-A +A
محمد العصيمي
لم ينفض سامر قصيدة الشاعر حيدر العبدالله أمام الملك، في حفل أهالي الأحساء، إلى الآن، فما زال القوم يسهرون جراها ويختصمون بينما هو ينام ملء جفونه، أو ملء بساتينه، عن شواردها. وما يزال لدى البعض رغبة في (الانتقام) من شاعرٍ مبدعٍ شاب لأنه، عن قصد أو غير قصد، نقض ثقافة الصراخ السائدة في البيوت والشوارع ومجالس الذكر والحوار.

ألقى الرجل قصيدته على طريقة موسيقى الماء في مزارع الأحساء، وعلى نفس منوال أهلها الطيبين حين يتحدثون إلى بعضهم ويكون لنبرات أصواتهم وقع حيي لطيف يعكس ثقافة ولين (الطين) الذي يلد الهدوء المتناهي كما يلد أثمار النخيل الزاهية بعذوق الرطب.


حيدر العبدالله أتى من ثقافة محلية (وسيعة الصدر) تطول فيها سوالف المقاهي على هسيس سعف النخل، ويُعتق فيها الليمون الحساوي تحت الشمس لعام أو عامين؛ ليكون صديقاً للشوربة كلما حل شهر رمضان. ولذلك كان سيكون نشازاً أحسائياً لو أنه ألقى قصيدته على طريقة المبدع البدوي خلف بن هذال أو طريقة عبقري الجن ناصر الفراعنة.

ما حدث إذن هو أن حيدر كان تمر (خلاص) أحسائياً نخب أول، لا تهضمه إذا كنت تتناول طول عمرك بسرة (الحلوة) النجدية القاسية. هنا طعم وهنا طعم وكلا الطعمين يتمتعان بلذة خاصة تنتجها خصوصية المكان وتحكمها الذائقة الشعرية الشخصية. ولذلك كان منكراً، من وجهة نظري، أن يمارس بعض الناس هذا الاعتداء الشرس على الشاعر لأنه لم يصرخ. وكان، أيضاً، خطأ أن يحكم على قصيدته من طريقة إلقائه.

ومرد الخطأ أنك لا يمكن أن تحكم على قسوة هجير الصحراء حكمك على خرير عين الماء، ولا أن تصر على ضرورة أن تشبه نخلة في حريملاء نخلة في الأحساء. أنت بذلك ترتكب ظلماً بيناً بحق (التنوع) وتجهز على اختلاف الألوان. وهو ما أظن أنه حدث مع هذا الشاعر وهذه القصيدة، إذ طبقت عليهما ثقافتنا المجتمعية السائدة التي تنسحب على كل شؤون حياتنا وهي إما أن تشبهني أو ألغيك!!

بقي أن أقول بأن ما حدث، من غير أن ننتظر ذلك، كشف لغة المجتمع ونبرته وهي، كما رأيتم، لغة ونبرة صارخة وجارحة يعوزها الهدوء والتعقل والتسامح.