-A +A
سعيد اليزيدي الحارثي
قبل ما يقارب الستين عاما وبالتحديد في عام 1959م، كانت أول مشاريع المملكة في التخلص من الأمراض الوبائية التي تنتقل بين شخص وآخر عن طريق نواقل الأمراض كالبعوض والذباب والقواقع المائية وغيرها من الكائنات الطائرة أو الزاحفة. المشروع الأول كان عن مكافحة البعوض الناقل لداء الملاريا في المنطقة الشرقية وفي محافظة الأحساء على وجه الخصوص بعد تفشي المرض في المحافظة، وبعد 15 عاماً من العمل المستمر في مكافحة البعوض الناقل للمرض المتضمن منظومة متكاملة في عمليات الاستكشاف الحشري والمكافحة، أعلنت المملكة ممثلة في شركة أرامكو أن المحافظة خالية من البعوض الناقل لمرض الملاريا ولم تسجل أي حالة ملاريا محلية في المحافظة إلى هذا الوقت ما عدا الحالات الوافدة من خارج المحافظة وهي حالات تصنف حاملة للمرض ويمكن معالجتها ولا تهدد المجتمع لسبب واحد، عدم وجود الناقل للمرض وهو البعوض، لا يعني هذا أن محافظة الأحساء خالية من البعوض ولكنها خالية من نوع معين من أنواع البعوض الناقل لطفيلي الملاريا والمسبب للمرض.

هذا المشروع العلمي والمنشور في المجلات العلمية هو مجرد مثال للمشاريع الناجحة والمؤرخة باسم أرامكو ولو كان هذا المشروع خارج تخصصها الذي أنشئت من أجله، فهو مشروع خيري وأحد مشاريعها لخدمة المجتمع. هذا المشروع انتقل بعد ذلك إلى الساحل الغربي من المملكة عندما ظهرت حالات كثيرة من داء الملاريا في محافظات مكة المكرمة وجدة والليث والقنفذة. قامت أرامكو بتسليم ملف خبرتها الذي استمر لعقدين من الزمن إلى وزارة الصحة لتستفيد منه في القضاء على البعوض الناقل لطفيلي الملاريا في المنطقة، وذلك لبعدها الإداري والإشرافي عن وبائية المرض، وكذلك تغير التركيبة الإدارية في الدولة، حيث أصبحت المملكة في ذلك الوقت دولة عصرية لها وزارتها المستقلة في خدمة الوطن والمواطن. بعد هذا السرد التاريخي، أترك الإجابة لأصحاب القرار في وزارة الصحة ماذا تم حيال استئصال البعوض الناقل لداء الملاريا في الساحل الغربي من أطراف شماله إلى آخر جنوبه الغربي خلال الأربعين عاماً الماضية؟.


ما يؤرق الوطن والمواطن اليوم هو انتشار ناقل جديد ومرض جديد وخطير يختلف تماما عن الناقل والمسبب لمرض الملاريا، نوع آخر من جنس وفصيلة بعوض مختلف تماماً عن سلوكيات الناقل لمرض طفيلي الملاريا يقوم بنقل فيروس خطير ومتحور ويختلف عن طفيلي الملاريا غير المتحور. هذا الناقل يسمى بعوض الزاعجة المصرية والفيروس الذي ينقله هو الفيروس المسبب لحمى الضنك. سجلت أول حالة في المملكة لهذا المرض قبل 22 عاماً في مدينة جدة، وبعد عشر سنوات من ظهور المرض، صنفت جدة بالمدينة الموبوءة بالمرض ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة مكة المكرمة حتى وصل إلى جازان والغريب وصوله إلى مدينة الطائف المرتفعة عن سطح البحر وهذا تغير خطير في سلوكيات هذا النوع من البعوض إن كانت هناك دراسات واستكشاف حشري أثبت وجوده وليس حالات مرضية وافدة من المدن القريبة من الطائف التي يتواجد فيها الناقل. رغم إنفاق المليارات في العشر السنوات الماضية من قبل الدولة، حيث تولت وزارة الشؤون البلدية والقروية مهام القضاء على هذا النوع من أنواع البعوض (بحجة) أن سلوك الناقل ومعيشته داخل المدن من اختصاصها.

انتهت المشاريع وظهرت إحصائيات جيدة حتى نهاية 2014م وبعدها لم نجد نحن كمختصين في هذا المجال أثراً ملموس لتلك الجهود وما زال المواطن يعاني من البعوض المزعج وكذلك الناقل للأمراض في كل موسم وخصوصاً مدينة جدة. هذه المدينة التي يعيش قاطنوها بين سندان الحر والرطوبة في الصيف ومطرقة البعوض في الشتاء والربيع.

فأين نحن من هذا المطاف؟

* أكاديمي سعودي