-A +A
سعيد السريحي
تذكرت قول أبي العلاء المعري:

لا تظلموا الموتى وإن طال المدى


إني أخاف عليكم أن تلتقوا

وأنا أتابع ما طال ضحايانا الذين سقطوا قتلى وجرحى جراء الحادث الإرهابي في إسطنبول من تشويه لصورتهم وإساءة لسيرتهم ولا ذنب لهم إلا أن قدرهم أن يكونوا موجودين في ذلك المطعم الذي استهدفه العمل الإرهابي، ولو امتلك أولئك الناعقون بالإساءة لعرفوا أن من كتب عليهم الموت قتلا سيتعرضون له حتى ولو كانوا ركعا وسجدا في بيوت الله. ولعل بعض تلك الشماتة بالضحايا لا تخلو من رضى عما فعله الإرهابي ما دام المستهدف ملهى، كما وصفه الإعلام، أو مطعما سياحيا كما هو في حقيقته، وكان الأولى بأولئك الذين يبطنون الرضا عن ذلك الفعل الإرهابي أن يتذكر أن تلك العصابة المجرمة التي استهدفت ذلك المطعم، أو حتى الملهى، هي نفس العصابة التي استهدفت بيوت الله من قبل، وإذا كان قتل من خرجوا للسياحة قد طاب لهم فهل طاب لهم من قبل من خرجوا للصلاة.

ولعل اللبس الذي وقع في اسم المطعم حين ذكرت وسائل الإعلام أنه ملهى هو المحرض على الإساءة لأولئك الضحايا، غير أنه ليس هو وحده المسؤول عن تلك الإساءة، ذلك أن ثمة من يرى أن في السفر إلى الخارج إثما كبيرا فلا يبيحه إلا للعلاج أو طلب علم لا يمكن طلبه في الداخل، ولذلك فهو يرى في قرارة نفسه أن أولئك الضحايا لقوا ما لقوه جزاء لإقدامهم على السفر إلى الخارج، ولعل ما يزيد من النقمة على أولئك الضحايا أن الحادثة وقعت ليلة رأس السنة فهم يتوهمون أن الضحايا كانوا يحتفلون برأس السنة حتى وإن كانوا في ذلك المطعم لتناول العشاء الذي يتناولونه كل ليلة.

لو تأملنا في عقلية أولئك الذين أساءوا للضحايا من أبنائنا وبناتنا في حادث إسطنبول ودققنا في الخطاب الذي يرتكزون عليه لأدركنا أنهم يمتلكون نفس العقلية التي كانت تهيمن على ذلك المجرم حين أطلق رصاصاته الغادرة، وإذا كانت تلك العقلية قد أباحت للقاتل القتل، فقد أباحت للشامتين بالضحايا التصفيق لفعله والإحساس الخفي أنه قام عنهم بالواجب.