعي، وإن اختلفت طريقة تعبير المغردين عن ذلك التأييد، وبالطبع كانت هناك تعليقات اختلفت مع رأيي، أكثرها لم تعترض على المضمون بقدر ما أبدت وجهات نظرها في آليات التنفيذ، بدءا من ضرورة إحداث تغييرات جوهرية على المنظومة الحالية للتعليم والتدريب، ومرورا بمعالجة الاختلالات العميقة في سوق العمل، وانتهاء بضرورة إعلاء مكانة التعليم التقني والمهني في المجتمع الذي ينظر إليه الكثيرون نظرة دونية وغير موضوعية، إذ يعتقدون أنه لا يوفر مكانة اجتماعية جيدة لخريجيه، ولا يتيح لهم دخلا مناسبا أو حتى فرصاً جيدة لمواصلة تعليمهم لمستويات أعلى.
ولا شك أن الآراء السابقة وجيهة وتستحق من مخططينا التنمويين ومسؤولي تعليمنا المسارعة لإقرار رؤية إستراتيجية مختلفة لإصلاح تلك التشوهات والمفاهيم الخاطئة، ولكن ذلك يستلزم أولا أن نعترف بأخطائنا التعليمية والتخطيطية طوال العقود الماضية، إذ أغفلت وزارتا العمل والتخطيط حاجات البلاد لتعليم (نوعي متميّز)، وهو ما دفعنا لفتح الباب على مصراعيه لاستقدام ملايين الوافدين الذين أصبحوا العمود الفقري لقطاعات حيوية في اقتصادنا؛ لا يمكننا الاستغناء عنهم بشكل مفاجئ لعدم وجود البديل الوطني الجاهز والمؤهل، كل ذلك يتطلب منا اليوم مواجهة هذه الحقيقة المؤسفة بمسؤولية، بإعادة هيكلة التعليم على نحو يقلل من اعتماد اقتصادنا على العمالة الوافدة التي تناهز نسبتها اليوم نحو 33% من عدد سكان البلاد ويتجاوز عددها 10 ملايين عامل، غالبيتهم عمالة حرفية ومهنية، الكثير منها افتقرت حين قدومها للمملكة، للتأهيل اللازم وحصلت عليه -بشكل أو بآخر- بعد تواجدها في البلاد.
الجيد والجديد في الأمر هو صدور الأمر الملكي الكريم قبل نحو أسبوعين والقاضي بنقل مسؤولية التدريب المهني من وزارة العمل إلى ملعب وزارة التعليم التي ستعاود الإشراف على المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وهو ما يعني وضع الأمور في نصابها الصحيح، وفي تقديري فإن القرار الملكي وضع حدا لإخفاق وزارة العمل في استثمار تبعية (المؤسسة) للوزارة طوال 37 عاما، رغم مسؤوليتها عن ضبط وتحرير سوق العمل من الوافدين!، إلا أن السؤال المطروح الآن هو عن قدرة وزارة التعليم في تسجيل الأهداف المطلوبة؟!، وفي مقدمتها تحقيق التكامل بين كل من مؤسسات التعليم والتدريب والتوظيف بالمملكة، كي يتمكنوا من رفد البلاد بالمخرجات التي تساعد على تحقيق رؤية المملكة 2030 وبرامج التحول الوطني ذات الصلة، بتخريج كفاءات وطنية مهنية وفنية وصناعية، في شتى التخصصات وبأعداد كافية ومستويات أداء منافسة.
وفي حين يطالب الكثير من الزملاء الكُتَّاب بإعادة المسمى القديم لوزارة التعليم، وفصلها عن التعليم العالي، فإنني وإن كنت أتفهم أسباب مطالبهم، إلا أنني أعتقد أنه ينبغي تجاوز قضية المسميات أو تجميع المسؤوليات الوزارية المتشابهة تحت مظلة واحدة، والتركيز بدلا عن ذلك على جودة مختلف أنواع التعليم، لأننا لم نلمس تأثيراً جيداً يذكر على حال تعليمنا منذ دمج الوزارتين؛ مقارنة بوضعه حينما كان مسمى الوزارة هو (التربية والتعليم)، ولا عندما كان التعليم العالي له وزارته المستقلة!، حيث لا يزال تعليمنا العام يفتقد للرؤية الواضحة، ويئن تحت وطأة ثلاثة تحديات كبرى هي:
1. بيئة التعليم التي تتطلب تطويرا شاملا من حيث المباني والتجهيزات وأساليب التعليم والأنشطة اللاصفية.
2. كوادر التدريس التي يحتاج معلميها لاستعادة هيبتهم أمام طلابهم، واكتساب المهارات الحديثة.
3. المناهج التي ينبغي تركيزها على المواد العلمية واللغات والمهارات الملائمة لاحتياجات المرحلة.
وبالعودة للتغريدة التي بدأت بها المقال، فإن إصلاح خلل التعليم الواضح وتشوهات سوق العمل المزمنة، يتطلب النظر جديا في التحويل التدريجي لنسبة متزايدة سنويا من مدارسنا الثانوية لتصبح معاقل لتخريج مهنيين وفنيين تحتاجهم بلادنا، إلا أن تحقيق ذلك سيتطلب إجراء استعدادات وتغييرات جذرية على عدة مستويات تشمل تعديل وتطوير المناهج، وتوفير الأعداد الكافية من المدربين، وقبل ذلك؛ تغيير النظرة المجتمعية الدونية للعمل الحرفي والتقني.
وبالإضافة للنتائج الإيجابية المتوقعة للتوسُّع في التعليم المهني، فإن توجُّها كهذا سيخفف من الضغط الكبير على جامعاتنا، خصوصا أن نسبة التحاق خريجي الثانوية بالتعليم الجامعي في المملكة هي من أعلى النسب دوليا؛ يدرس غالبيتهم في تخصصات نظرية؛ تشبّع بها سوق العمل، ويعاني خريجوها من البطالة.
لكل ما تقدم أرجو أن تبادر وزارة التعليم لاستثمار القرارالملكي الأخير بالشكل الأمثل، وأن تستفيد في ذلك من تجارب الدول ذات الأنظمة التعليمية المهنية القوية ومن أفضلها ألمانيا، كما يتعين عليها التنسيق كذلك مع الغرف التجارية، وكبريات الكيانات الاقتصادية في مختلف القطاعات، والتي توظف أعدادا كبيرة من العمالة الوافدة في شتى التخصصات، آملاً أن تشمل الرؤية التعليمية الجديدة خطة تنفيذية تضمن تحويل نسبة محددة من المدارس الثانوية التي يناهز عددها حاليا نحو 10 آلاف مدرسة؛ يدرس بها نحو مليون ونصف المليون طالب، لتصبح مدارس مهنية وصناعية.
ختاما فإن بقاء تعليمنا على ما هو عليه دون إعادة هيكلته سريعا؛ سواء من حيث الرؤية الإستراتيجية أو الهياكل والممارسات، سيعيق المضي قدما في توطين الوظائف الفنية والمهنية، وسيفاقم من تشوهات سوق العمل، ويؤجل التعامل مع تحدي الاستقدام المتزايد عاما بعد عام، كما سيكون عائقا أمام حصول نسبة متعاظمة من شبابنا على فرصهم العادلة؛ سواء في التعليم المنتهي بالتوظيف، أو في إطلاق منشآتهم المهنية الخاصة بهم بدون انتظار وظائف (إدارية) قد لا تأتي قريبا!.
ولا شك أن الآراء السابقة وجيهة وتستحق من مخططينا التنمويين ومسؤولي تعليمنا المسارعة لإقرار رؤية إستراتيجية مختلفة لإصلاح تلك التشوهات والمفاهيم الخاطئة، ولكن ذلك يستلزم أولا أن نعترف بأخطائنا التعليمية والتخطيطية طوال العقود الماضية، إذ أغفلت وزارتا العمل والتخطيط حاجات البلاد لتعليم (نوعي متميّز)، وهو ما دفعنا لفتح الباب على مصراعيه لاستقدام ملايين الوافدين الذين أصبحوا العمود الفقري لقطاعات حيوية في اقتصادنا؛ لا يمكننا الاستغناء عنهم بشكل مفاجئ لعدم وجود البديل الوطني الجاهز والمؤهل، كل ذلك يتطلب منا اليوم مواجهة هذه الحقيقة المؤسفة بمسؤولية، بإعادة هيكلة التعليم على نحو يقلل من اعتماد اقتصادنا على العمالة الوافدة التي تناهز نسبتها اليوم نحو 33% من عدد سكان البلاد ويتجاوز عددها 10 ملايين عامل، غالبيتهم عمالة حرفية ومهنية، الكثير منها افتقرت حين قدومها للمملكة، للتأهيل اللازم وحصلت عليه -بشكل أو بآخر- بعد تواجدها في البلاد.
الجيد والجديد في الأمر هو صدور الأمر الملكي الكريم قبل نحو أسبوعين والقاضي بنقل مسؤولية التدريب المهني من وزارة العمل إلى ملعب وزارة التعليم التي ستعاود الإشراف على المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني وهو ما يعني وضع الأمور في نصابها الصحيح، وفي تقديري فإن القرار الملكي وضع حدا لإخفاق وزارة العمل في استثمار تبعية (المؤسسة) للوزارة طوال 37 عاما، رغم مسؤوليتها عن ضبط وتحرير سوق العمل من الوافدين!، إلا أن السؤال المطروح الآن هو عن قدرة وزارة التعليم في تسجيل الأهداف المطلوبة؟!، وفي مقدمتها تحقيق التكامل بين كل من مؤسسات التعليم والتدريب والتوظيف بالمملكة، كي يتمكنوا من رفد البلاد بالمخرجات التي تساعد على تحقيق رؤية المملكة 2030 وبرامج التحول الوطني ذات الصلة، بتخريج كفاءات وطنية مهنية وفنية وصناعية، في شتى التخصصات وبأعداد كافية ومستويات أداء منافسة.
وفي حين يطالب الكثير من الزملاء الكُتَّاب بإعادة المسمى القديم لوزارة التعليم، وفصلها عن التعليم العالي، فإنني وإن كنت أتفهم أسباب مطالبهم، إلا أنني أعتقد أنه ينبغي تجاوز قضية المسميات أو تجميع المسؤوليات الوزارية المتشابهة تحت مظلة واحدة، والتركيز بدلا عن ذلك على جودة مختلف أنواع التعليم، لأننا لم نلمس تأثيراً جيداً يذكر على حال تعليمنا منذ دمج الوزارتين؛ مقارنة بوضعه حينما كان مسمى الوزارة هو (التربية والتعليم)، ولا عندما كان التعليم العالي له وزارته المستقلة!، حيث لا يزال تعليمنا العام يفتقد للرؤية الواضحة، ويئن تحت وطأة ثلاثة تحديات كبرى هي:
1. بيئة التعليم التي تتطلب تطويرا شاملا من حيث المباني والتجهيزات وأساليب التعليم والأنشطة اللاصفية.
2. كوادر التدريس التي يحتاج معلميها لاستعادة هيبتهم أمام طلابهم، واكتساب المهارات الحديثة.
3. المناهج التي ينبغي تركيزها على المواد العلمية واللغات والمهارات الملائمة لاحتياجات المرحلة.
وبالعودة للتغريدة التي بدأت بها المقال، فإن إصلاح خلل التعليم الواضح وتشوهات سوق العمل المزمنة، يتطلب النظر جديا في التحويل التدريجي لنسبة متزايدة سنويا من مدارسنا الثانوية لتصبح معاقل لتخريج مهنيين وفنيين تحتاجهم بلادنا، إلا أن تحقيق ذلك سيتطلب إجراء استعدادات وتغييرات جذرية على عدة مستويات تشمل تعديل وتطوير المناهج، وتوفير الأعداد الكافية من المدربين، وقبل ذلك؛ تغيير النظرة المجتمعية الدونية للعمل الحرفي والتقني.
وبالإضافة للنتائج الإيجابية المتوقعة للتوسُّع في التعليم المهني، فإن توجُّها كهذا سيخفف من الضغط الكبير على جامعاتنا، خصوصا أن نسبة التحاق خريجي الثانوية بالتعليم الجامعي في المملكة هي من أعلى النسب دوليا؛ يدرس غالبيتهم في تخصصات نظرية؛ تشبّع بها سوق العمل، ويعاني خريجوها من البطالة.
لكل ما تقدم أرجو أن تبادر وزارة التعليم لاستثمار القرارالملكي الأخير بالشكل الأمثل، وأن تستفيد في ذلك من تجارب الدول ذات الأنظمة التعليمية المهنية القوية ومن أفضلها ألمانيا، كما يتعين عليها التنسيق كذلك مع الغرف التجارية، وكبريات الكيانات الاقتصادية في مختلف القطاعات، والتي توظف أعدادا كبيرة من العمالة الوافدة في شتى التخصصات، آملاً أن تشمل الرؤية التعليمية الجديدة خطة تنفيذية تضمن تحويل نسبة محددة من المدارس الثانوية التي يناهز عددها حاليا نحو 10 آلاف مدرسة؛ يدرس بها نحو مليون ونصف المليون طالب، لتصبح مدارس مهنية وصناعية.
ختاما فإن بقاء تعليمنا على ما هو عليه دون إعادة هيكلته سريعا؛ سواء من حيث الرؤية الإستراتيجية أو الهياكل والممارسات، سيعيق المضي قدما في توطين الوظائف الفنية والمهنية، وسيفاقم من تشوهات سوق العمل، ويؤجل التعامل مع تحدي الاستقدام المتزايد عاما بعد عام، كما سيكون عائقا أمام حصول نسبة متعاظمة من شبابنا على فرصهم العادلة؛ سواء في التعليم المنتهي بالتوظيف، أو في إطلاق منشآتهم المهنية الخاصة بهم بدون انتظار وظائف (إدارية) قد لا تأتي قريبا!.