زرت أخيرا إحدى المكتبات التجارية في جدة لشراء كتاب وزير البترول السابق، علي النعيمي، «من البادية إلى عالم النفط»، ولأنني لم أجده، أخذت جولة للاطلاع على ما تجود به أرفف تلك المكتبة، وتوقفت أمام زاوية أفضل الكتب الموصى بها، وكان من بينها أحد كتب تطوير الذات ويدور حول أسرار النجاح وكيف تكون قياديا مميزا، ويطرح إستراتيجيات ونصائح حول هذه الأمور، ورغم أنني غير مهتم بقراءة مثل هذه الكتب، إلا أن توصية المكتبة بهذا الكتاب عززت فضولي بتصفحه وتقليب المحتوى، فإذا بي أجد بداخله خليطا من المفاهيم والوصايا وسردا للخبرات، وكأنما هو ترقيع وقص ولصق بليد من المراجع، أو كما يقول المفكر الراحل محمد عابد الجابري في وصفه لمثل هذه الكتب «مجرد اجترار وتكرار وإعادة إنتاج بشكل رديء»، لذلك أغلقت الكتاب، وقبل أن ألقيه على الرف لفت انتباهي سيرة المؤلف الذاتية على غلاف الصفحة الأخيرة، والتي ذكر فيها أنه حاصل على الماجستير والدكتوراه من الجامعة الأمريكية في لندن، تذكرت لحظتها سلسلة من التحقيقات الاستقصائية التي أجريتها خلال الأعوام الأربعة الماضية حول الجامعات الوهمية التي تبيع الشهادات المضروبة، وكان من بينها جامعتا لندن الأمريكية (AUIL) و(AUOL) اللتان تخرج من إحداها مؤلف الكتاب المذكور.
وأذكر أنني في 2013 أجريت تحقيقا صحفيا حول سلسلة من الجامعات الوهمية بعنوان «اشتر «ماجستير».. وخذ الدكتوراه مجاناً في أسبوعين»، وقمت حينها بتوثيق تجارب عملية للحصول على شهادات عليا من جامعات وهمية تبيع الدرجات العلمية عبر الهاتف مباشرة، وهناك جامعات أخرى توحي بأن لديها دراسة عن بعد، ولكن كل شيء يتضح ويتيسر بعد بدء عملية دفع الرسوم، ومن بينها الجامعة الأمريكية في لندن (Amrican Univeristy in London) وجامعة لندن الأمريكية (American University of London)، وكلاهما جامعتان وهميتان لا علاقة لهما بالعلم، لدرجة أن إحداهما وقعت في فخ نصبه لها مراسل لقناة الـ «بي بي سي» البريطانية في أكتوبر 2013 ومنحت على إثره «كلبا» درجة الماجستير في تخصص إدارة الأعمال، دون التدقيق في المعلومات المرسلة عن سيرته الأكاديمية وهويته.
وليس القصد من مقدمة المقال أنه يشترط في تأليف الكتب أن يحمل المؤلف مؤهلات أكاديمية عليا، فهناك مبدعون ومفكرون وأدباء وساسة كبار لا يحملون أي شهادات أكاديمية، ومع ذلك أتحفونا بروائع الكتب، وعلى رأسهم عباس العقاد الذي يحمل الابتدائية فقط، وشكسبير وباولو كويلهو ووينستون تشرتشل وغيرهم، ولكن الفرق الشاسع بين هؤلاء العمالقة وحامل «الدال» الوهمية مؤلف الكتاب المذكور أعلاه، أن لديهم مخزونا ثقافيا وعلميا تحصلوا عليه من المعرفة الحقيقية التي استقوها من قراءات معمقة خلقت لديهم «عقولا نقدية» قادرة على ربط المعارف التي تلقنوها وتحويلها إلى أفكار نافعة جعلت من طروحاتهم شعلة نستنير بها، ولديهم أيضا من القيم والمبادئ والفكر ما يحول دون السقوط الأخلاقي المريع في البحث عن شهادة علمية مفبركة للحصول على وجاهة اجتماعية، ولا شك أن المقارنة بالأساس غير جائزة أساسا، فهناك آلاف السنين الضوئية بين صاحب «العقل النقدي» الذي يملك القدرة على تصدير أفكاره للناس، وبين «العقل الخاوي» الذي لا يملك سوى إجازة علمية يشتريها بالمال، ويمارس «الحذاقة» في امتطاء ثوب المثقف ويؤلف كتبا يوهم بها القراء بأنه سيصنع لهم النجاح والتفوق.
خلاصة القول، لن توجد ثقافة في هذه الدنيا بلا علم حقيقي، ولن يوجد في الدنيا علم بلا تعليم محترم وحقيقي وفعلي وعملي، ولم ينبغ كبار المثقفين العرب الذين أثروا الثقافة بمؤلفاتهم في مختلف المجالات إلا بالعلم والتعليم والمعرفة.
ومع انتشار حملة الشهادات والدرجات العلمية الوهمية في العديد من المجالات لدرجة تأليفهم للكتب، وقيام بعض المكتبات التجارية بتوصية القارئ بشرائها وفقا لمعايير على الأرجح أنها «مضروبة»، أصبحت القضية أخطر مما نتصور، وتستوجب تدخلا مباشرا من وزارة الثقافة والإعلام لمصادرة هذه الكتب الرديئة، لأنها قضية مفصلية ما بين التقدم أو التخلف، والأمر أصبح أسوأ من مسألة تدني ذائقة القراءة والذائقة الثقافية عند القراء، ويصل إلى درجة «تجهيل» القارئ أو «استغفاله» إن جاز التعبير!.
وأذكر أنني في 2013 أجريت تحقيقا صحفيا حول سلسلة من الجامعات الوهمية بعنوان «اشتر «ماجستير».. وخذ الدكتوراه مجاناً في أسبوعين»، وقمت حينها بتوثيق تجارب عملية للحصول على شهادات عليا من جامعات وهمية تبيع الدرجات العلمية عبر الهاتف مباشرة، وهناك جامعات أخرى توحي بأن لديها دراسة عن بعد، ولكن كل شيء يتضح ويتيسر بعد بدء عملية دفع الرسوم، ومن بينها الجامعة الأمريكية في لندن (Amrican Univeristy in London) وجامعة لندن الأمريكية (American University of London)، وكلاهما جامعتان وهميتان لا علاقة لهما بالعلم، لدرجة أن إحداهما وقعت في فخ نصبه لها مراسل لقناة الـ «بي بي سي» البريطانية في أكتوبر 2013 ومنحت على إثره «كلبا» درجة الماجستير في تخصص إدارة الأعمال، دون التدقيق في المعلومات المرسلة عن سيرته الأكاديمية وهويته.
وليس القصد من مقدمة المقال أنه يشترط في تأليف الكتب أن يحمل المؤلف مؤهلات أكاديمية عليا، فهناك مبدعون ومفكرون وأدباء وساسة كبار لا يحملون أي شهادات أكاديمية، ومع ذلك أتحفونا بروائع الكتب، وعلى رأسهم عباس العقاد الذي يحمل الابتدائية فقط، وشكسبير وباولو كويلهو ووينستون تشرتشل وغيرهم، ولكن الفرق الشاسع بين هؤلاء العمالقة وحامل «الدال» الوهمية مؤلف الكتاب المذكور أعلاه، أن لديهم مخزونا ثقافيا وعلميا تحصلوا عليه من المعرفة الحقيقية التي استقوها من قراءات معمقة خلقت لديهم «عقولا نقدية» قادرة على ربط المعارف التي تلقنوها وتحويلها إلى أفكار نافعة جعلت من طروحاتهم شعلة نستنير بها، ولديهم أيضا من القيم والمبادئ والفكر ما يحول دون السقوط الأخلاقي المريع في البحث عن شهادة علمية مفبركة للحصول على وجاهة اجتماعية، ولا شك أن المقارنة بالأساس غير جائزة أساسا، فهناك آلاف السنين الضوئية بين صاحب «العقل النقدي» الذي يملك القدرة على تصدير أفكاره للناس، وبين «العقل الخاوي» الذي لا يملك سوى إجازة علمية يشتريها بالمال، ويمارس «الحذاقة» في امتطاء ثوب المثقف ويؤلف كتبا يوهم بها القراء بأنه سيصنع لهم النجاح والتفوق.
خلاصة القول، لن توجد ثقافة في هذه الدنيا بلا علم حقيقي، ولن يوجد في الدنيا علم بلا تعليم محترم وحقيقي وفعلي وعملي، ولم ينبغ كبار المثقفين العرب الذين أثروا الثقافة بمؤلفاتهم في مختلف المجالات إلا بالعلم والتعليم والمعرفة.
ومع انتشار حملة الشهادات والدرجات العلمية الوهمية في العديد من المجالات لدرجة تأليفهم للكتب، وقيام بعض المكتبات التجارية بتوصية القارئ بشرائها وفقا لمعايير على الأرجح أنها «مضروبة»، أصبحت القضية أخطر مما نتصور، وتستوجب تدخلا مباشرا من وزارة الثقافة والإعلام لمصادرة هذه الكتب الرديئة، لأنها قضية مفصلية ما بين التقدم أو التخلف، والأمر أصبح أسوأ من مسألة تدني ذائقة القراءة والذائقة الثقافية عند القراء، ويصل إلى درجة «تجهيل» القارئ أو «استغفاله» إن جاز التعبير!.