-A +A
عيسى الحليان
على مساحة صفحة كاملة، ظلت وزارة المياه والكهرباء (آنذاك) تصدر بين الفينة والأخرى إعلاناً يتضمن بياناً مائياً في معظم الصحف المحلية، مفاده أن البقرة الواحدة تدر خلال عمرها الإنتاجي 50 ألف لتر من الحليب وتستهلك 500 لتر من المياه على شكل أعلاف، ما يعني أن جملة استهلاكها من المياه الجوفية المتجددة يبلغ 25 مليون لتر وهو ما يوازي حمولة 1500 صهريج من المياه.

هذا جميل، لولا أن أصحاب مشاريع الألبان يعرفون هذه الحقيقة أكثر من الوزارة، والمستهلك لا يملك شيئا من القرار، والحكومة أنت من يمثلها في هذا النشاط، فلمن كانت توجه مثل هذه الإعلانات إذن، وما موقعها من الإعراب !! عموما ورغم هذه الإعلانات والتصريحات الصاخبة التي صاحبت تلك الحقبة، إلا أن صناعة الألبان بقيت على ما هي عليه، وفوق ذلك كانت تصدر للخارج، خلافا لبعض المحاصيل الأخرى التي منعت من التصدير كالبطاطس، أو من الاستهلاك المحلي كالقمح.


ولأن وزارة المياه لم تكن صاحبة القرار في مسألة التحكم في عداد المياه الوطني، إذا علمنا أن 85% من استهلاك المياه الجوفية كان يرتبط بسياسات وزارة أخرى (الزراعة) والتي بقيت متماسكة إلى حد ما، ولم تقاوم التوسع في زراعة البرسيم ربما نكاية بوزارة المياه التي ساهمت في قرار إيقاف القمح دون أن يكون للزراعة دور في اتخاذه، ومن هنا يثبت أن مسألة فصل الوزارتين لم يكن موفقا من حيث النتائج العملية، والدليل هو الانزلاق نحو استهلاك المياه بهذه الصورة المفزعة بعد فصل الوزارتين لدرجة أن أحد المتخصصين قدر استهلاك الزراعة في المملكة بأنه كان يتجاوز حصة السودان من مياه النيل ويعادل ثلث حصة مصر منه، وبدلا من أن تتحمل وزارة واحدة هذه المسؤولية، نجد أنها (المسؤولية) قد ضاعت في ثنايا المساجلات بين الوزارتين، وتفرق دمها بين أكثر من جهة، في حين أن عودة المياه للزراعة أدى -ولأول مرة- لإيجاد حلول عالجت القمح والأعلاف والتعويضات وغيرها في قرار تنظيمي واحد.

لا أود أن أعلق على القرار الجديد حاليا، لأن ملامحه لن تتضح، وقد لا تتضح تماما، إلا بعد التطبيق العملي، رغم أنه أبقى على فرصة الزراعة للمساحات المزروعة وقت صدور القرار فقط على طريقة «من سبق لبق»، وفي نفس الوقت لم يقدم حلولا للمساحات والآليات التي سوف يخلفها القرار وما سيكون مصيرها من وجهة نظر الوزارة وهل سوف تطرح حلولا أو مقترحات قبل بدء تطبيق القرار عام 1440.