هناك إشكالات كبيرة وخطيرة تستوطن جسد مجتمعنا السعودي، ورغم خطورتها إلا أن خطوات المعالجة والإصلاح لا تسير بخطى تتسق وحجم الضرر والأذى الناجم عن هذه الظواهر والسلوكيات المجتمعية والأسرية، بالغة الخطورة، والمقلق في هذا الشأن غياب علماء الاجتماع عن الدور المنوط بهم في تناول هذه القضايا بالشرح والتحليل المُفصل، واستقصاء جذورها، وتحديد أسبابها ليكون في الإمكان التعامل معها ومعالجتها، أو تحجيم نموها وانتشارها في أضعف الاحتمالات.
وحتى لا يكون الحديث في إطار عام، وتهويم تنظيري، سأتحدث عن ظاهرة التفكك الأسري، فهو البوابة الرئيسية لجملة الاعتلالات الأخرى التي مُني بها جسد الوطن. فمكابر من ينفي أو يغض الطرف عن ما يعتري الأسرة السعودية من مظاهر سالبة تستوجب الوقوف طويلا، والنظر بعين فاحصة لمواطن الخلل، والتعرف عن كثب على ماهية هذه العلل من حيث المسببات والنتائج، ووضع الحلول المناسبة لعلاجها.. ولن ينفعنا ادعاء الطهرانية المطلقة، والاحتفاء بالقشور واللافتات التي تمجد مجتمعنا وترفعه مكاناً عليا في سباق الفضائل ومكارم الأخلاق، ومن يرى في هذا مبالغة أو تهويلا، فليرجع إلى جريدة «الوطن»، العدد (5897) ويطالع التقرير المنشور حول «قضايا الطلاق التي نظرتها محاكم المناطق في 45 يومًا من عام 1438هـ»، وسيصدم برقم مهول حيث «أنهت المحاكم السعودية 27602 قضية إنهاء النكاح والتفرقة خلال 45 يوما من بداية العام الحالي أي بمعدل 613 حالة طلاق يوميًا»..!!
نعم 613 حالة طلاق يوميا، في مجتمع تنبئ مؤشراته العامة، وسمته الشكلي بتماسك ظاهر، وأواصر قوية، وعلاقات متينة، والواقع أن البنية الأسرية لدينا هشة إلى درجة أن تصل حالات الطلاق إلى هذا الرقم المفزع، وما يترتب على الطلاق في المجتمعات العربية بوصفها مجتمعات ذات علاقات ممتدة ومتصلة، ولا تقوم آصرة العلاقة الزوجية فيها بين الرجل والمرأة فقط، بحيث تنقطع الصلة بينها بانتهاء مراسم الطلاق، بل يمتد ذلك الأثر ليشمل الأسر والعوائل والقبائل، في سلسلة غير منتهية من المشكلات والاحتقانات التي نشهدها بشكل يومي.
وليت «الوطن» ذهبت عميقًا، فقد كان مهمًا أن يميط التقرير اللثام عن المستوى التعليمي لمن آثروا إنهاء مؤسساتهم الأسرية، وأعمارهم، وحالاتهم الاجتماعية السابقة، والأسباب الحقيقية وراء الشروع في الطلاق، وسنوات الزواج، وكم لهم من الأبناء. كل هذا وغيره من الضروري أن يكون حاضراً لمناقشة هذه «الظاهرة» برويّة وبصيرة واعية، مع الاحتفاظ للجريدة باجتهادها في استنطاق القاضي التنفيذي في المحكمة العليا بمكة المكرمة (سابقًا)، الشيخ عبدالعزيز الشبرمي، الذي «حدد أهم أسباب ارتفاع حالات الطلاق، وهي: عدم التحري عن الخاطب أو عن المخطوبة قبل الزواج، وضعف الوازع الديني عند الزوج والزوجة، وتعاطي المخدرات أو المسكرات، والعلاقات المحرمة، وعدم اهتمام الزوجة واستشعار قيمة الأسرة، والمقارنة السلبية كمقارنة الزوجة بالممثلات أو مقارنة الزوج بشخصيات إيجابية، وتدخل الأهل والأصدقاء، وتفضيل المصالح الشخصية على الأسرية، وعدم استشارة أهل الخبرة كالمستشار الأسري، والخلاف في أمور بسيطة كالطبخ وما شابه ذلك، وعدم استشعار مستقبل الأطفال، وضعف الثقافة الأسرية، والتأثر بوسائل الإعلام».
فكل محور من هذه المحاور حريّ بأن يؤخذ بشكل منفصل ويعكف عليه علماء الاجتماع بالتحليل والاستقصاء الدقيق والممحّص، بعيدا عن لغة الإنشاء والوعظ المجاني، فلا حاجة لذلك الآن، بقدر حاجتنا إلى اتّباع أسلوب علمي موثوق لتحديد وتشخيص العلة الاجتماعية بشكل دقيق، وإنها حاجة تقف في سُلّم الأولويات، نظرا لماهية مفهوم الأسرة، بوصفها البذرة التي تتشكل منها كل أطياف المجتمع، فأي رجاء ننتظر من مجتمع تنفصم فيه عرى الأسرة يوميا بواقع 613 حالة، هي الحالات التي نظرت فقط، فإذا أمعنا النّظر على حجم الكارثة المترتبة على هذا الرقم الكبير، وذهبنا مع أطراف الأزمة القريبين فقط، الزوج والزوجة والأبناء، في النظر إلى أفق المستقبل الذي يتراءى أمامنا ونتخيله، فمن الواضح جدًا أنّ الأبناء هم الضحية الأكبر في هذه المعادلة المطفّفة، فنمو أي طفل خارج محضن أسرته حريّ بأن يترك في داخله جراحًا عصيّة على الاندمال، وشروخًا ستلازمه طوال حياته، سواء كان بنتًا أو ولدًا. إننا نواجه كارثة اجتماعية حقيقية، بخاصة وأن الأسباب التي ساقها الشيخ الشبرمي مستمرة وغير منقطعة على الإطلاق؛ بما يشي بأن المستقبل أكثر قتامة، وأن حالات التفكك الأسري والطلاق لن تتوقف عند 613 حالة طلاق يوميًا بل سيمضي العدد في الزيادة والنمو، أرى أنّه من الضروري والمُلِح أن تدرج وزارة التعليم تدريس التربية الأسرية في مناهجها على اختلاف مراحل التعليم، ربما يكون في ذلك بداية حل شامل لهذه الظاهرة، التي آمل أن تستشعر الجهات المسؤولة خطرها المحدق وشيكا.
وحتى لا يكون الحديث في إطار عام، وتهويم تنظيري، سأتحدث عن ظاهرة التفكك الأسري، فهو البوابة الرئيسية لجملة الاعتلالات الأخرى التي مُني بها جسد الوطن. فمكابر من ينفي أو يغض الطرف عن ما يعتري الأسرة السعودية من مظاهر سالبة تستوجب الوقوف طويلا، والنظر بعين فاحصة لمواطن الخلل، والتعرف عن كثب على ماهية هذه العلل من حيث المسببات والنتائج، ووضع الحلول المناسبة لعلاجها.. ولن ينفعنا ادعاء الطهرانية المطلقة، والاحتفاء بالقشور واللافتات التي تمجد مجتمعنا وترفعه مكاناً عليا في سباق الفضائل ومكارم الأخلاق، ومن يرى في هذا مبالغة أو تهويلا، فليرجع إلى جريدة «الوطن»، العدد (5897) ويطالع التقرير المنشور حول «قضايا الطلاق التي نظرتها محاكم المناطق في 45 يومًا من عام 1438هـ»، وسيصدم برقم مهول حيث «أنهت المحاكم السعودية 27602 قضية إنهاء النكاح والتفرقة خلال 45 يوما من بداية العام الحالي أي بمعدل 613 حالة طلاق يوميًا»..!!
نعم 613 حالة طلاق يوميا، في مجتمع تنبئ مؤشراته العامة، وسمته الشكلي بتماسك ظاهر، وأواصر قوية، وعلاقات متينة، والواقع أن البنية الأسرية لدينا هشة إلى درجة أن تصل حالات الطلاق إلى هذا الرقم المفزع، وما يترتب على الطلاق في المجتمعات العربية بوصفها مجتمعات ذات علاقات ممتدة ومتصلة، ولا تقوم آصرة العلاقة الزوجية فيها بين الرجل والمرأة فقط، بحيث تنقطع الصلة بينها بانتهاء مراسم الطلاق، بل يمتد ذلك الأثر ليشمل الأسر والعوائل والقبائل، في سلسلة غير منتهية من المشكلات والاحتقانات التي نشهدها بشكل يومي.
وليت «الوطن» ذهبت عميقًا، فقد كان مهمًا أن يميط التقرير اللثام عن المستوى التعليمي لمن آثروا إنهاء مؤسساتهم الأسرية، وأعمارهم، وحالاتهم الاجتماعية السابقة، والأسباب الحقيقية وراء الشروع في الطلاق، وسنوات الزواج، وكم لهم من الأبناء. كل هذا وغيره من الضروري أن يكون حاضراً لمناقشة هذه «الظاهرة» برويّة وبصيرة واعية، مع الاحتفاظ للجريدة باجتهادها في استنطاق القاضي التنفيذي في المحكمة العليا بمكة المكرمة (سابقًا)، الشيخ عبدالعزيز الشبرمي، الذي «حدد أهم أسباب ارتفاع حالات الطلاق، وهي: عدم التحري عن الخاطب أو عن المخطوبة قبل الزواج، وضعف الوازع الديني عند الزوج والزوجة، وتعاطي المخدرات أو المسكرات، والعلاقات المحرمة، وعدم اهتمام الزوجة واستشعار قيمة الأسرة، والمقارنة السلبية كمقارنة الزوجة بالممثلات أو مقارنة الزوج بشخصيات إيجابية، وتدخل الأهل والأصدقاء، وتفضيل المصالح الشخصية على الأسرية، وعدم استشارة أهل الخبرة كالمستشار الأسري، والخلاف في أمور بسيطة كالطبخ وما شابه ذلك، وعدم استشعار مستقبل الأطفال، وضعف الثقافة الأسرية، والتأثر بوسائل الإعلام».
فكل محور من هذه المحاور حريّ بأن يؤخذ بشكل منفصل ويعكف عليه علماء الاجتماع بالتحليل والاستقصاء الدقيق والممحّص، بعيدا عن لغة الإنشاء والوعظ المجاني، فلا حاجة لذلك الآن، بقدر حاجتنا إلى اتّباع أسلوب علمي موثوق لتحديد وتشخيص العلة الاجتماعية بشكل دقيق، وإنها حاجة تقف في سُلّم الأولويات، نظرا لماهية مفهوم الأسرة، بوصفها البذرة التي تتشكل منها كل أطياف المجتمع، فأي رجاء ننتظر من مجتمع تنفصم فيه عرى الأسرة يوميا بواقع 613 حالة، هي الحالات التي نظرت فقط، فإذا أمعنا النّظر على حجم الكارثة المترتبة على هذا الرقم الكبير، وذهبنا مع أطراف الأزمة القريبين فقط، الزوج والزوجة والأبناء، في النظر إلى أفق المستقبل الذي يتراءى أمامنا ونتخيله، فمن الواضح جدًا أنّ الأبناء هم الضحية الأكبر في هذه المعادلة المطفّفة، فنمو أي طفل خارج محضن أسرته حريّ بأن يترك في داخله جراحًا عصيّة على الاندمال، وشروخًا ستلازمه طوال حياته، سواء كان بنتًا أو ولدًا. إننا نواجه كارثة اجتماعية حقيقية، بخاصة وأن الأسباب التي ساقها الشيخ الشبرمي مستمرة وغير منقطعة على الإطلاق؛ بما يشي بأن المستقبل أكثر قتامة، وأن حالات التفكك الأسري والطلاق لن تتوقف عند 613 حالة طلاق يوميًا بل سيمضي العدد في الزيادة والنمو، أرى أنّه من الضروري والمُلِح أن تدرج وزارة التعليم تدريس التربية الأسرية في مناهجها على اختلاف مراحل التعليم، ربما يكون في ذلك بداية حل شامل لهذه الظاهرة، التي آمل أن تستشعر الجهات المسؤولة خطرها المحدق وشيكا.