-A +A
خالد صالح الفاضلي
توجد مجموعة من القوانين الخفية الحاكمة للاقتصاد والتنمية، في صدارتها البند رقم واحد «غير أخلاقي لكنه ليس ضد القانون»، القانون الثاني يتمثل في أسطورة «حصن نوكس»، القانون الثالث «السيطرة على السقوط»، وغيرها عدد قليل من طلاسم لعبة التنمية والاقتصاد بصفتها مزرعة تربية المليارات لأشخاص امتطوا حصان القانون لسرقة أعلاف الشعوب.

نبدأ بحصن نوكس، وهو مكان شديد التحصين في مدينة «فيل لويس» ولاية «كنتاكي» يحمي منذ عام 1936 ميلادية أسطورة أمريكية تقول إنه يحتوي على 147 مليون أونصة ذهب، ما يعادل حالياً 600 مليار دولار، أو 3% من احتياطي الذهب العالمي، لكنه رغم ذلك لا يزال إثباتها صعبا للمواطن الأمريكي وكذلك وسائل الإعلام، بينما نفيها يعني انهيار الاقتصاد الأمريكي، وتحويل أمريكا إلى مسرح شغب، وفوضى، وهو مصير تواجهه كل دولة في حال ضاع الاحتياط النقدي أو الذهبي من خزائنها.


يأتي قانون «السيطرة على السقوط» مكملاً لاستمرار الولايات المتحدة الأمريكية في تحصين «نوكس» ضد نفي الأسطورة، بقوة تفوق تحصينها مفاعلاتها النووية، لأن الاقتصاد مبني دوماً على نظرية «الثقة»، بمعنى أن الشعوب تود أن تُقنع ذاتها «تلقائياً» بأن الحكومات تسيطر على الاقتصاد حتى لو لم تكن تسيطر عليه، لذلك فالمساس بمبدأ الثقة في الاقتصاد أخطر من المساس به، وهي قاعدة جرحها وزير سعودي قبل عدة أيام بتأكيده - في لقاء تلفزيوني - أن الاقتصاد السعودي كان في مواجهة إفلاس خلال ثلاث سنوات.

كان احتمال أن لا يعود الوزير من الأستديو إلى مكتبه أكبر بكثير من الصمت على تصريحاته، أو على الأقل إجبار الوزير على توضيح، بينما الكارثة الأكبر تكمن بأن وزير المالية كان بجواره في اللقاء التلفزيوني، ولم ينف أو يوضح، مكتفياً بتقديم ضربة أكبر للاقتصاد السعودي عندما قال بما معناه إن وزارته تدير جزءا كبيرا من الاحتياطي النقدي السعودي في الأسواق العالمية بحرفية وربحية أكثر مما تحققه بعض الصناديق السيادية (تأتي في مواجهة رصاصته صناديق سيادية تم تأسيسها أخيراً) وهي صناديق تقول للنفط كن ثانياً في الدخل القومي السعودي.

يعتمد الاقتصاد على «الثقة» وليس على الأرقام، الأوهام، أو الشرطة والمحاكم، ولا يمكن وضع قانون «أنا ذات الشخص لكنني أتحرك في اتجاه مختلف» على الأوطان، بينما يقتل الاقتصاد ممارسات خفية تأتي جميعها تحت وصف «غير أخلاقي لكنه ليس ضد القانون» الذي تتم ممارسته في تلاعبات أسواق متعددة «الأسهم، العقار، المقاولات، الصحة، الدواء، وكذلك حبر توقيع العقود الحكومية».

كان انعدام الثقة سبب انهيار العملات، أسواق الأسهم، البنوك، وأسعار المعادن الثمينة «هبوطاً أو ارتفاعاً»، بينما هروب القطاع الخاص وأصحاب الثروات من مساندة الدولة في مشاريع التنمية نتيجة حتمية، وكذلك تهجير الأموال، لذلك فبناء الثقة في الاقتصاد السعودي بات مهمة أكبر من مهمة تقويته، أكبر من الانتصار في حرب، وتحتاج إلى «مخمخة» أكبر مما يفعله الشاعر خلف بن هذال في بناء قصيدة وطنية.