الراصدون لتأثير الإعلام ومواقع التواصل رصدوا ظاهرة وحالة أسموها «متلازمة العالم السيئ - Mean world syndrome» وتقول إن الأخبار والبرامج لكونها تركز على الجانب السيئ فهي تخلق انطباعا خاصا وعاما بأن العالم مكان سيئ وشرير وهو انطباع غير موضوعي وقد يكون معاكسا للواقع حيث على سبيل المثال رصدت دراسات أن الناس اعتقدوا أن الجريمة زادت بشكل كبير رغم أن الإحصائيات أثبتت أن العكس هو الصحيح وأن الجريمة انخفضت بشكل كبير لكن الذي كان قد ارتفع هو كمية البرامج والتغطية الإخبارية عن الجرائم مما خلق انطباعا خاطئا بتزايد الجريمة، وهذه قاعدة هامة يجب دائما إبقاؤها في الاعتبار عند إرادة رصد الأحوال العامة، لكن حاليا وبالنسبة للعرب والمسلمين الواقع بالفعل زاد سوءا بشكل كبير ليس فقط بسبب الحروب الأهلية والإرهاب وتخلف مؤشرات التنمية وارتفاع معدلات الفساد المالي والإداري إنما أكثر من كل هذا بسبب نوعية الثقافة السائدة التي هي الرحم الذي أنتج كل هذه الظواهر العامة السلبية، والأحوال العامة ناتجة عن سلوك الأفراد، وسلوك الأفراد ناتج عن نوعية الثقافة التي نشأوا ضمنها، والذي يتصرف بأنماط سلبية داخل بيته لن تكون له أنماط إيجابية خارج بيته، ولو تفحصنا دلالات الثقافة السائدة سنجدها ثقافة «من لم يكن ذئبا أكلته الذئاب» فهي ثقافة داروينية البقاء فيها هو للأشد أنانية وسيكوباتية وشراسة ومادية، وهي تصور العالم على أنه ينقسم إلى فئتين؛ مفترسون وفرائس، والمفترسون يفتخرون بافتراس شهواتهم وأطماعهم وأهواء نرجسية غرور الأنا بكل الوسائل ومهما كانت تبعات ذلك المدمرة على الآخرين حتى على من يفترض أنهم أقرب المقربين، والثقافة السلبية هي كالظلام لا يتبدد بمعاداته، فما يبدده هو إضاءة شمعة، أي نشر ثقافة قيمية إيجابية، ولهذا مهما تم التنديد بالثقافة السلبية والظواهر المتولدة عنها ومهما تم وعظ الناس ضدها فهذا لن يزيلها، فما يزيلها هو النشر المنهجي لمنظومة البديل الجذري الإيجابي، وفي هذا المجال أول وأهم أساس من أسس الثقافة الإيجابية البديلة التي يمكن بها إصلاح الأحوال بالغة السوء في العالم العربي والإسلامي هو؛ نشر المنظور الواعي الحساس بالآخرين، فكل من أنعم الله عليه بنعمة سجية اللطف والحساسية المرهفة يعلم أنها أكبر ما يمنعه عن أدنى أذية مادية ومعنوية للآخرين حتى لدرجة التضحية لأجلهم، وتنميتها تكون؛ بالقوانين والتربية والمواد الأدبية والفنية التي تجسد مشاعر الناس عند تأثرهم بالتصرفات السلبية للآخرين والبرامج التي تستضيف الضحايا ليشرحوا معاناتهم وتبعاتها.