سباكة

سبحان الله أن القدرة على التخيل هي من أهم العناصر التي تنمي العلاقات بشكل عام.. وبالذات مع من يتعاملون مع بعض القضايا الخطيرة، ومنها قضايا السباكة بأشكالها وأنواعها المختلفة. وقد بدأت هذا اليوم السعيد بداية رائعة بلقاء الأخ لطفي السباك الذي قام بإصلاح مشكلة مزمنة في منزلي. لدي عوامة كانت تواجه تحديات كبرى، وتحديدا، فبسبب عدم استقامة ذراع توصيلها بباقي عدة إدارة ضبط كمية المياه، تسببت في تسربات مياه قليلة ولكنها مزعجة. الأخ لطفي عالجها بطريقة فنية رائعة كانت خليطا من علوم خصائص المعادن، وهندسة الأذرعة والرافعات، والأهم من هذا الاجتهاد الذي يمارسه مزاولو السباكة بفروعها المختلفة حول العالم. وبصراحة هذا الموضوع يستحق وقفة تأمل على مستوى عالمي. في تعريف العشوائيات حسب معايير الأمم المتحدة، هناك خمسة عناصر أساسية، ومنها اثنتان متعلقتان بالسباكة. وتحديدا فهناك معيار سهولة إحضار الماء إلى المسكن، ومعيار سهولة التخلص من الماء بعد استخدامه. يعني لا مؤاخذة السباكة تستحوذ على أربعين في المائة من المقومات الدنيا المسكن اللائق حسب المعايير الدولية. ولا نستغرب لهذا لأننا لو نظرنا لأهم الإنجازات الحضارية، وبالذات في تاريخ المدن، فسنجد أن إدارة دخول المياه النظيفة في حياة البشر، وخروجها بيسر هي إحدى أهم العوامل المشتركة التي ساهمت بمشيئة الله في جعل المدن أماكن صحية للسكن والعيش عبر التاريخ. انظر بالذات في عمران المدن الإسلامية وستجد أن مبدأ «النظافة من الإيمان» وضرورة الوضوء السليم رفعا من شأن هندسة إيصال المياه في الحضارة الإسلامية.. من مكة، والقدس، إلى القاهرة، وبغداد، ودمشق وغيرها.. بل إن بعض العواصم الإسلامية التاريخية وضعت أنظمة لتبريد وتدفئة المياه التي تصل المساكن والحمامات العامة. وكانت هناك حضارات أخرى وضعت لمساتها الخاصة.. الرومان مثلا قاموا ببناء مئات الكيلومترات من القنوات لضمان وصول المياه النظيفة إلى المدن فمدينة روما على سبيل المثال كانت محاطة بأكثر من خمسمئة كيلومتر من القنوات.. وحوالى ثلثها معلقة لتزويد تلك العاصمة بالمياه العذبة. وكانت بعض الحمامات العامة تستوعب مئات الزوار دفعة واحدة. وبصراحة موضوع الحمامات الرومانية يستحق وقفة تأمل. كيف كانت تلك الحضارة تؤيد العنف في احتلال البلدان بالطول والعرض لقيام الإمبراطورية بقوة السلاح.. وكيف كانت تؤيد المباريات العنيفة في الصراعات حتى الموت أمام الجماهير شاملة فلت الأسود الجائعة على الغلابى.. ثم التأكيد على النظافة كإحدى أهم مقومات الحضارة.

أمنية

أتمنى أن نحسّن من أوضاع السباكة على جميع المستويات، فهناك حاجة لتزويد المزيد من المنازل بخدمات الصرف الصحي السليم، وهناك ضرورة لإيقاف ضخ مياه الصرف الصحي غير المعالجة بشكل كاف ولائق في البحر فورا مهما كانت الأعذار... فهذه التحديات البيئية غير لائقة بوضع الوطن المتميز، وهي أيضا غير لائقة لإرث أبنائنا... والله المعين.

وهو من وراء القصد.