-A +A
عبدالله صادق دحلان
نعيش في نهاية هذا العام وبداية العام الجديد نقلة نوعية وأحداثا جوهرية في أجواء التحولات الاقتصادية العالمية ذات الأثر الفعال في رسم محاور وعلاقات القوى الاقتصادية المؤثرة والتي تحدد التوجهات المستقبلية في كلا العالمين الشرق أوسطي والأوروبي والآسيوي إلى حد ما ولمقابلة هذه التقلبات الاقتصادية وتحدياتها والتعايش معها يتطلب منا إعادة النظر في تكتلاتنا الاقتصادية وفي ظل الضغوطات والمنافسة الشرسة وفرض السيطرة من أكبر اقتصاد عالمي ينبغي علينا أن نراقب بحذر ونعد الخطط لمواءمة العصر الجديد والفريد من نوعه في قيادة أقوى دول العالم الاقتصادية والتي تعد العدة في رسم الخطوط العريضة للاقتصاد العالمي في العصر الجديد، وهي خطط غير واضحة وغير معلنة وأخشى أن تكون مفاجآتها كبيرة، وفي نهاية فترة الرئيس أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية والذي استطاع أن يققز بالاقتصاد الأمريكي من اقتصاد واجه أحد أكبر مشكلاته المالية في تاريخه إلى اقتصاد تعافى من نكساته المالية وأخذ طريقه للنمو. رغم أن الاقتصاد الأمريكي تعثر في الأداء في الربع الأخير من عام 2015م الذي شهد نمواً بنسبة 0.7% فقط، وكان السبب الرئيسي لهذا التراجع هو عمليات تصفية الاستثمار في قطاع الطاقة والإسهام السلبي لصافي الصادرات. ومن المتوقع أن يستمر التأثير السلبي لهذين العاملين على الاقتصاد حتى نهاية عام 2016، ولكنني أتوقع أن يقود الارتفاع القوي للاستهلاك إلى رفع النمو في الولايات المتحدة إلى نحو 2%، وهو ما يعدّ أعلى قليلا من المعدل الطبيعي للنمو، بينما شهد نمواً قوياً في الربعين الثاني والثالث من عام 2015، حيث نما بنسبة 3.9% و 2.0% على التوالي. إن الناتج المحلي الإجمالي هو عبارة عن ناتج مجموع بعض من المكونات مقياساً للطلب الكلي في الاقتصاد ومن هذه المكونات الاستهلاك الخاص، واستثمارات القطاع الخاص، والإنفاق الحكومي وصافي الصادرات ويمكننا تحليل النشاط في الاقتصاد الأمريكي عن طريق فحص مكوناته المختلفة، ويتوجب علينا هنا أن نحلل وندرس ونحدد توقعاتنا بالنسبة لكل من هذه المكونات في نهاية عصر حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما والمحددة بنهاية عام 2016 وعصر الرئيس الجديد دونالد ترامب بداية عام 2017م،

والملاحظ من واقع استمرار الاستهلاك الخاص في النمو في عام 2016 بنحو 3.3%. علما أن الاستهلاك يعتبر أكبر مكونات الناتج المحلي الإجمالي، والذي يمثل حوالى 70%. وقد انتعش نمو الأجور في الأشهر الأخيرة ليصل إلى 2.5% في أكتوبر.


وزادت الوظائف بمعدل أكثر من 220 ألفا في الشهر في عام 2015، ما أدى إلى انخفاض معدل البطالة إلى 5.0%. وأدى الانتعاش القوي في سوق العمل وانخفاض معدل البطالة إلى استفادة عدد أكبر من العاملين من ارتفاع الأجور. وعلاوة على ذلك، فقد تعززت القوة الشرائية للمستهلكين بانخفاض أسعار النفط، وهو ما وفر بعض الدخل لصالح الاستهلاك. وفي المقابل لا أرى أن الصورة وردية بالنسبة للاستثمارات، فتراجع أسعار النفط يدفع شركات الطاقة في الولايات المتحدة إلى تقليص نفقاتها الاستثمارية، وهو من أحد مؤثرات انخفاض النمو في عام 2016.

وتوقعاتي في بداية سنوات الحكم الجديد أن ينمو الاستثمار في قطاعات أخرى في الولايات المتحدة باعتدال وأخص بالذكر الاستثمارات في المباني السكنية، وبشكل عام هناك توقعات لحدوث ارتفاع في نمو الاستثمارات العقارية، وذلك بسبب هجرة بعض من الأموال من الشرق الأوسط ومن أوروبا وآسيا إلى البنوك الأمريكية نتيجة ارتفاع سعر الفائدة والتي ستعيد البنوك ضخها للتطوير العقاري والاستثمارات العقارية والتمويل العقاري وقد بدأ هذا بالفعل، حيث بدأت أسعار الإسكان ترتفع وبدأت الحركة العقارية تنمو بازدياد. كما أتوقع أن تشكل الصادرات ثقلا على الاقتصاد. فقد أدى ارتفاع قيمة الدولار إلى زيادة مؤشر سعر الصرف الفعلي الحقيقي - وهو أداة تستخدم لقياس تراجع القدرة التنافسية لأسعار الصادرات - بنسبة 15.6% منذ بداية عام 2014.

ومن المرجح أن يستمر الدولار الأمريكي في الارتفاع في المستقبل، حيث يُتوقع أن يستمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في تنفيذ سياسة التشديد النقدي، في الوقت الذي ستقوم فيه أغلب البنوك المركزية الأخرى، خاصة في منطقة اليورو واليابان، بتيسير سياساتها النقدية أكثر. ونتيجة لذلك، فإنني أتوقع أن يطرح صافي الصادرات حوالى 0.4 نقطة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يتماشى مع ما حدث في الربع الرابع من عام 2015. إن هذا التحليل البسيط للاقتصاد الأمريكي خلال فترة الرئيس أوباما يؤكد تعافي الاقتصاد الأمريكي بعد أزمته المالية في نهاية عهد الرئيس بوش. ويؤكد أن الاقتصاد الأمريكي سيلعب دوراً أساسياً وقوياً في الاقتصاد العالمي. وقد تكون هي الأداة الأقوى التي ستسيطر بها الحكومة الجديدة بالولايات المتحدة ولا سيما أن من سيرأسها هو رجل أعمال يدير أعماله بفكر اقتصادي أكثر من فكر سياسي. وهذا يدفعني إلى المطالبة بضرورة التركيز على السياسات الاقتصادية في المرحلة القادمة التي تضمن ندية التعامل وعدم الاحتياج إلى الدعم واللجوء إلى الدين الخارجي.