-A +A
غسان بادكوك
من أبرز التصريحات الرسمية خلال الأسبوع الماضي هو قول معالي محافظ مؤسسة النقد الدكتور أحمد الخليفي ما نصه (ليس هناك ما يقلقنا من قانون جاستا، استثمارات المملكة في أمريكا تتمتع بحصانة سيادية وأنه ليس هناك ما يدعو للقلق حيالها)!، ولأن معاليه هو المسؤول النقدي الأول، فلا بد أن لديه معلومات لا نعلمها نحن المواطنون، لذلك يفترض أن يؤخذ حديثه على مجمل الجد، ومع ذلك فإن تصريحه لم يستطع أن يُبدّد قلقي كمواطن على استثماراتنا في الولايات المتحدة، بعد إقرار قانون جاستا الذي كان الهدف (الأساسي) من تشريعه هو إلغاء الحصانة السيادية للدول؛ من أجل تمكين عائلات ضحايا ومصابي أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، من مقاضاة مَن يعتقدون أنه كان ضالعا في تلك الأحداث.

لذلك أعتقد أن تصريح محافظ (ساما) يحتاج إلى توضيح، لاسيما أن الموضوع هو سياسي بالدرجة الأولى (حتى وإن بدا استثماريا أو نقديا أو حتى قانونيا) وهذا ما يجعل الخبرة السياسية الجيدة هي مطلب مهم عند تناوله إعلامياً، لأن ما ذكره د. الخليفي يتنافى مع الهدف الأهم لقانون جاستا؛ كما سبقت الإشارة، لذلك كنت أتمنى لو أن معاليه لم يُدلِ بذلك التصريح أو أنه أرجأ التعليق على أمن استثماراتنا في أمريكا؛ على الأقل لحين اتضاح الموقف، وذلك -في تقديري- لعدم وجود داعٍ للكشف عن جميع (أوراقنا) للطرف الآخر؛ ليس فقط المتعلقة منها باستثماراتنا، بل وأيضا بمواقفنا ذات الصلة، لأن بقاء بعض المواقف طي الكتمان في حالة الخلافات أو التفاوض، يتيح مساحة زمنية أوسع وفرصا أفضل لتقييم المواقف بشكل صحيح، ويجعل تخمينات الطرف الآخر بشأن تحركاتنا، مفتوحة على كافة الاحتمالات؛ وليس كتابا مفتوحا يقرأه الجميع.


ولا بد لي من التأكيد هنا على جزئية مهمة هي أن إقرار جاستا لا يعني خسارتنا (تلقائيا) لأية دعوى قانونية قد تُرفع ضدنا على الساحة الأمريكية؛ لأن المملكة لديها العديد من الوسائل والأدوات الدفاعية التي يمكن أن تكون فاعلة في هذا الخصوص ومن بينها تكثيف اتصالاتنا الدبلوماسية والبرلمانية مع الجانب الأمريكي لتأكيد الجهود الهامة التي تقوم بها بلادنا تجاه دحر الإرهاب في المنطقة والعالم، وبيان قدرتنا على إحداث التوازن المطلوب بين القوى الدولية المتواجدة إقليميا، إضافة لتوضيح ثقل المملكة السياسي في العالمين العربي والإسلامي، ودورها في استقرار الاقتصاد الدولي.

التحركات أعلاه -لو تمّت بشكل جيد- ستدعم موقفنا التفاوضي مع الإدارة التنفيذية الأمريكية القادمة حول مجمل العلاقات المشتركة التي يشوبها الغموض حالياً؛ وهذا يشمل النظر في إلغاء أو تعديل القانون، فضلا عن طَرْقنا للقنوات القانونية عبر توكيل شركات محاماة معروفة للترافع في القضايا المنظورة أمام القضاء هناك، مع محاولة استمالة جماعات الضغط المؤثرة لمناصرة مواقفنا، ويضاف لكل ذلك صعوبة إثبات الاتهامات التي تحاول ربط المملكة بتلك الأحداث لانتفاء الأدلة الثبوتية اللازمة.

ورغم كل ما تقدم فإن الزلزال السياسي الذي ضرب الولايات المتحدة الأسبوع الماضي أسفر عن فوز دونالد ترمب.

ورغم اللهجة التصالحية التي أبداها ترمب في خطابه عقب إعلان فوزه، فإن من المبكر الآن الحكم على مواقفه بعد دخوله رسميا للبيت الأبيض في العشرين من يناير القادم، إذ لا يزال صدى تصريحاته (الانتخابية) يتردد في الولايات المتحدة والعالم، ولكن ما يعنينا منها هو جزأن، الأول يختص بنظرته لدول الخليج عموما، والثاني هو موقفه إزاء إيران؛ فمن ناحية هو يرغب في الانسحاب من اتفاق خمسة زائد واحد وإعادة فرض العقوبات عليها، ومن ناحية ثانية فهو يرى أن لإيران دورا مهما في محاربة داعش!.

وذلك ربما يكون هو المدخل الأكثر ملاءمة أمام المملكة لترميم علاقات شراكتها الإستراتيجية المتأزمة في السنوات الأخيرة مع الولايات المتحدة، والعمل على إعادتها إلى مسارها الصحيح لتصبح في عهد ترمب علاقات لا تحكمها النظرة الاستعلائية، وإنما المصالح المتبادلة؛ كما كانت عليه طوال ما يزيد على ثمانية عقود، ولكن ذلك يتطلب في تقديري قيامنا بإيضاح (الأثمان) التي دفعتها المملكة؛ ولا تزال، والتي صبّت في مصلحة البلدين، من أجل الحفاظ على تلك العلاقات في حالة جيدة ومنها:

1. التزام المملكة طوال عقود بتسعير نفطها وغازها بالدولار الأمريكي.

2. إبقاء المملكة على ربط الريال بالدولار الأمريكي.

3. تفضيل المملكة وضع معظم ودائعها واستثماراتها الخارجية في الولايات المتحدة وتحديدا في سندات الخزانة الأمريكية.

4. اختيار المملكة للولايات المتحدة كمصدر رئيس لتسليح جيشها ومشترياتها العسكرية وعقودها الدفاعية.

5. مبادرة المملكة لتكوين التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، ومشاركتها الفاعلة في التحالف الدولي.

6. إنفاق المملكة بسخاء على برامج التنمية في الدول الفقيرة وتقديم المساعدات للكثير من دول العالم.

7. ابتعاث المملكة لعشرات الآلاف من طلابها للدراسة في الولايات المتحدة.

8. دور المملكة في المساهمة بدعم اقتصاد الولايات المتحدة وكبريات شركاتها ومصانعها؛ بشرائنا للمنتجات الأمريكية، وتوظيفنا للمستشارين الأمريكيين في شتى المجالات.

وعودا على بدء، أعتقد أننا يجب أن نقلق – كسعوديين – أفرادا ومسؤولين ومؤسسات من تداعيات قانون جاستا، ومن العلاقات مع الولايات المتحدة، وكل هذا يتطلب منا المزيد من العمل لا الكثير من التصريحات.