-A +A
محمد العصيمي
أحياناً لا أكاد أصدق درجة سذاجة بعض الأسئلة التي تطرح على (تويتر) ومنها سؤال: هل تتزوج امرأة تكشف وجهها؟ طبعا السؤال ذاته طُرح بأكثر من صيغة منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي. وسيظل يُطرح باعتباره عند البعض (سؤالا محوريا) تصعد وتهبط بناء على جوابه الأمم وترتقي أو تسقط الشعوب. وقد كان جوابي، حتى لا يفوتني قطار حضارة السذج وتفوتني متعة المشاركة بهاشتاق من هذا النوع، نعم أتزوج امرأة تكشف وجهها. وأنا فعلا أعني ما أقول، لأن المرأة غطت أو كشفت وجهها هي بأخلاقها وعقلها وليس (بغطائها) الذي تدور حوله هذه الأسئلة وهذه النقاشات والخطب العصماء. ثم إن هذا السؤال في أصله فاسد، حيث إن السائل رجل جرد المرأة تماما من حقها الشخصي، المبني على قناعتها وقرارها، في تغطية أو كشف وجهها!!

ولأن السذاجة حبلها طويل فقد جاء من يسألني إذا لم يكن لديك مانع من أن تتزوج امرأة تكشف وجهها ضع لنا صورة زوجتك وابنتك في حسابك! ومثل هذا مصاب بداءين، داء رهاب وجه المرأة وداء أنه هو من يقرر، نيابة عن زوجته وابنته، أن ينشر أو لا ينشر صورهما. أي أنهما (شرابتي خِرج) لا تختاران ولا تقرران بمحض إرادتهما ما تريدان. وله ولكل من يعلي أسوار السذاجة أقول إن زوجتي اختارت أن تكون منقبة ولا أملك منعها من ذلك حتى وأنا أؤمن إيمانا قاطعا بجواز كشف وجه المرأة، وأن ابنتي غير منقبة ولا أملك فرض النقاب عليها ولو سألتني لأيدتها على كشف وجهها.


وإذا ما قررت إحداهما الخروج بصورها في أي وسيلة فهو أيضا قرارها الشخصي البحت؛ باعتبارها بالغة وعاقلة وقادرة على التمييز وعلى تحمل مسؤولية القرار الذي تتخذه. وهذا درس يجب أن يتعلمه البعض ممن طال بهم الأمد في الوقوف كحراس على بوابة (الملكة!!) التي لا تتحرك ولا تقرر ولا تختار إلا بإشاراتهم ورضاهم.

درس آخر لمن يريد أن يتخلص من هذا الرهاب النسوي المزمن، وهو أن الحياة بين الجنسين مشاركة وتشاور وليست عملية فرض وإجبار من جنس على جنس. الفرض والإجبار ضد طبيعة الحياة وضد مبدأ التكليف الذي ينطبق على الأنثى كما ينطبق على الذكر تماما بتمام. وبالتالي أرجو أن تنتهوا من أسئلة السذاجة التي تجاوزها الزمن وتجاوزها الناس وتطرحوا أسئلة جديرة بالطرح والنقاش. أسئلة تنقلنا إلى العصر الذي تتسابق فيه المجتمعات للعمل والإبداع والإنتاج؛ لتمكين ذاتها من خلال تمكين نسائها ورجالها. لقد مللنا من سذاجتكم وأسئلتكم البالية.