-A +A
سعيد السريحي
خلصت الدراسة التي أجرتها هيئة مكافحة الفساد إلى أن ضعف الوازع الديني والأخلاقي يعد السبب الأكبر في انتشار الفساد المالي والإداري، إذ يشكّل ما نسبته 83% من الأسباب الأخرى، وإذا كان المجتمع يتقبل مثل هذه النتيجة من واعظ أو خطيب جامع يحض الناس على التشبث بأهداب الدين لحمايتهم من شهوات النفس التي يمكن لها أن تقودهم إلى الفساد فإن المجتمع نفسه لا يمكن له أن يتقبل الأمر نفسه من هيئة يتوخى منها مراجعة الأنظمة والقوانين والإجراءات التي لم تستطع توفير الحماية الكافية للمجتمع والمال العام من فساد من لا تردعهم قيم الدين ومقومات الأخلاق عن الإساءة له أو السطو عليه.

إن مقتضى أن تعلن الهيئة أن ما نسبته 83% من أسباب الفساد يعود لضعف الوازع الديني يعني إعادة رميها للكرة في ملعب المجتمع نفسه ومؤسساته العلمية والدينية لكي يصلحوا أمر هذا الفساد، دون أن تنهض هي بمسؤوليتها التي تقتضي منها التعاون مع الجهات الرقابية والأمنية للكشف عن الخلل الذي يعتري الأنظمة فتعجز عن الحيلولة دون أن يتمكن من لا يملكون الوازع الديني ولا الأخلاقي من الفساد، وذلك انطلاقا من أن الأنظمة والقوانين إنما يتم تأسيسها على فرضية أن تكون قادرة على مواجهة ما تعجز القيم والأخلاقيات عن مواجهته وليس العكس كما يبدو من النتيجة التي انتهت إليها دراسة هيئة مكافحة الفساد. والهيئة بما انتهت إليه دراستها من نتيجة مطالبة بالإجابة على سؤالين: يتمثل الأول منهما في الكيفية التي استطاعت من خلالها دول غير دينية وشعوب غير مؤمنة من توفير حماية مجتمعاتها وتوفير الحماية لها من الفساد؟، والتساؤل الثاني يتمثل في النتيجة التي انتهت إليها عقود من الوعظ والنصح والإرشاد والأشرطة المسجلة وكتيبات «أبو ريالين» ووعاظ زمن الصحوة حين انتهى ذلك كله إلى بناء مجتمع يعود الفساد فيه إلى غياب الوازع الديني والأخلاقي عنه؟


المجتمع لا ينتظر من هيئة مكافحة الفساد تكرار عبارات كررها عليه من قبل الوعاظ والدعاة وإنما يريد من الهيئة مراجعة شاملة ودقيقة للأنظمة ومن ثم تقديم نتائج تحدد أسباب الفساد، ذلك أن من الفساد تجاهل أسباب الفساد وإعادة المسؤولية عنه إلى ما ليس للهيئة دخل في إصلاحه.