-A +A
خالد صالح الفاضلي


أكررها لك يا صديقي: القراءة تختلف جذرياً عن الاستيعاب، والاستيعاب مرحلة تقع - بمليون ميل - تحت «مرحلة القدرة على الاستنتاج السليم»، والاستنتاج يبعد مليون سنة ضوئية عن «القدرة على صناعة حل متكامل»، لذلك ورغم تكاثر عدد وجرأة المكتبات البشرية المتنقلة فإن سلة الأزمات العربية عامرة وتتسع.


وأكرر لك: إن المشورة السليمة لا توجد في عقول أشخاص تلتهم الكتب فقط، وتتوقف عند خطوة الالتهام، كما تفعل الأنعام بعد التهامها العشب، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الورق متحدر من الشجر.

الاستنتاج الأول: يتفق الإرهاب المسلح مع الإخوان لناحية هدم ما هو قائم حالياً (من أجل بناء أحلامهم) ويختلفان في أسلوب البناء بعد ذلك، واستثماره، مع التأكيد على أن أحلامهم الوطنية في البناء أقل بكثير من مواصفات مزرعة دجاج بدائية، (مجرد حوش وعلف).

اشرح يا خالد؟ يقول خالد: لأن الإخوان والإرهاب لا يستطيعان البناء على الموجود الحضاري الحالي، فمعناه أن الإخوان امتداد غير حقيقي للحضارة القائمة، ولديهم نقطة صفر خاصة بهم يرغبون العودة إليها ثم الانطلاق منها مجدداً (قد تكون متأخرة حضارياً ألف سنة) ثم يتم تكرار التجربة السعودية، والتجارب العربية إلى حين مواجه ذات الخيارات الحالية لناحية التطوير والتنوير (مجرد إضاعة مئات السنوات على العرب من عمرهم الحضاري) بينما النتيجة دوماً هي رفض البشر والحجر للقبوع في عتمات فكرية وتنموية، حتى لو تم نحر الدين كلياً إذا فقد قيمته كصانع للحضارة.

يلعن الإرهاب والإخوان الصناعة الغربية (حديد وتفكير) ويستخدمانها للوصول إلى أهدافهم والحفاظ على مكتسباتهم (فأحد تفسيرات كلمة حضارة: منتجات لا أحد يستطيع الاستغناء عنها لتحقيق أهدافه).

الاستنتاج الثاني: أنصار الإخوان العرب مثل زبد السيل، ولهم ذات الوهن، تسمع لهم حطيما إذا انتفخت أوداج الإخوان، ثم تأكل الرياح الزبد قبل أن تبلع الأرض السيل، بينما بطاقة عضويتهم تحتاج فقط إتقان مظهر محدد، وكأنهم عائدون إلى تمثيل مسلسل تاريخي، عجزوا عن استيعاب الحاضر، فاعتقدوا أنهم يعيشون أفضل حالاً في الماضي، ولو كانوا في الماضي لكانوا تابعين أيضا على غير هدى، لأن ذلك فيهم كالدماء.

الاستنتاج الثالث: أردوغان ليس مشروعاً إخونجياً، وليس نتيجة لمشروع إخونجي، أردوغان هو مشروعه الشخصي، قناعاته، طموحاته، إيمانياته ونجاحه، ولن يستطيع حزب (العدالة في تركيا) تمديد (الأردوغانية) بعد وفاته، لأن استنساخ الروح لا يشبه استنساخ الكتب.

الاستنتاج الرابع: الموجودون على شاشات التلفاز (كفكر، منطق، تفسيرات، تبريرات، ومعلومات) ساهموا في تعتيم الوعي العربي، عمداً، لأنهم وضعوا أقلامهم في مستنقع (الحبر السياسي) مع الإخوان أو ضدهم، فأحبار المستنقعات لا تستطيع التخلص من نتانة الرائحة.

الاستنتاج الخامس: الفشل الكبير هو طغيان أقوال وأفعال غير إرادية على الأفعال الإرادية المبنية على منهجية متكاملة،، وبالتالي انتشار ردود أفعال غير ممنوحة وقتا كافيا للاستيعاب والاستنتاج (في كل الأحداب).

الاستنتاج السادس: إذا عاشت الشعوب مسكونة بهاجس (إنك ميت غداً)، يصبح اختطاف الوطن أسهل من لف سندويش بيض.

الاستنتاج السابع: الحروب القائمة حالياً لا تدور على نزع أوطان أو نزع ثروات، بل على محاولة نزع قناعات، وزراعة قناعات بديلة ونقيضة لدى الشعوب؛ لأن الإنسان بطبيعته خادم لقناعاته، باذل لها وقته، جهده، ماله، بينما تقديم الوطن لزارع القناعات كقربان مسألة وقت ليس بطويل.

الاستنتاج الثامن: المكتبات البشرية المتنقلة ظاهرة صوتية، أقرب إلى نافخ الكير على كل جذوة من حطب نار فتن التاريخ، أعناقهم ملفوفة إلى الخلف دوماً، يبحثون عن الجمر تحت رماد الماضي ثم يجمعونه ويضعونه في أفواه الشعوب وتحت أقدامهم.