-A +A
عيسى الحليان
نحن مقبلون على الميزانية العامة في آخر الشهر القادم (ديسمبر) ومن الصعوبة بمكان التنبؤ بما ستكون عليه ملامح هذه الميزانية ونسبة العجز وكيفية تمويله، وكم نسبة العجز الفعلي في الميزانية المنتهية قياسا بما هو مقدر، وهذه تساؤلات نتركها لوقتها، فما يهمنا هنا هو أسلوب إعداد الميزانية وليس المحتوى الرقمي، وهي كمصطلح مالي عمومي تختلف من بلد إلى آخر، ورغم كونها تمثل كشف حساب سنوي لإيرادات الدولة ومصروفاتها فقط، إلا أن ثمة اختلافا جوهريا في أساليب إعداد الميزانيات، فهناك الأسلوب التقليدي (موازنة البنود) ويعنى بالجانب الرقابي (الورقي) على بنود الصرف وقواعد الإنفاق المالي وليس له علاقة بنوعية أو كفاءة الخدمات أو المشاريع المقدمة، إذ لا تتضمن هذه البنود أي إشارة لمدى تحقيق هذه الاعتمادات لأهدافها من عدمه، وهذا هو الأسلوب المطبق في الميزانية السعودية، ولتلافي أوجه القصور في هذا النمط من الميزانيات فقد لجأت بعض الدول إلى تطوير هذا الأسلوب رغبة في تحقيق الأهداف المطلوبة أكثر من عملية مراقبة الصرف، إذ انتقلت هذه الدول إلى الموجة الثانية بداية من ميزانية التخطيط والبرامج التي ارتبطت بعملية ربط برامج الإنفاق بالخطة العامة للدولة، وهي نمط من الميزانيات يعطي الأولوية للبرامج والخطط على الوظائف الرقابية للصرف المالي، وبالتالي يتم ربط الاعتمادات المالية مع أهداف الخطة ككل، وهي بذلك تجمع بين الأبعاد الثلاثة الرئيسية للميزانية (تخطيط، تنفيذ، رقابة).

أما النوع الثالث فيعتمد على الأساس الصفري (ميزانية قاعدة الصفر)، وقد تحولت بعض الدول إلى هذا النوع من الميزانيات بعد أن واجهت بعض الصعوبات في تنفيذ موازنة التخطيط والبرامج لعدم إيجاد ميكانيزم دقيق لتحديد أولويات هذه البرامج، وبالتالي لجأت هذه الدول إلى أسلوب عمل يضمن الأخذ بعين الاعتبار تحقيق جميع الأنشطة المطلوبة.


ميزانية المملكة للأسف لم تخرج من شرنقة الأسلوب التقليدي، وأعتقد أنه حان الأوان في هذه الظروف المالية الصعبة العمل نحو إجراء هذا التحول، وذلك لوقف الهدر غير المباشر سواء في التكاليف العامة أو نوعية الخدمات المقدمة، خصوصا أن بعض الدول تجاوزت كل هذه الأساليب من خلال اتباع أسلوب أكثر تقدما، وأعني بذلك الميزانية التعاقدية التي تقوم على التعاقد مع جهات معينة لتنفيذ الخدمات والمهمات الحكومية لتحقيق أهدافها بأعلى المعايير، وتساعد هذه الميزانية على حسن استغلال المال العام بأفضل صور إنفاقه، وتضمن في الوقت نفسه تقديم خدمات أفضل للجمهور، وهذا النوع من الميزانيات هو ما يطبق حاليا في أمريكا وأوروبا وكندا والصين واليابان وغيرها.