-A +A
خالد السليمان
كانت المملكة طيلة عقود من الزمن تتبع سياسة لا تعلم شمالها ما تنفق يمينها في تقديم مساعداتها الإنسانية لدول وشعوب العالم، وهي سياسة وإن عكست نبل المقاصد إلا أنها لا تخدم مصالحها، في عالم يتعامل بلغة الأرقام الموثقة وتتسابق فيه الدول لتوظيف الأعمال الإنسانية في خدمة صورتها وأهدافها السياسية!

ولذلك جهل الكثيرون ما قدمته المملكة للآخرين، واستغل الكارهون هذا الجهل في أزمات عديدة مرت بها المنطقة للتأليب وتعزيز مشاعر الجحود والنكران، وكنا كسعوديين نعجب من إنكار البعض لما قدمته المملكة عبر التاريخ لخدمة قضاياهم السياسية والإنسانية والتنموية، وشعرت في كثير من الأحيان بأننا كمن يزرع فوق الماء أو يسقي بذرة في أرض جرداء!


اليوم تغير الوضع، جاء إنشاء مركز الملك سلمان للإغاثة والعلوم الإنسانية ليحقق من جملة أهداف نبيلة هدفين أساسيين، أولا تنظيم العمل الإنساني في إطار عمل مؤسسي قائم على قواعد ومعايير عالمية محترفة بعيدا عن الاجتهادات التي اتسم بها العمل الإنساني في السابق، وثانيا توثيق ما تقدمه المملكة للبشرية أمام العالم حتى يكون إطارا حقيقيا لصورة المملكة الإيجابية كدولة أسهمت دائما في مشاركة شعوب العالم معاناتها الإنسانية والتنموية!

الكتابة عن أعمال المركز الإنسانية تحتاج لمقالات طويلة، والكتابة عن الخطوات التي سار فيها لتأطير وتنظيم وتقنين العمل المؤسسي الإنساني لا تقل أهمية عن المساعدات التي يقدمها، وربما كان مناسبا الاستفادة مما اكتسبه المركز من خبرات وشراكات دولية ليكون مرجعية لمؤسسات العمل الإنساني السعودية!

وإذا كان المركز قد بدأ عمله بهدف تقديم المساعدات للشعب اليمني فإن نشاطه تحول لكل الاتجاهات، كما أنه أصبح العنوان السعودي دوليا لتقديم المساعدات الدولية وهذا شيء كنا نفتقده في السابق حيث افتقر العمل الإنساني السعودي سابقا لوجود مظلة واحدة تجمعه وتوثقه وتقدمه للمجتمع الدولي بالصورة المؤثرة التي تخدم صورة المملكة!

لقد كون المركز اليوم شراكات عمل مع مؤسسات إنسانية عالمية مرموقة واستفاد من تجاربها ونقل خبراتها كما أنه قضى على فكرة أن تكون المملكة مجرد آلة صرافة تقدم المساعدات النقدية، فأصبح تقديم المساعدات يتم من خلال عمل مؤسسي موثق يضمن وصول المساعدات بالشكل الصحيح وتحقيق الاستفادة القصوى منها من خلال مشاريع وبرامج محددة وتحت إشراف مباشر!

وما يبرز من أعمال المركز في مشاريع إغاثية وتنموية في اليمن وأفريقيا وسورية والأردن وغيرها توازيه أعمال لا تقل نبلا ولكنها لا تعلن لأسباب تتعلق بسلامة وأمن العاملين في برامج تقديم المساعدات الطبية والإغاثية وعندما يأتي اليوم الذي تعلن فيه سيكون كل سعودي فخورا بما يقدمه وطنه للبشرية!

أخيرا.. أشكر جميع العاملين في المركز وخاصة المرابطين على ثغور العمل الميداني، وقد قلت للدكتور عبدالله الربيعة كم أغبطكم فأنتم تمارسون العمل الوحيد في العالم الذي مهما بلغ ثقله وآلامه، فإن ممارسه عندما يلقي برأسه على مخدته في آخر اليوم ينام مبتسما!