-A +A
أنمار مطاوع
مع بدايات طفرة السبعينات المالية في القرن الماضي تغيرت ثقافة المجتمع وتغير معها واقعه. الحديث عن ذلك التغيير يحتاج إلى وقفات طويلة وشروحات أطول لفرز إيجابيات وسلبيات ذلك التغيير. لكن ربما العامل الذي غيّر وجه المجتمع بالكامل هو: تجفيف كل الطرق المؤدية إلى المستقبل وجعل الطريق الوحيد له هو «الشهادة الجامعية». في تلك الفترة كان هذا التوجه يهدف إلى تشجيع المجتمع على الدراسة الجامعية، لكنه لم يكن متوازنا بدرجة كافية للإبقاء على الطرق الأخرى -كالأعمال المهنية- مفتوحة ليسلكها من لا يرغب في تعليم جامعي. وانتشرت ثقافة تَلازم الشهادة الجامعية والمستقبل في خط واحد.. وحيد.. لم يلتفت لأطياف التعليم الأخرى وطرق المستقبل المتعددة. وحدث أن شُغلت الخطوط الأخرى بأيد مهنية غير سعودية وسيطرت بالكامل عليها.

واحدة من الحلول في ذلك الوقت كان يفترض أن تكون «ثقافة الجامعة المفتوحة»؛ أي التعليم الحر ليس من أجل الشهادة في حد ذاتها -كمفتاح للمستقبل- ولكن بهدف «دعم تنمية جوانب الشخصية الإنسانية وزيادة القدرة على التصرف بشكل حضاري متمدن».. ليصبح من الأفكار السائدة في المجتمع. فالهدف بناء الإنسان وليس تحبير ظله.


الآن تحاول أجهزة الدولة التي تضع الخطط الحالية والمستقبلية المتمثلة في رؤية المملكة 2030 العودة إلى تقليل مميزات الشهادة الجامعية والاعتماد على الأداء وتطوير الذات والمهارات المهنية لشغل مناطق الياقات الزرقاء والزهرية؛ الياقات الزرقاء هي الأيدي العاملة في المصانع والمهن المشابهة، والياقات الزهرية هي الأيدي العاملة في الفنادق والمطاعم والمهن المشابهة.

منظومة التغيير التي يبحث عنها المجتمع حاليا -بالإضافة إلى الإجراءات النظامية والقانونية- تحتاج بشكل مباشر إلى شريحة المعلمين والمعلمات لقيادة هذه الحركة الاجتماعية الإصلاحية. لن يتمكن المجتمع من إحداث تغيير في الأيديولوجية الاجتماعية إلا من خلال مراحل التعليم المبكرة والمتوسطة والثانوية.. ومن يقود أيديولوجيات تلك المرحلة هم المعلمون والمعلمات.

إيصال التوجهات الجديدة للرؤية لا يحتاج إلى ماديات المدارس الأنموذجية العالية، فالحركات الاجتماعية الإصلاحية تخرج عادة من البيئات الطامحة في مستقبل أفضل وحياة أكثر إشراقا.. ورسم الصورة الحقيقية لرؤية المملكة خلال السنوات القادمة يبدأ من تلك المراحل الدراسية.