عشت في كنف الإيمان وأنصت فى مسجد أمهات المؤمنين، واستطاع خطيب الجمعة الشيخ سعيد عبدالقادر العامودي أن يتفاعل مع القضايا الحياتية الاجتماعية ليؤكد أن المنبر له رسالة.. وتأثر الحاضرون مع هذه الخطبة التي جاء فيها:
إن الله ابْتَلَى عبادَه بالفَقْرِ والغنى؛ والمالِ والشَّرَفِ ليميزَ الأمينَ من الخائِنِ، وقويَّ النَّفْسِ من ضعيفِها، وإنّ رسول الله حَذَّرَ أمّتَه من استحلالِ الأموالِ والحقوقِ، والغِشِّ في المعاملاتِ، وبيَّنَ أنّ ذلك يَسْتَوْجِبُ النارَ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
وأشار إلى أن الإنسان يَشِيْبُ وقلبُه شابٌّ على طولِ الأملِ وحبِّ المالِ ولأجلِ ما فُطِرَ الناسُ عليه من حُبِّ الدنيا، والرغبةِ في المالِ، والتعلُّقِ بالشَرَفِ، تَضْعُفُ ديانةُ كثيرٍ منهم في هذه المواطِنِ، وتَضْمَحِلُّ أمانتُهم، وتَشْرَه نفوسُهُم، ويَعْظُمُ حِرْصُهُم، فلا يُشْبِعُهم شيءٌ، فيتخوَّضون في المالِ بغيرِ حقٍّ، ويستَحِلُّون حقوقَ غيرِهِم، ويأتونَ أنواعَ الحِيَلِ؛ حرصاً على المالِ والمكانةِ بين الناسِ.
وبين أنّ الفسادَ الماليَّ والإداريَّ له أركانٌ أربعةٌ؛ هي: الرِّشْوَةُ والاختلاسُ والتزويرُ والخيانةُ، وبينها روابِطُ في الإثمِ، مَنْ قارَفَ واحدةً منها تلطَّخَ بجميعِها؛ ذلك أنّ الإثمَ يجُرُّ بعضُه بعضاً.
ثم تناول موضوع الرشوة موضحا أنّ الراشيَ يدفعُ المالَ لفاسِدِ الذِّمَّةِ ليَمْنَحَه ما ليسَ من حَقِّه؛ فإنْ مُنِحَ مالاً صار اختلاساً مَكَّنَتْه الرشوةُ منه، وإنْ مُنِحَ بالرشوةِ وظيفةً لا تنطَبِقُ عليه، أو مكانةً ليست له، أو شهادةً لا يستَحِقُّها، أو مناقصةً لا يفي بشروطِها، فهذه كلُّها خيانةٌ؛ لأنّ الإنسانَ أُعْطِيَ ما ليسَ له، وهذا أشدُّ جُرْماً وإثماً، لأنّه من إسنادِ الأمرِ إلى غيرِ أهلِه، فيمتدُّ ضَرَرُه على كلِّ مَنْ تعاملَ معه.
وقد صَحَّ عن النبيِّ أنه لَعَنَ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ. فهي من كبائرِ الذنوبِ، وما نَتَجَ عنها من مالٍ أو هدايا أو نحوِها؛ فالناتجُ سُحْتٌ يأكلُه صاحِبُه، وقد قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ.
أما عن الاختلاسُ فلفت الخطيب إلى أنه عادة يكونُ من شَخْصٍ تولَّى وِلايةً يكونُ المالُ فيها تحتَ سُلْطَته، فيختَلِسُ منه ما يَقْدِرُ عليه، وقد يطالِبُ بميزانياتٍ لا تحتاجُها دائِرَتُه، ولكنْ لتَصِلَ إليه في النهايةِ، إما بأعمالٍ وهميةٍ غيرِ صحيحةٍ، أو صحيحةٌ ولكنّها لا تُكَلِّفُ عُشْرَ الأموالِ المرصودةِ لها؛ كدوراتٍ وتدريبٍ ونحوِ ذلك. أو إنشاءاتٍ تكونُ المناقصةُ فيها صوريةً لتجاوزِ النظامِ، وتُمْنَحُ لمعارِفَ بمبالغَ طائلةٍ جداً، لا تُكَلِّفُ المنشآتُ عُشْرَها، والبقيةُ يقتَسِمُها صاحبُ المشروعِ مع صاحِبِ الوظيفةِ.
ويَعْظُمُ ضَرَرُ الاختلاساتِ إنْ تعلَّقتْ بها حقوقُ الناسِ.. إن اختلاس المالِ حرامٌ؛ سواءٌ كان من المالِ العامِ أم كان من أموالِ الشركاتِ والمؤسساتِ الخاصةِ، بل حتى شركاتِ الكفارِ لا يجوزُ لمنْ يعملُ فيها أو يتعاملُ معها أنْ يختلِسَ شيئاً منها، فكُفْرُ الكافِرِ لا يُبِيْحُ غِشَّه ولا سَرِقَتَه.
وحين تطرق الخطيب للتزويرُ أبان أنه تغييرُ الحقيقةِ بقَصْدِ الغِّشِّ، ويسري في الأوراقِ النقديةِ، والأوامرِ الكتابيةِ، والمعاملاتِ الرسميةِ، كما يكونُ في الشهاداتِ والأختامِ ونحوِها، ومنه شهادةُ الزورِ التي تُقْتَطَعُ بها الحقوقُ، أو يعاقَبُ بها أبرياءُ، أو يُفَكُّ بها مجرمون، وهذا من كبائرِ الذنوبِ.
وعن الخيانةُ كان حديث الخطيب مفصلا، أشار فيه إلى أنْها الأصلُ الجامِعُ لكلِّ فسادٍ ماليٍّ وإداريٍّ؛ لأنْ مَنْ انعقدَ قَلْبُه على الخيانةِ؛ ارتشى واختَلَسَ وزوَّرَ، وفَعَلَ كلَّ أمرٍ محرَّمٍ؛ لنيلِ الجاهِ، أو كَسْبِ المالِ.
وكلُّ وِلايةٍ أو وظيفةٍ يَتَقَلَّدُها الإنسانُ؛ فإمّا أنْ يكونَ فيها أميناً، وإمّا أنْ يكونَ خائناً، ولا منزلةَ بين الاثنتين؛ فإنْ راقبَ اللهَ في ما أُسْنِدَ إليه مِنْ عَمَلٍ، وأدَّى حقوقَه، ولم يأخذْ ما ليسَ له، وعَدَلَ بين الناسِ؛ فلم يحاب أحداً لقرابةٍ أو صداقةٍ أو نُفُوذٍ؛ يرجو مِنْ ورائِه نَفْعاً قريباً أو بعيداً؛ فهذا أمينٌ يُؤْجَرُ على أمانتِه؛ وإنْ ذمَّه الناسُ لما يرون من صرامتِه؛ فإنّ الناسَ يطلبونَ ما ليسَ لهم، ولا يَعْفُونَ عما تنالُه أيدِيهِم، ولا يمنَعُهُم من الحرامِ إلا عجزٌ أو عقوبةٌ، وقليلٌ منهم مَنْ تَحْجُزُه مخافةُ اللهِ عن الحرامِ.
وختم الخطيب محذرا من مغبة الوقوع في وحول الفساد لافتا إلى أن لنا عِبْرَةٌ وعِظَةٌ في عظماءَ وأغنياءَ جمعوا مالاً عظيماً، وملأوا الدنيا ضجيجاً، دُفِنوا حين دُفِنوا بأكفانِهم كما يُدْفَنُ الفقراءُ، كان عمرُ بنُ الخطابِ يَطْلُبُ من وُلاتِه -القادمينَ إلى المدينةِ- أنْ يدخلوها نهاراً، ولا يدخلوها ليلاً، حتى يَظْهَرَ ما جاءوا به من أموالٍ ومغانِمَ فيَسْهُلُ السؤالُ والحسابُ.
انتهى كلام الخطيب وحسبي الله ونعم الوكيل
إن الله ابْتَلَى عبادَه بالفَقْرِ والغنى؛ والمالِ والشَّرَفِ ليميزَ الأمينَ من الخائِنِ، وقويَّ النَّفْسِ من ضعيفِها، وإنّ رسول الله حَذَّرَ أمّتَه من استحلالِ الأموالِ والحقوقِ، والغِشِّ في المعاملاتِ، وبيَّنَ أنّ ذلك يَسْتَوْجِبُ النارَ (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ).
وأشار إلى أن الإنسان يَشِيْبُ وقلبُه شابٌّ على طولِ الأملِ وحبِّ المالِ ولأجلِ ما فُطِرَ الناسُ عليه من حُبِّ الدنيا، والرغبةِ في المالِ، والتعلُّقِ بالشَرَفِ، تَضْعُفُ ديانةُ كثيرٍ منهم في هذه المواطِنِ، وتَضْمَحِلُّ أمانتُهم، وتَشْرَه نفوسُهُم، ويَعْظُمُ حِرْصُهُم، فلا يُشْبِعُهم شيءٌ، فيتخوَّضون في المالِ بغيرِ حقٍّ، ويستَحِلُّون حقوقَ غيرِهِم، ويأتونَ أنواعَ الحِيَلِ؛ حرصاً على المالِ والمكانةِ بين الناسِ.
وبين أنّ الفسادَ الماليَّ والإداريَّ له أركانٌ أربعةٌ؛ هي: الرِّشْوَةُ والاختلاسُ والتزويرُ والخيانةُ، وبينها روابِطُ في الإثمِ، مَنْ قارَفَ واحدةً منها تلطَّخَ بجميعِها؛ ذلك أنّ الإثمَ يجُرُّ بعضُه بعضاً.
ثم تناول موضوع الرشوة موضحا أنّ الراشيَ يدفعُ المالَ لفاسِدِ الذِّمَّةِ ليَمْنَحَه ما ليسَ من حَقِّه؛ فإنْ مُنِحَ مالاً صار اختلاساً مَكَّنَتْه الرشوةُ منه، وإنْ مُنِحَ بالرشوةِ وظيفةً لا تنطَبِقُ عليه، أو مكانةً ليست له، أو شهادةً لا يستَحِقُّها، أو مناقصةً لا يفي بشروطِها، فهذه كلُّها خيانةٌ؛ لأنّ الإنسانَ أُعْطِيَ ما ليسَ له، وهذا أشدُّ جُرْماً وإثماً، لأنّه من إسنادِ الأمرِ إلى غيرِ أهلِه، فيمتدُّ ضَرَرُه على كلِّ مَنْ تعاملَ معه.
وقد صَحَّ عن النبيِّ أنه لَعَنَ الرَّاشِيَ وَالمُرْتَشِيَ. فهي من كبائرِ الذنوبِ، وما نَتَجَ عنها من مالٍ أو هدايا أو نحوِها؛ فالناتجُ سُحْتٌ يأكلُه صاحِبُه، وقد قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ.
أما عن الاختلاسُ فلفت الخطيب إلى أنه عادة يكونُ من شَخْصٍ تولَّى وِلايةً يكونُ المالُ فيها تحتَ سُلْطَته، فيختَلِسُ منه ما يَقْدِرُ عليه، وقد يطالِبُ بميزانياتٍ لا تحتاجُها دائِرَتُه، ولكنْ لتَصِلَ إليه في النهايةِ، إما بأعمالٍ وهميةٍ غيرِ صحيحةٍ، أو صحيحةٌ ولكنّها لا تُكَلِّفُ عُشْرَ الأموالِ المرصودةِ لها؛ كدوراتٍ وتدريبٍ ونحوِ ذلك. أو إنشاءاتٍ تكونُ المناقصةُ فيها صوريةً لتجاوزِ النظامِ، وتُمْنَحُ لمعارِفَ بمبالغَ طائلةٍ جداً، لا تُكَلِّفُ المنشآتُ عُشْرَها، والبقيةُ يقتَسِمُها صاحبُ المشروعِ مع صاحِبِ الوظيفةِ.
ويَعْظُمُ ضَرَرُ الاختلاساتِ إنْ تعلَّقتْ بها حقوقُ الناسِ.. إن اختلاس المالِ حرامٌ؛ سواءٌ كان من المالِ العامِ أم كان من أموالِ الشركاتِ والمؤسساتِ الخاصةِ، بل حتى شركاتِ الكفارِ لا يجوزُ لمنْ يعملُ فيها أو يتعاملُ معها أنْ يختلِسَ شيئاً منها، فكُفْرُ الكافِرِ لا يُبِيْحُ غِشَّه ولا سَرِقَتَه.
وحين تطرق الخطيب للتزويرُ أبان أنه تغييرُ الحقيقةِ بقَصْدِ الغِّشِّ، ويسري في الأوراقِ النقديةِ، والأوامرِ الكتابيةِ، والمعاملاتِ الرسميةِ، كما يكونُ في الشهاداتِ والأختامِ ونحوِها، ومنه شهادةُ الزورِ التي تُقْتَطَعُ بها الحقوقُ، أو يعاقَبُ بها أبرياءُ، أو يُفَكُّ بها مجرمون، وهذا من كبائرِ الذنوبِ.
وعن الخيانةُ كان حديث الخطيب مفصلا، أشار فيه إلى أنْها الأصلُ الجامِعُ لكلِّ فسادٍ ماليٍّ وإداريٍّ؛ لأنْ مَنْ انعقدَ قَلْبُه على الخيانةِ؛ ارتشى واختَلَسَ وزوَّرَ، وفَعَلَ كلَّ أمرٍ محرَّمٍ؛ لنيلِ الجاهِ، أو كَسْبِ المالِ.
وكلُّ وِلايةٍ أو وظيفةٍ يَتَقَلَّدُها الإنسانُ؛ فإمّا أنْ يكونَ فيها أميناً، وإمّا أنْ يكونَ خائناً، ولا منزلةَ بين الاثنتين؛ فإنْ راقبَ اللهَ في ما أُسْنِدَ إليه مِنْ عَمَلٍ، وأدَّى حقوقَه، ولم يأخذْ ما ليسَ له، وعَدَلَ بين الناسِ؛ فلم يحاب أحداً لقرابةٍ أو صداقةٍ أو نُفُوذٍ؛ يرجو مِنْ ورائِه نَفْعاً قريباً أو بعيداً؛ فهذا أمينٌ يُؤْجَرُ على أمانتِه؛ وإنْ ذمَّه الناسُ لما يرون من صرامتِه؛ فإنّ الناسَ يطلبونَ ما ليسَ لهم، ولا يَعْفُونَ عما تنالُه أيدِيهِم، ولا يمنَعُهُم من الحرامِ إلا عجزٌ أو عقوبةٌ، وقليلٌ منهم مَنْ تَحْجُزُه مخافةُ اللهِ عن الحرامِ.
وختم الخطيب محذرا من مغبة الوقوع في وحول الفساد لافتا إلى أن لنا عِبْرَةٌ وعِظَةٌ في عظماءَ وأغنياءَ جمعوا مالاً عظيماً، وملأوا الدنيا ضجيجاً، دُفِنوا حين دُفِنوا بأكفانِهم كما يُدْفَنُ الفقراءُ، كان عمرُ بنُ الخطابِ يَطْلُبُ من وُلاتِه -القادمينَ إلى المدينةِ- أنْ يدخلوها نهاراً، ولا يدخلوها ليلاً، حتى يَظْهَرَ ما جاءوا به من أموالٍ ومغانِمَ فيَسْهُلُ السؤالُ والحسابُ.
انتهى كلام الخطيب وحسبي الله ونعم الوكيل