-A +A
عبير الفوزان
لا تسمح لأحد بأن يضحك عليك ويقول لك محذرا «انتبه من التغريب»، لأنه بذلك يمارس عليك لعبة الخديعة بإيهامك أنك لم تصر إلى التغريب بعد.. بينما أنت تغريبي شئت أم أبيت.

من يجهل الثقافة الثالثة (التشريق) لا يعرف إلى أي مدى صار المجتمع تغريبيا حد الألفة، حتى لو شاهد الأفلام الكورية، وأكل السوشي، وقرأ روايات يوكيو ميشيما، وامتلأ بيته مقتنيات صينية.


جميل أن تتمازج الثقافات والعادات، فالعالم بدأ يصبح قرية صغيرة منذ التسعينات الميلادية، ولكن من العار أن تنكر ما صرت إليه، أو لعله من المرض النفسي أن تحذر من شيء تعيشه يوميا (التغريب)، أو هو من صنوف الخديعة التي يمارسها البعض على المساكين، وأقولها مساكين لأنهم بالفعل كذلك.

خدعة التغريب ألفها شخص أراد إيهام المجتمع أنه سيتعرض للاستلاب، استلاب ثقافي وسياسي.. وكأنه أراد للفرد أن يعيش هائما كفقاعة صابون على السطح.

التغريب ورقة يرفعها العارف المخادع والهارف المقلد للأول أمام كل تطور، أو خطوة حضارية تخص التعليم، أو الترفيه، أو حتى أسلوب الحياة الأسهل.. رافعو هذه الورقة يمارسون التغريب في حياتهم بكل تناهٍ، فأولادهم ملتحقون في مدارس عالمية.. يتحدثون بلغة غربية سليمة.. يتباهون بمقتنياتهم الكمالية التي صنعها الغرب، ولهم أصدقاء وأحباب غربيون.. بينما المساكين... القابعون خلف الجدران خوفا من الاستلاب.. يمارسون الخوف، ويدافعون بشراسة عن مكامن الألفة والبساطة، في حياتهم الناقصة التي لا تلائم سوق العمل، ناهيك عن سوق الحياة.

هل تعرفون المثل المصري «راقصة السلم» التي لا اللي فوق شافوها ولا اللي تحت شافوها.. هذا هو حال المنكر للتغريب، والجاهل بالثقافة الثالثة (التشريق) –إن جازت التسمية-.. أتمنى أن يصبح سلمه صالة، ليرقص كيفما شاء.. لعل أحدا يراه.. شرقيا كان، أو غربيا!