بدأت العلاقات الخليجية الأمريكية في ثلاثينيات القرن الماضي بمصالح اقتصادية مشتركة وتعاون على المستوى الثنائي أو الجماعي في مجالات التنقيب عن النفط، لتستمر الشراكة في المجالات الأمنية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية جعلت من أمن واستقرار منطقة الخليج عمود فقري للمصالح الأمريكية، التي اعتمدت منذ ذلك الحين على نفسها في توفير الأمن لمصالحها في المنطقة بالتوقيع على العديد من اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية والدفاعية والأمنية.
إلا أن ذلك التعاون ظهر جليّاً في عهد الرئيس باراك أوباما، بتشكيل التحالف الدولي ضد (داعش) وبمشاركة السعودية والبحرين والإمارات وقطر، التي تشارك في الحرب ضد الإرهابيين السُنة من تنظيم داعش، في الوقت الذي تقوم ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي العراقي بأبشع الممارسات ضد السكّان السُنة بدعوى محاربة داعش، خصوصاً بعد أن أقرَّ مجلس النواب العراقي في (26 نوفمبر 2016م) قانون (هيئة الحشد الشعبي) الذي أخضعها تحت مظلة القوات العراقية المسلحة؛ وبالتالي أصبح لهذه الميلشيات الطائفية صفة رسمية بمباركة الحكومة العراقية، في مفارقة غريبة يظهر هدفها بوضوح في الرغبة الدولية في خلط الأوراق لاستمرار اشتعال المنطقة العربية بالصراعات دون أن تنتهي إلى حل سياسي يخمد نيران الحروب وينقل المنطقة إلى مرحلة الاستقرار التي افتقدتها منذ سنوات طوال.
ورغم العلاقات الخليجية الأمريكية التاريخية الممتدة لأكثر من ثمانين عاماً وما تخللها من تعاون أمني وعسكري وسياسي حقَّق للولايات المتحدة أهدافها الاستراتيجية بتأمين تدفق النفط إليها؛ إلا أن تلك العلاقات تقف أمام مفترق طريق وتتعرَّض لحالة غير مسبوقة من التوتر وانعدام الثقة لأسباب عدّة تتلخص في الآتي:
1. السياسات الأمريكية المتباينة وغير الواضحة تجاه المتغيرات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، من حيث التحول الاستراتيجي نحو إعطاء إيران دور إقليمي في المنطقة على حساب الأمن القومي الخليجي والعربي، وعدم الاستجابة حتى الآن لطلبات دول مجلس التعاون لتزويدها بالأسلحة الدفاعية رغم الاجتماعات والوعود المتكررة.
2. خضوع السياسة الأمريكية للمرتكزات الأساسية التي أقرها الكونجرس للعلاقات مع الخارج وعلى وجه الخصوص مع دول مجلس التعاون، والتي يعتمد نجاحها على مدى احترام دول المجلس لمبادئ حقوق الإنسان، دون أي اعتبار للعلاقات التاريخية والاستراتيجية، وذلك انطلاقاً من الرؤية الأمريكية لتشكيل (الشرق الأوسط الجديد) عبر إطلاق حِراك الشارع بتأسيس شبكات تتولّى هذه المهمة وتقديم الدعم والتمويل والرعاية لها.
3. تمادي الإدارة الأمريكية في فرض المزيد من الضغوط السياسية على السعودية، وتتويجها بإقرار (قانون جاستا)؛ وما يشكّله ذلك من ابتزاز يُضاعف حدة التوتر بين الجانبين والذي سيمتدّ تأثيره على العلاقات مع دول مجلس التعاون مجتمعة، ورغم السياسة السعودية الجديدة نحو التوجه شرقاً إلا أن علاقاتها مع أمريكا تبقى المرتكز الرئيسي لأمن الخليج.
4. استمرار إيران في فَرض سياسة الأمر الواقع في المنطقة باعتبارها دولة نووية، وسعيها لتحقيق مكاسبها الاستراتيجية باستثمار الاتفاق النووي.
إن أمن منطقة الخليج العربي قضية بالغة الحساسية والخطورة؛ ويجب أن يضع مفهوم (الأمن القومي الخليجي) في اعتباره الرؤية الواضحة والمتكاملة لأبعاد قضايا الأمن في دول الجوار الإقليمي، وأن يقوم على الركائز الآتية:
1. إقامة تحالفات مع الدول الصديقة صاحبة المصالح الاستراتيجية التاريخية في المنطقة، لدرء أي تهديدات يعرِّض الأمن الخليجي للخطر، وذلك من خلال ترتيبات أمنية جديدة تأخذ في الاعتبار المصالح المتبادلة والعلاقات الثنائية بين الجانبين.
2. تعزيز الأمن الخليجي باتحاد جهود دول المجلس أمنياً وتطويق المخاطر والتحديات القائمة، بتحوّل دول المجلس إلى تحالف عسكري وأمني شبيه بحلف شمال الأطلسي (الناتو) لوقف التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية خصوصاً التدخلات الإيرانية المستمرة.
3. العمل الجاد من أجل تحقيق التنمية الخليجية الشاملة والمستدامة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة ببناء المجتمع الخليجي القائم على العدالة وسيادة القانون، وإرساء دعائم الدولة الوطنية الحديثة بإجراء إصلاحات دستورية تدريجية وثابتة وملائمة لظروف دول المجلس.
4. احترام مبدأ السيادة الوطنية لجميع الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتسوية الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة أو التهديد بها لفضّ المنازعات، ورفض التحريض الإعلامي السياسي.
5. تعزيز فاعلية مجلس التعاون ودوره كمنظومة لها أهميتها الدولية والإقليمية، وبحث الآليات العملية لتسريع الانتقال من (مرحلة التعاون) إلى (مرحلة الاتحاد) بمن هو مستعد من الدول الأعضاء، حفاظاً على سيادته واستقلاله الوطني ومكتسبات مواطنيه ومواجهة استحقاقات التحولات والمستجدات المتسارعة في العالم والتهديدات الأمنية في الجوار الإقليمي المباشر. وللمقال تتمة في الأسبوع القادم بإذن الله.
- المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.
إلا أن ذلك التعاون ظهر جليّاً في عهد الرئيس باراك أوباما، بتشكيل التحالف الدولي ضد (داعش) وبمشاركة السعودية والبحرين والإمارات وقطر، التي تشارك في الحرب ضد الإرهابيين السُنة من تنظيم داعش، في الوقت الذي تقوم ميليشيات الحشد الشعبي الشيعي العراقي بأبشع الممارسات ضد السكّان السُنة بدعوى محاربة داعش، خصوصاً بعد أن أقرَّ مجلس النواب العراقي في (26 نوفمبر 2016م) قانون (هيئة الحشد الشعبي) الذي أخضعها تحت مظلة القوات العراقية المسلحة؛ وبالتالي أصبح لهذه الميلشيات الطائفية صفة رسمية بمباركة الحكومة العراقية، في مفارقة غريبة يظهر هدفها بوضوح في الرغبة الدولية في خلط الأوراق لاستمرار اشتعال المنطقة العربية بالصراعات دون أن تنتهي إلى حل سياسي يخمد نيران الحروب وينقل المنطقة إلى مرحلة الاستقرار التي افتقدتها منذ سنوات طوال.
ورغم العلاقات الخليجية الأمريكية التاريخية الممتدة لأكثر من ثمانين عاماً وما تخللها من تعاون أمني وعسكري وسياسي حقَّق للولايات المتحدة أهدافها الاستراتيجية بتأمين تدفق النفط إليها؛ إلا أن تلك العلاقات تقف أمام مفترق طريق وتتعرَّض لحالة غير مسبوقة من التوتر وانعدام الثقة لأسباب عدّة تتلخص في الآتي:
1. السياسات الأمريكية المتباينة وغير الواضحة تجاه المتغيرات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، من حيث التحول الاستراتيجي نحو إعطاء إيران دور إقليمي في المنطقة على حساب الأمن القومي الخليجي والعربي، وعدم الاستجابة حتى الآن لطلبات دول مجلس التعاون لتزويدها بالأسلحة الدفاعية رغم الاجتماعات والوعود المتكررة.
2. خضوع السياسة الأمريكية للمرتكزات الأساسية التي أقرها الكونجرس للعلاقات مع الخارج وعلى وجه الخصوص مع دول مجلس التعاون، والتي يعتمد نجاحها على مدى احترام دول المجلس لمبادئ حقوق الإنسان، دون أي اعتبار للعلاقات التاريخية والاستراتيجية، وذلك انطلاقاً من الرؤية الأمريكية لتشكيل (الشرق الأوسط الجديد) عبر إطلاق حِراك الشارع بتأسيس شبكات تتولّى هذه المهمة وتقديم الدعم والتمويل والرعاية لها.
3. تمادي الإدارة الأمريكية في فرض المزيد من الضغوط السياسية على السعودية، وتتويجها بإقرار (قانون جاستا)؛ وما يشكّله ذلك من ابتزاز يُضاعف حدة التوتر بين الجانبين والذي سيمتدّ تأثيره على العلاقات مع دول مجلس التعاون مجتمعة، ورغم السياسة السعودية الجديدة نحو التوجه شرقاً إلا أن علاقاتها مع أمريكا تبقى المرتكز الرئيسي لأمن الخليج.
4. استمرار إيران في فَرض سياسة الأمر الواقع في المنطقة باعتبارها دولة نووية، وسعيها لتحقيق مكاسبها الاستراتيجية باستثمار الاتفاق النووي.
إن أمن منطقة الخليج العربي قضية بالغة الحساسية والخطورة؛ ويجب أن يضع مفهوم (الأمن القومي الخليجي) في اعتباره الرؤية الواضحة والمتكاملة لأبعاد قضايا الأمن في دول الجوار الإقليمي، وأن يقوم على الركائز الآتية:
1. إقامة تحالفات مع الدول الصديقة صاحبة المصالح الاستراتيجية التاريخية في المنطقة، لدرء أي تهديدات يعرِّض الأمن الخليجي للخطر، وذلك من خلال ترتيبات أمنية جديدة تأخذ في الاعتبار المصالح المتبادلة والعلاقات الثنائية بين الجانبين.
2. تعزيز الأمن الخليجي باتحاد جهود دول المجلس أمنياً وتطويق المخاطر والتحديات القائمة، بتحوّل دول المجلس إلى تحالف عسكري وأمني شبيه بحلف شمال الأطلسي (الناتو) لوقف التدخلات الأجنبية في شؤونها الداخلية خصوصاً التدخلات الإيرانية المستمرة.
3. العمل الجاد من أجل تحقيق التنمية الخليجية الشاملة والمستدامة في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتخاذ الإجراءات الكفيلة ببناء المجتمع الخليجي القائم على العدالة وسيادة القانون، وإرساء دعائم الدولة الوطنية الحديثة بإجراء إصلاحات دستورية تدريجية وثابتة وملائمة لظروف دول المجلس.
4. احترام مبدأ السيادة الوطنية لجميع الدول، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وتسوية الخلافات بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة أو التهديد بها لفضّ المنازعات، ورفض التحريض الإعلامي السياسي.
5. تعزيز فاعلية مجلس التعاون ودوره كمنظومة لها أهميتها الدولية والإقليمية، وبحث الآليات العملية لتسريع الانتقال من (مرحلة التعاون) إلى (مرحلة الاتحاد) بمن هو مستعد من الدول الأعضاء، حفاظاً على سيادته واستقلاله الوطني ومكتسبات مواطنيه ومواجهة استحقاقات التحولات والمستجدات المتسارعة في العالم والتهديدات الأمنية في الجوار الإقليمي المباشر. وللمقال تتمة في الأسبوع القادم بإذن الله.
- المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.