-A +A
عزيزة المانع
يغلب على الناس، استمتاعهم بالأساطير، سواء كانوا رواة لها أو متلقين، فالأساطير تشبع بعض الاحتياجات النفسية غير المشبعة لدى الإنسان، فتجلب له الشعور بالمتعة والارتياح، وربما هذا ما جعل عالم الأساطير يزدهر في حياة الناس منذ أن وجدوا على هذه الأرض.

الأساطير متعددة المواضيع، بعضها عن عالم الآلهة كالأساطير اليونانية والرومانية، وبعضها عن الجن وعلاقتهم بالإنس وقد حفلت بكثير منها كتب التراث العربي، وبعضها عن عالم العشق والغرام كالأساطير التي تروى عن إصابة المحبين بالمرض والجنون والصعق والإغماء والموت بسبب فرط الحب.


وفي كتب التراث العربي ترد بعض أساطير الحب منسوبة إلى فقهاء لهم مكانتهم العلمية لدى الناس كابن الجوزي، وابن حزم، ومحمد بن داود، مما يعطي لها شيئا من الثقل ويجعلها قابلة للتصديق.

من تلك الأساطير الزعم أن المحب يصاب بالصعق والإغماء عند سماعه ذكر الحبيب الغائب، وتتكرر أخبار القصص التي يخر فيها (الفتى) أو (الجارية) مغمى عليه أو عليها عند سماعه ذكر الحبيب. وقد يكون الإغماء أهون ما يحل بالمحب المحروم، فمتى كان التعلق بالحبيب شديدا سبب لصاحبه المرض والهزال وانتهى به إلى أسوأ نهايتين: الجنون، فيهيم على وجهه شارد الذهن يقبل الجدران ويخاطب الغزلان وينوح مع الحمام كما حدث لقيس بن الملوح، أو أن (يذوب) قلبه لفرط ما به من (حُرق) فيخر ميتا!!

والموت بالحب يتكرر حدوثه في هذه الأساطير فالذين ماتوا بالحب كثيرون، مثل جعفر بن الخليفة العباسي المنصور، قتله عشقه لامرأة من الجن، ومحمد بن داود الفقيه العراقي، صاحب كتاب (الزهرة) الذي يتحدث عن الحب، مات بالحرمان من الحبيب، والشاعر الأموي الرقيق العباس بن الأحنف ومعه عروة بن حزام وعروة بن الورد، كلهم قضوا بسبب الحب!!

ونسج أساطير الموت بالحب، ليس من الضروري أن يكون دائما حول أعلام معروفين، فقد تنسج الأسطورة حول النكرات أيضا، وذلك يجعل حبكها أسهل حين ترد أخبار المحبين دون تعريف بشخصياتهم فتقتصر على الإشارة إليهم بلقب (فتى) أو (جارية) كما يتكرر ذلك في أساطير كتاب (الأغاني) وأمثاله.

في تلك الأساطير، يظل العاشق مغفلا أمره، لا أحد يكترث له بل ربما ليم أو سخر منه، لكنه متى جن أو مات بالحب، تحول في الأسطورة إلى بطل وإلى اسم يستحق التخليد!!