-A +A
محمد الساعد
في لقاء سابق أجراه الزميل سلطان القحطاني عبر قناة روتانا خليجية، قال الكاتب الاقتصادي الدكتور حمزة السالم - الذي كان حينها مستشارا لوزير الإسكان -، إنه يدافع عن مشروع سيحقق لوزارة الإسكان والدولة إيرادات تقدر بمئات المليارات من الريالات، والتي ستصل لما يزيد على ترليون ريال.

كانت قنبلة مالية مدوية، وفي شرحه لها، لمح السالم إلى أنها آلية لبيع سندات الدين العقاري بأقل من أسعارها، لتحقيق إيرادات مالية سريعة، وتدوير تلك العوائد، وإقراضها من جديد، ومن ثم بيعها مرة أخرى، وهي الآلية نفسها التي استخدمت في أمريكا، وأدت للانهيار الاقتصادي العظيم العام 2008، المستند على نظام بيع ديون المورقج.


لم يمض سوى أقل من عام حتى أطلق الدكتور السالم قنبلة اقتصادية جديدة، عبر مقال له عن ترليون ريال آخر، لكن هذه المرة فقد من خزينة الدولة - كما يدعي-، إنهما تريليونان أحدهما يدخل للخزينة، والآخر يختفي منها.

يحتاج مقال الدكتور حمزة السالم المنشور قبل أيام، الذي يسأل فيه عن فقد الترليون، إلى زيارة خاطفة لخزينة الدولة للتأكد من أن ترليون ريال اختفى فجأة، دون أن تعلم كل الأجهزة المالية في الدولة، أو يتسرب عنها شيء.

انتقال ترليون ريال من حسابات المالية السعودية، يحتاج إلى شبكة واسعة من الحسابات تعتمد على آلاف من الشركات والمؤسسات الوهمية، والمعاملات الوسيطة، المعقدة التي يستحيل إنشاؤها في أقل من عام، ليتم تمرير الترليون عبرها دون أن تلفت انتباه العالم، وهذا مستحيل، وغير ممكن أبدا.

الأموال مراقبة بشدة وحركتها متابعة، ولو دخل ذلك الترليون لحساب بنكي حول العالم، لوجدت الأجهزة الأمنية الدولية ووسائل الإعلام الغربية فرصتها الذهبية، في إطار الحملة التي تقودها ضد السعودية.

الحديث عن اختفاء ترليون، من خزينة الحكومة ليس حديثا عن فقد عشرة آلاف ريال من بقالة الحي، إنه يساوي دخل قناة السويس لخمسين سنة، نحن نتحدث عن ثلث الاحتياطي النقدي الذي أعلنت عنه وزارة المالية السعودية مرارا خلال السنوت الماضية.

لعل مقال الدكتور حمزة يطرح مجموعة من الأفكار والأسئلة التي يجب مناقشتها.

أولا: كيف بنى حمزة السالم منهجيته في تتبع الترليون ريال واختفائه كما نشرها، إذ يؤكد انه اعتمد على مقدار حساب النقد الأجنبي من ريع النفط، ومن السحب من الاحتياطات والاستدانة الأجنبية، الذي دخل على الحكومة في عام 2015 وتسعة أشهر من 2016، وهو في تقديره أعظم مقدار دخل على البلاد في تاريخها، حيث بلغ قرابة 1.9 ترليون ريال.

ثانيا: هناك مبالغة كبيرة في تقديرات دخل المملكة من الدكتور حمزة، حين وضعها على ميزانية 2015 و 2016، في حين أن السنة المالية لـ 16 لم تعلن بعد، وبالتالي لا يعرف منها المصروفات ولا الإيرادات بشكل دقيق.

ثالثا: وضع السالم تصوره عن إيرادات العام 2015، وتسعة أشهر من 2016، على مداخيل البترول والسحب من الاحتياطات والاستدانة، بينما تقول الميزانية المنشورة في 2015، ان الإنفاق يقدر في حدود 840 مليار ريال، ويقابله إيرادات متوقعة بقيمة 513.8 مليار ريال، ما يعني عجزا بقيمة 326.2 مليار ريال.

ولتوضيح الإشكال، خصوصا وأن البترول هو الممول الأساس لتك الإيرادات، فقد أكد لي مصدر رفيع وقريب من صناعة النفط لفترة طويلة، أنه لا يمكن لأي أحد أن يعرف بالضبط عوائد البترول بدقة؛ لأنها ليست بتلك البساطة المتوقعة، إذ تعتمد على آلية معقدة وطويلة، وتحسب فيها كميات التصدير وليس الإنتاج، فنحن لا نصدر كل إنتاجنا، إضافة لاختلاف أسعار البيع الفوري، والبيع بالآجل، والأسعار التنافسية والتسويق، مخصوما منها مصاريف الإنتاج والتشغيل وغيرها، ولهذا فإن تقديرات الدكتور السالم للإيرادات بأنها وصلت إلى ترليون و900 مليار مبالغ فيها وغير صحيحة أبدا.

رابعا: السالم وضع نظريته للإيرادات مقارنة مع أسعار الخمس سنوات الماضية، بينما متوسط أسعار 2015 كانت 40 دولارا، و 2016 لا تزال في الثلاثين دولارا، ودون ميزانية 2016، التي تبين المصروفات والإيرادات، تصبح كل التقديرات وهمية، وتعطي المتلقين إيحاء خاطئا وكأنها أموال ضائعة.

خامسا: لقد خلط السالم بين التخلي عن الالتزام بمشاريع مستقبلية، وبين أن مبالغها كانت مرصودة في خزانة الدولة، حين استند على كلام وزير الدولة محمد آل الشيخ والمعني بشكل دقيق بالجزء المالي من الملف الاقتصادي، بعدما قال في حوار لمجلة بلومبرغ، لقد استطعنا إيقاف الالتزام بمشاريع بما يزيد على ترليون ريال، وبشكل مبسط عندما تقول لقد أوقفت بناء منزلي بمليون ريال، هذا لا يعني أن المليون كانت في خزنتك، بل ستقوم بتدبيرها من خلال العوائد القادمة أو الاستدانة.

سادسا: أخرج من المصاريف حرب اليمن، والتي قدرها تارة 15 مليار ريال وتارة 20 مليارا، وهو تخمين في غير محله، فالحرب لم تنته، وتكاليفها الفعلية غير معروفة لحد اليوم، والإفصاح من عدمه هو حق للدولة، إذ تعد من الأسرار العسكرية التي تحفظ أمن البلد ومستقبله.