-A +A
سعيد السريحي
من يلقي نظرة على جدة من طائرة تغادر أو طائرة تصل سوف يشاهد مدينة مبنية وسط مستنقعات وسوف يتساءل مندهشا: كيف يحيا سكان هذه المدينة وسط هذه المستنقعات الآسنة، وما هو العمر الافتراضي لمباني هذه المدينة التي تتآكل أساساتها بفعل المياه الجوفية والملوحة المشبعة بها.

من يشاهد جدة من الجو سوف يشاهد مدينة أخرى غير تلك المدينة التي تتباهى بكورنيشها ومجسماتها الجمالية وأبراجها التي يناطح بعضها السحاب، من يرى جدة من نافذة طائرة سوف يعجب من جرأة بعض المسؤولين حين يتحدثون عما صنعوه لجدة، وقد كان الأولى بهم، مسؤولا إثر مسؤول، أن يعترفوا بما صنعوه بجدة حتى أصبحت في حال يرثى لها من نقص في الخدمات وحياة كحياة الطحالب وسط المستنقعات، حياة لا يستغرب معها أن تصبح حمى الضنك مرضا مستوطنا فيها تعجز جهود البرامج الصحية عن حماية الناس منه، ومن أين يكون لتلك البرامج نصيب من النجاح في مدينة أصبحت مرتعا للبعوض الذي وفرت له المستنقعات ملاذات آمنة وحاضنات للتكاثر.


التقرير الذي نشرته جريدة المدينة يوم أمس كشف عن معاناة سكان حي «الهدى» جنوب جدة من المستنقعات التي يعانون منها، وهي معاناة يشاركهم فيها سكان أكثر أحياء جدة التي باتت المستنقعات قاسما مشتركا بينها، لكل حي نصيبه منها من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال ومن بطون الأودية شرقا حتى حافة البحر غربا.

جدة من الجو غير، فهل يرى المسؤولون عنها صورتها من الجو حين يغادرون وحين يعودون، أم أنهم يكتفون بإغلاق نافذة الطائرة كي لا يروا ما لو رأوه لعرفوا أنهم يأثمون في حق جدة وسكانها.