-A +A
خالد صالح الفاضلي
ثمة فرق بين شخصيات القيادة، وشخصيات المناصب، فالشخصية القيادية هي من تبحث عنه المؤسسة، والتفاوض معه، وتوليته دفة سفينة مستقبلها، أما شخصيات المناصب فإنهم مجتهدون، راكضون، لاهثون، ولا يستقر لهم بال حتى يضعوا أجسادهم على كراسي وثيرة، يدللونها بدفء الجلد الفاخر، بينما جماجمهم مدفونة في صقيع الجهل الإداري والمعلوماتي.

يمتلك عشاق المناصب أدوات رائعة في بناء صورة ذهنية عنهم ليس لها علاقة بحقيقة قدراتهم على أداء مهام مطلوبة من المنصب الإداري، ويملكون عينا بصيرة جداً بإشكالات تواجهها «إدارة حكومية» أو «شركة»، وأحياناً معرفة موسوعية في أسواق الشركة محلياً وعالمياً، كذلك تربطهم علاقات شخصية مع قيادات كبار اللاعبين في هذه الأسواق، وأجهزة جوالاتهم مليئة بأسماء نافذة ومتنفذة، لكنهم في ذات الوقت غير قادرين على تصنيع حلول ناجعة، أو قدرات تطويرية، غايتهم فقط الجلوس على رأس هرم، وتسخير البحث عن هرم أكبر.


يقرأ عشاق المناصب في كل مجلس تلمود «الأنا»، فردهم ممتلئ بنفسه، يلف عنق كل «سالفة» تدور في المجلس لإعادة تسويق نفسه على الموجودين، يعيد بيع نفسه ألف مرة في الجلسة، فكل اسم يرد في الحديث «هو صديقه» وبينهما - في هذه الأيام - دردشة «واتساب»، أو رسالة خاصة في «تويتر»، وثمة نقطة ضعف تتضح لديهم جميعاً، وهي إصرارهم على أنهم مرتبطون بحميمية، و«ميانة» قوية مع رؤسائهم الأعلى منهم، فمدير مستشفى مثلاً قد لا يتردد في التأكيد على أن وزير الصحة هاتفه ليلة البارحة يستشيره.

يصعب كشف خفوت قدرات وأداء عاشق المنصب، إلا بعد زمن غير قصير بعد جلوسه على الكرسي، لأنه يمتلك قدرة فائقة للمكر والنكر على تبرير إخفاقاته، ففي المرحلة الأولى يضع العتب على الإدارة القديمة، وأنه ورث تركة مترهلة، ويحتاج زمنا لشد الترهلات، وتجسير أعمال المؤسسة، بينما يؤكد دوماً أن المؤسسة مكتظة برعيل قديم يجب زحزحتهم من أجل تخفيف أثقال الفشل القائم، ثم قبل أن يتأكد للجميع بأنه مجرد ظاهرة صوتية، وأنه رأس تحت مقصلة الفصل أو الطرد، «ينط» بلمح بصر إلى كرسي أكثر وثارة على قمة هرم آخر.

تتحمل المؤسسات «حكومية أو قطاعا خاصا» سلبيات واقع فشلها نتيجة تقاعسها عن إيجاد فريق قناصة، مهمته الوحيدة البحث عن «شخصية قيادية» داخل المؤسسة أو خارجها، «شخصية تنفيذية» تمتلك سلة حلول، وسلة تطلعات، تستطيع رؤية نقاط القوة في كل موظف، وتستطيع انتشال سفينة «تايتنك» من قاع البحر بعد غرقها بمائة عام، وإعادتها إلى الإبحار مجدداً.

يوجد أيضاً في قفص الاتهام مكاتب التوظيف، وسيادة مبدأ «الولاءات قبل الكفاءات»، أيضاً عدم وجود قاعدة بيانات توصيف وظيفي دقيق وواضح وعادل لدى قطاعات الحكومة وغالبية القطاع الخاص، بالإضافة إلى صفة شائعة عند القيادات التنفيذية وهي أنهم يعملون أكثر مما يتحدثون، وعدم قدرتهم على تلاوة تلمود «الأنا»، ولا يجيدون نفخ بالون الصورة الذهنية المكذوبة.