-A +A
غسان بادكوك
رغم عدم امتلاكي معلومة مؤكدة، أعتقد أنه في الوقت الذي يُنشر فيه هذا المقال، ستكون القائمة التي تتضمن أسماء أعضاء مجلس الشورى في دورته السابعة القادمة قد اكتملت، أو على وشك الاكتمال، وإذا ما علمنا أن نظام المجلس ينص على تغيير نصف عدد الأعضاء مع تشكيل الدورة الجديدة، يصبح من المؤكد انضمام 75 عضوا جديدا للمجلس للمرة الأولى (هذا على افتراض بقاء عدد الأعضاء دون تغيير)، التعيينات الشورية المرتقبة سيبدأ سريانها اعتبارا من الثالث من ربيع الأول القادم؛ وهو موعد انطلاق الدورة الجديدة رسميا، ومن الطبيعي فإن رفد المجلس بأعضاء جدد وبما يعادل 50% من عدد أعضائه، هو بحد ذاته تغيير مهم على الصعيد (البرلماني) كونه يُجدّد حيوية المجلس بإضافة خبرات وذهنيات وكفاءات مختارة بعناية؛ ومن المؤمل أن تساهم في تحسين الأداء الشوري.

ومع اقتراب موعد بدء الدورة الجديدة لمجلس الشورى التي ستُتوّج بالخطاب الملكي الكريم يوم الخامس عشر من ربيع الأول القادم، يزداد ترقُّب المجتمع للإعلان عن أسماء التشكيل الجديد للأعضاء ربما خلال الأيام القريبة القادمة. هذه المناسبة التي لا تتكرر سوى مرة واحدة كل أربع سنوات أثارت في ذهني العديد من الأفكار والتصورات والتساؤلات؛ سواء المتعلقة منها بمجلس الشورى أو بمتغيرات أخرى محتملة؛ قد يكون للمجلس صلة بها خلال المرحلة القادمة، ومن أبرزها:


1ــ هل ستشهد الفترة القادمة توجُّها لتوسيع مشاركة المرأة (في الحياة السياسية في المملكة) وصولا إلى زيادة دورها في صناعة القرار الوطني من خلال وجودها في مواقع (مسؤولية عُليا) على هيكل الجهاز التنفيذي للحكومة؟

2ــ إلى أي مدى يمكن أن تشهد سنوات الدورة القادمة مناقشة أفكار غير مألوفة محليا؛ قد يكون منها دراسة انتخاب أعضاء مجلس الشورى؛ أو حتى نسبة منهم في الدورة الثامنة أو بعدها؟

3ــ ما هي إمكانية تعزيز دور المجلس في دورته القادمة بمنحه صلاحيات إضافية يمكن أن تساعده على القيام بوظائفه الرقابية والتشريعية بشكل أكثر كفاءة مثل إعطائه صلاحية مراجعة الميزانية وإقرارها، أو استدعاء الوزراء؟

4ــ هل من الوارد بحث إمكانية نقل نظام الشورى السعودي لمرحلة أكثر تقدماً بإنشاء (غرفة) ثانية (منتخبة الأعضاء) للمجلس؛ مع بقاء الغرفة الحالية المعيّنة الأعضاء؟

5ــ ما هي إمكانية تضمين التشكيل الجديد للمجلس تمثيلا أكبر لشريحة الشباب من الجنسين؛ وهو ما سيسهِّل فهما أفضل لتطلعاتهم واستفادة أكبر من قدراتهم وعطاءتهم؟

ورغم أن التساؤلات السابقة تتردد من آن لآخر في المجالس وعلى وسائل التواصل، فإنني أعتقد أن من الصعوبة بمكان أخذها في عين الاعتبار؛ على الأقل خلال الفترة القريبة القادمة وذلك بالنظر لطبيعة أولوياتنا في الوقت الحاضر، إضافة إلى أن سرعة المتغيرات التي تشهدها بلادنا حاليا على الصعيدين المالي والاقتصادي تتطلب تركيزا أكبر في التعامل مع الأهم، وتأجيل الأقل أهمية، هذا فضلا عن تأثير الأوضاع السياسية والعسكرية على المستويين الإقليمي والدولي، وهي بالتأكيد متغيرات تختلف لحد بعيد عن الأوضاع التي كانت سائدة خلال تشكيل دورات المجلس السابقة.

وعندما يتعلق الأمر بتطوير نظام الشورى، يصبح خيار انتخاب الأعضاء هو من أكثر الموضوعات جدلية؛ خصوصا لدى النخبة من المثقفين والمحللين السياسيين؛ لأن إقرار مبدأ الانتخاب هو الخطوة الأولى في طريق الديموقراطية بمفهومها الواسع؛ ليس فقط باعتبارها أحد أشكال الممارسة السياسية بل ولأنها قبل ذلك هي (ثقافة أخلاقية) ومجتمعية لا يمكن القفز إليها بدون مقدمات تمهّد لها الطريق وتضمن ممارستها بشكل جيد؛ لاسيما أن الديموقراطية تتمحور حول فكرة تداول السلطة وفقا لرأي الأغلبية؛ وهنا بالتحديد يكمن تعارض نموذج الحكم الديموقراطي مع شريعتنا الغراء، لأن العبرة ليست بتفضيلات الكثرة ولا برأي الأغلبية بقدر ما هي في الامتثال لشرع الله.

الموضوع السابق يطرح بدوره عددا من التساؤلات ومنها:

1ــ ما مدى جاهزيتنا للخيار الديموقراطي؟، باعتبار المملكة هي موئل الإسلام والبلد الذي يطبق مبدأ الشورى؛ وهو البديل (الشرعي) للديموقراطية؛ خصوصاً أن بلادنا تضم قبلة المسلمين وتحتضن أقدس مقدساتهم.

2ــ هل يمكن إنتاج (نسخة سعودية) من الديموقراطية؟، وهل الاختلافات (الجوهرية) بين الشورى (المطبّقة في المملكة) وبين الديموقراطية (بشكلها الغربي) تحول دون المبادرة لتطوير تجربتنا الشورية؟

3ــ هل نحن -السعوديين- مهيّئون لانتخابات نيابية غالبا ما ستستند إلى الولاءات القبلية أو المناطقية والعشائرية المختلفة -كما هو مشاهد في بعض الدول- أكثر من استنادها إلى البرامج الانتخابية للمرشحين؟

4ــ هل يمكن أن تنجح في المملكة أية تجربة برلمانية بالمفهوم الديموقراطي الغربي، بدون تهيئة المجمتع على مبدأ المشاركة الشعبية؛ أولاً عبر التعليم والإعلام، وثانيا على مدى سنوات طوال؟

وبطبيعة الحال، فإن الإجابة على التساؤلات السابقة وغيرها تتفاوت إلى حد كبير، وتعتمد على عوامل متعددة؛ أهمها وأولها إرادة ولي الأمر الذي له الكلمة الفصل في الموضوع، إضافة لجملة عوامل أخرى منها مدى وعي الناس، ودرجات تعليمهم العام والشرعي، ومستوى فهمهم للتفسيرات والأحكام الفقهية المتعلقة بأمور الحكم والولاية العامة، ولكن قبل محاولة الإجابة على تلك الأسئلة هناك حزمة تساؤلات (فرعية) ينبغي طرحها أولاً وهي: لماذا نناقش من الأساس موضوعا كهذا؟، وهل من حقنا -كمواطنين- أن نناقشه؟، وإذا كانت الإجابة بنعم، فمن هم المخولون بنقاشه؟، هل هم العامة؟ أم رجال الدولة؟ أو ربما النخبة من المثقفين والمفكرين ومجتمع الإعلام وخبراء العلوم السياسية؟.

ختاما، أعتقد أنه من المبكر جدا الإجابة بشفافية على التساؤلات السابقة حيث لم نتعود على هكذا نقاشات في العلن؛ لأن الحديث عن الديموقراطية هو موضوع حساس في مجتمع كمجتمعنا؛ لديه قيمه ومفاهيمه الإسلامية التي يعتقد الكثيرون أنها تتعارض مع النهج الديموقراطي الغربي، في حين أننا حتما لن نستطيع منع الناس من التفكير في الموضوع أو الحديث عنه في مجالسهم الخاصة، وربما سنسمح مستقبلا بمناقشته في مؤسساتنا التشريعية وقنوات إعلامنا الرسمية؛ ويعود السبب في ذلك إلى توق الناس إلى المزيد من الاطمئنان على مستقبل بلادنا، وانعكاسات ذلك على معيشة المواطنين، واستقرار المجتمع، وتحقيق تطلعاتنا الطموحة كما تضمنتها رؤية المملكة 2030.