لم تبدأ رحلة الحرف والكلمة مع الصحافة المطبوعة، ولن تنتهي تلك الرحلة عند الصحافة الإلكترونية. إن أي مقارنة بين الصحافة الورقية والصحافة الإلكترونية من دون فهم وإلمام بالمحطات الأفقية والرأسية التي مرت بها رحلة الحرف والكلمة قبل الصحافة الورقية ومحاولة استقراء ما سيأتي بعد الصحافة الإلكترونية، هي في الحقيقة مقارنة آنية سطحية، لا تخرج عن الدوران في حلقة مفرغة، ولن تتجاوز قراءة بوصلة الإعلان والمعلنين.
في كل المحطات التي مرت بها رحلة الحرف والكلمة، كانت هناك وقفات رأسية وأفقية للعلاقة المتذبذبة بين عملية «القراءة» وما يحيط بها وعملية «الكتابة» وما يحيط بها. فلم تكن تتم هذه المحطات بمعزل عن مؤثرات نفسية واجتماعية واقتصادية وحضارية متبادلة مر بها الإنسان والمجتمع تؤثر بها وتتأثر بها.
كان لحركة التعليم وتآكل مساحة الأمية وارتفاع مستوى وعي الإنسان وتفتح مداركه وارتفاع مستوى الحريات انعكاس مباشر لتجسير الهوة بين عمليات الكتابة والطباعة والنشر من ناحية وتنشيط القراءة، بجانب ما صاحب كل ذلك من مستوى الرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي والحالة المدنية داخل كل مجتمع وبين الحضارات وارتباط ذلك بالحركة الاستعمارية والتجارة و الحركات التبشيرية العابرة للجغرافيا.
لكن الإبداع والابتكار دائما في مقدمة حركة التغيير والتطور بل كان يقود في الكثير من محطات التحول الاجتماعي والثقافي تلك المحطات فقد لازم حركة تطور المجتمعات حتى تحولت أغلب المجتمعات من مجتمعات زراعية ورعوية إلى مجتمعات صناعية وهو ما أنعش العلاقة بين طرفي المعادلة في رحلة الحرف والكلمة وإنعاش تلك العلاقة وتوطيدها بالثورات الصناعية المتلاحقة. حتى خرج مارد التقنية عبر أجيال متعاقبة لهذه التقنية، فنسفت كل الأنماط التقليدية والكلاسيكية في حركة التغيير والتطور بسائر مجالات الحياة وبكل تفاصيلها ومقوماتها فقلبت الموازين وكسرت المعايير التقليدية فيما بين القارئ والكاتب، القارئ والصحيفة حتى تبدلت المواقع فأصبح المرسل متلقيا والمتلقي مرسلا وصولا لما بات يعرف بالصحافة الإلكترونية والتواصل الاجتماعي مع كل ما رافقها من مهن جديدة لم تكن معروفة في ما مضى وانقرضت في المقابل مهن كانت أساسية سائدة في ما سبق.
هناك تحول آخر لا يقل أهمية كان يتم جنبا إلى جنب كل التحولات السابقة خلال العقود الأخيرة وهو تحول مفهوم «المجتمع» إلى مفهوم «السوق» حيث تحولت بموجبها كل المنتجات والخدمات والأفكار إلى سلع، فتم بموجبها تسليع العلاقة بين أي طرفين. وهذا حول ما كان يسمى «مجتمعا» تقوم علاقاته على التعاون أو الأخوة والقرابة والصداقة والتطوع والجيرة والزمالة إلى علاقة رأسمالية يسودها المصلحة تتمثل بما يعرف بمفهوم «السوق».
لم ولن تنقرض الصحافة الورقية والمطبوعة تماما، لكن الكثير من الصحف الورقية لم تصمد أمام ما أحدثته الثورة الرقمية التقنية المتلاحقة عبر أجيالها من هزات ضربت البنى التحتية لكل المفاهيم التقليدية الهيكيلية والفنية في رحلة الحرف والكلمة. أفلست بعض تلك المؤسسات الصحفية وانهارت إمبراطوريات صحفية مرموقة وتحول بعضها إلى صحف ورقية في العالم وفي الوطن العربي سواء وبقي القليل منها يصارع من أجل البقاء. وتفاقمت المسألة مع توالد الكثير من الصحف الإلكترونية الجديدة والتي يتابعها الملايين، لكن هذا كان على حساب الكعكة الإعلانية التي كانت تعيش عليها بعض تلك الصحف.
الصحافة السعودية ليست استثناءً أمام هذا التحدي، وهي تتفاوت في صراعها بين صغيرة، تعيش على المعونات، ومتوسطة تعيش على هامش ضئيل من الإعلانات، وكبيرة تعيش حصة معقولة من الإعلانات بموجب اسمها وتاريخها ومجدها.
برز إلى السطح مؤخرا الحديث عن سياسة الدمج بين بعض تلك الصحف الصغيرة لتفادي الخسائر التي تواجهها بعض تلك الصحف خاصة الصغيرة منها، وهي فكرة مطروحة وأظنها فكرة قابلة للدراسة والتنفيذ على الأقل لو تبناها الصف الثالث من الصحف الورقية، أو الدمج بين الصحف العريقة والصحف الصغيرة.
جدير بالتفكير والدراسة حجم الجريدة الورقية الجديدة والاقتصار على طباعة المواد الصحفية ذات الطابع المقالي وليس الإخباري، وطريقة إخراجها، لتكون عملية وبحجم اليد، فمن المستحيل الزعم بانقراض القراءة من الورق، والدليل هو أن الكثيرين يطبعون المادة المقالية على الورق ليقرؤوها ورقيا بسبب أن القراءة الإلكترونية لفترات طويلة لها مضارها الصحية وغير عملية مع المواد المقالية، كما أن ما تعكسه معارض الكتاب والإقبال عليها خاصة في المملكة سنويا دليل آخر على أن القراءة لم ولن تنقرض، لكن المطلوب الابتكار والإبداع في حجم الصحيفة اليومية، وابتكار أساليب مغرية بطريقة تحرير المادة الصحفية، وتصميم وإخراج تلك الصحف لتناسب سلوكيات القراءة العصرية ونفسية القارئ الجديد والمستجد والمتجدد.
في كل المحطات التي مرت بها رحلة الحرف والكلمة، كانت هناك وقفات رأسية وأفقية للعلاقة المتذبذبة بين عملية «القراءة» وما يحيط بها وعملية «الكتابة» وما يحيط بها. فلم تكن تتم هذه المحطات بمعزل عن مؤثرات نفسية واجتماعية واقتصادية وحضارية متبادلة مر بها الإنسان والمجتمع تؤثر بها وتتأثر بها.
كان لحركة التعليم وتآكل مساحة الأمية وارتفاع مستوى وعي الإنسان وتفتح مداركه وارتفاع مستوى الحريات انعكاس مباشر لتجسير الهوة بين عمليات الكتابة والطباعة والنشر من ناحية وتنشيط القراءة، بجانب ما صاحب كل ذلك من مستوى الرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي والحالة المدنية داخل كل مجتمع وبين الحضارات وارتباط ذلك بالحركة الاستعمارية والتجارة و الحركات التبشيرية العابرة للجغرافيا.
لكن الإبداع والابتكار دائما في مقدمة حركة التغيير والتطور بل كان يقود في الكثير من محطات التحول الاجتماعي والثقافي تلك المحطات فقد لازم حركة تطور المجتمعات حتى تحولت أغلب المجتمعات من مجتمعات زراعية ورعوية إلى مجتمعات صناعية وهو ما أنعش العلاقة بين طرفي المعادلة في رحلة الحرف والكلمة وإنعاش تلك العلاقة وتوطيدها بالثورات الصناعية المتلاحقة. حتى خرج مارد التقنية عبر أجيال متعاقبة لهذه التقنية، فنسفت كل الأنماط التقليدية والكلاسيكية في حركة التغيير والتطور بسائر مجالات الحياة وبكل تفاصيلها ومقوماتها فقلبت الموازين وكسرت المعايير التقليدية فيما بين القارئ والكاتب، القارئ والصحيفة حتى تبدلت المواقع فأصبح المرسل متلقيا والمتلقي مرسلا وصولا لما بات يعرف بالصحافة الإلكترونية والتواصل الاجتماعي مع كل ما رافقها من مهن جديدة لم تكن معروفة في ما مضى وانقرضت في المقابل مهن كانت أساسية سائدة في ما سبق.
هناك تحول آخر لا يقل أهمية كان يتم جنبا إلى جنب كل التحولات السابقة خلال العقود الأخيرة وهو تحول مفهوم «المجتمع» إلى مفهوم «السوق» حيث تحولت بموجبها كل المنتجات والخدمات والأفكار إلى سلع، فتم بموجبها تسليع العلاقة بين أي طرفين. وهذا حول ما كان يسمى «مجتمعا» تقوم علاقاته على التعاون أو الأخوة والقرابة والصداقة والتطوع والجيرة والزمالة إلى علاقة رأسمالية يسودها المصلحة تتمثل بما يعرف بمفهوم «السوق».
لم ولن تنقرض الصحافة الورقية والمطبوعة تماما، لكن الكثير من الصحف الورقية لم تصمد أمام ما أحدثته الثورة الرقمية التقنية المتلاحقة عبر أجيالها من هزات ضربت البنى التحتية لكل المفاهيم التقليدية الهيكيلية والفنية في رحلة الحرف والكلمة. أفلست بعض تلك المؤسسات الصحفية وانهارت إمبراطوريات صحفية مرموقة وتحول بعضها إلى صحف ورقية في العالم وفي الوطن العربي سواء وبقي القليل منها يصارع من أجل البقاء. وتفاقمت المسألة مع توالد الكثير من الصحف الإلكترونية الجديدة والتي يتابعها الملايين، لكن هذا كان على حساب الكعكة الإعلانية التي كانت تعيش عليها بعض تلك الصحف.
الصحافة السعودية ليست استثناءً أمام هذا التحدي، وهي تتفاوت في صراعها بين صغيرة، تعيش على المعونات، ومتوسطة تعيش على هامش ضئيل من الإعلانات، وكبيرة تعيش حصة معقولة من الإعلانات بموجب اسمها وتاريخها ومجدها.
برز إلى السطح مؤخرا الحديث عن سياسة الدمج بين بعض تلك الصحف الصغيرة لتفادي الخسائر التي تواجهها بعض تلك الصحف خاصة الصغيرة منها، وهي فكرة مطروحة وأظنها فكرة قابلة للدراسة والتنفيذ على الأقل لو تبناها الصف الثالث من الصحف الورقية، أو الدمج بين الصحف العريقة والصحف الصغيرة.
جدير بالتفكير والدراسة حجم الجريدة الورقية الجديدة والاقتصار على طباعة المواد الصحفية ذات الطابع المقالي وليس الإخباري، وطريقة إخراجها، لتكون عملية وبحجم اليد، فمن المستحيل الزعم بانقراض القراءة من الورق، والدليل هو أن الكثيرين يطبعون المادة المقالية على الورق ليقرؤوها ورقيا بسبب أن القراءة الإلكترونية لفترات طويلة لها مضارها الصحية وغير عملية مع المواد المقالية، كما أن ما تعكسه معارض الكتاب والإقبال عليها خاصة في المملكة سنويا دليل آخر على أن القراءة لم ولن تنقرض، لكن المطلوب الابتكار والإبداع في حجم الصحيفة اليومية، وابتكار أساليب مغرية بطريقة تحرير المادة الصحفية، وتصميم وإخراج تلك الصحف لتناسب سلوكيات القراءة العصرية ونفسية القارئ الجديد والمستجد والمتجدد.