-A +A
حمود أبو طالب
في أشد ظروفنا حاجة لمعرفة كثير من التفاصيل والمعلومات والحيثيات والمبررات لعدد كبير من القرارات المفصلية في تأريخ وطننا، صدمتنا مواقف وتعاملات بعض المسؤولين مع المجتمع، هناك من غاب عن المشهد تماما وكأنه لا أحد يهمه، أو كأنه غير ملزم نظاما بضرورة شرح ما يتعلق بجهته حيال هذه التحولات الكبرى. وهناك من خرج ليدلي ببعض المعلومات التي تفتقر إلى الدقة وتثير اللغط أكثر مما تفيدنا. هناك من وضع حاجزا حديديا بينه وبين ممثلي وسائل الإعلام، وهناك من أوشك أن يطردهم. وهناك من يتهم الكتاب والصحفيين وناشطي مواقع التواصل بإثارة الإشاعات غير الصحيحة، رغم أن صمته واحتجابه هو الذي أتاح بيئة خصبة لهذا الوضع، ورغم أن كل هذه الممارسات تخالف تماما توجيهات الدولة وتأكيداتها على التواصل المستمر مع المجتمع وتوضيح كل الحقائق.

لكن مع كل هذا التعالي والتجاهل يبرز لنا نموذج مغاير تماما، يمثله الأمير خالد الفيصل. وللمعلومية فحواره الشامل الشفاف الجريء الواثق المدعم بالأدلة والأرقام والبراهين الذي استضافته «عكاظ» مساء (الثلاثاء) ليس سوى صورة مكبرة لما يحدث في مجلسه المعتاد كل يوم إثنين وجمعة منذ توليه إمارة منطقة مكة المكرمة، بل هو امتداد لفلسفته في الإدارة منذ كان أميرا لمنطقة عسير وربما قبلها. ولعل بعضكم يتذكر تقريره المفصل الذي قدمه لسمو الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله عما تم إنجازه في منطقة مكة، دون تردد في ذكر المعوقات والعثرات التي اعترضت بعض المشاريع والمقترحات الكفيلة بتجاوزها. فعل ذلك بأمانة وشجاعة لقناعته بأن تلك مسؤوليته الأخلاقية تجاه الوطن والمجتمع، التي تحتم عليه أن يسمو بنفسه عن ادعاء الكمال، أو إنكار الخلل.


إنها مفارقة عجيبة أن يبادر رجل دولة بقامة وأهمية ومسؤولية خالد الفيصل ويفتح قلبه وعقله للمجتمع عبر وسيلة إعلامية ويحاور ويناقش ويجيب ويعترف ويوضح، بينما مسؤولون آخرون يتعالون على المجتمع، وربما لا يدركون ضرورة تواصلهم معه بصورة مستمرة كجزء أساسي ومهم جدا من واجباتهم، وليس وفقا لمزاجهم أو تفضلا على المجتمع منهم. هذه القضية لم يعد من صالحنا تركها لمزاج المسؤول، وإذا لم يستوعبها فليغادر موقعه غير مأسوف عليه.

تعلموا يا بعض المسؤولين من هذا الفارس النبيل كيف تكون المسؤولية..

وتأملوا منه بيت الشعر هذا لا أكثر:

ابنوا على مبنى السلف ثم علّوه

لا تبخسون أعمالهم، عظّموها.