-A +A
عزيزة المانع
لا أظن أنه سبق أن أحدث قرار لمجلس الأمن من الضجيج والإثارة مثلما أحدثه قرار إدانة سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية للأراضي الفلسطينية. فهذا القرار الذي جاء بإجماع الدول الأعضاء (متى استثنينا الولايات المتحدة الأمريكية التي امتنعت عن التصويت)، أحدث دويا عالميا كبيرا، ربما للمفاجأة التي أدهشت العالم بمثل هذا التحول غير المتوقع في نتائج تصويت مجلس الأمن على شأن يتعلق بإسرائيل وجرائمها في فلسطين، فالمعتاد دائما تغليب المصلحة الإسرائيلية، فإن لم يحدث، كان الفيتو الأمريكي بالمرصاد لإبطال ما قد يكون فيه مخالفة لمصلحة إسرائيل.

أمريكا هذه المرة تخلت عن إسرائيل، لم تستخدم الفيتو وتركت إسرائيل تواجه دول العالم منفردة، فجاءت هذه النتيجة، التي أكدت لإسرائيل مكانتها الحقيقية في العالم متى ما تخلت أمريكا عن مساندتها.


المحللون السياسيون يفسرون الموقف الأمريكي الخاذل لإسرائيل بعدم استخدام الفيتو، بأنه لم يكن حبا للعدالة ولا نصرة للحق، وإنما إغاظة لنتينياهو الذي يشوب علاقته بأوباما شيء من التوتر.

إسرائيل لم تأبه لقرار مجلس الأمن، وكان أمرا متوقعا أنها لن تفعل ولن تحرك ساكنا، لن توقف مشاريعها الاستيطانية ولن تغير من سياستها التوسعية، بل على النقيض من ذلك، ردت على قرار مجلس الأمن بنزق باد من خلال تصريحات رئيس وزرائها، التي أكد فيها أن إسرائيل ماضية في مشاريع الاستيطان ولن تتخلى عنها.

ومع ذلك، وعلى الرغم من أن إسرائيل أبدت اللامبالاة بما أصدره مجلس الأمن من قرار، إلا أن الرئيس الجديد لأمريكا دونالد ترمب سرعان ما بادر إلى طمأنة إسرائيل، بأنها في (عيونه الثنتين) وأن سياسة أمريكا المقبلة ستكون مختلفة عن الحالية، وأن الدعم الأمريكي لإسرائيل لن يتوقف أبدا، كلما عليها أن تهدأ و(تطول بالها) فلا تقلق.

قرار مجلس الأمن، يعده كثيرون إنجازا أخلاقيا للمجلس، يمثل انتصارا للعدالة والحق، بعد أن كانت العنجهية الإسرائيلية المحتمية بالقوة الأمريكية، تحول دائما دون حدوث شيء كهذا. لكن هذا القرار، وإن عُد كذلك، إن لم ترافقه عقوبات تجبر إسرائيل على وقف الاستمرار في بناء المستوطنات، فإنه على المستوى الفعلي لا أثر له.

ولأن هذا القرار، بالصورة التي صدر فيها يمثل (بيضة الديك) التي يندر تكرر مثلها، هل يمكن للعرب المبادرة إلى الاستفادة منه واستثماره في الضغط عالميا لإرغام إسرائيل على إيقاف الاستيطان وهدم بيوت الفلسطينيين للحصول على مزيد من أراضيهم؟ هل يمكن للعرب فعل ذلك في زمن سياسة ترامب المقبلة؟