-A +A
صدقة يحيى فاضل
كان العرب قبل عقود يتأففون من وضعهم السياسي العربي العام، ويتضجرون من تدهوره وسوئه، ويحذرون من تداعياته ونتائجه المستقبلية. ولكن أكثر المراقبين المشفقين تشاؤما لم يتوقع أن يصل حال الأمة العربية – بصفة عامة – إلى حالها وما وصلت إليه اليوم... الحال الذى يسير، في واقع الأمر، من سيئ لأسوأ. انتشر الاضطراب، وسادت القلاقل، وعم عدم الأمن والاستقرار في كثير من الربوع العربية. وأخذت هذه الأرجاء تشهد سفك بعض العرب دماء بعضهم، وانتشار القتل والتدمير، والتشرد والمجاعات وهتك الأعراض. وبدل أن تهيأ الإمكانات العربية لرعاية الإنسان العربي وحماية حقوقه المشروعة، أصبحت تسخر لقتله، وتدمير بلاده، أو تشريده منها على الأقل. لقد فتحت أبواب الفتنة والجحيم على مصراعيها، ودخل كثير من العرب – عنوة – في نفق مظلم ودام، لا يرى له نهاية.

وبالطبع، فإن إسرائيل، عدو الأمة الأول، ترقص فرحا وطربا مما يجري على الساحة العربية الآن. وقد لخص أحد المسؤولين الإسرائيليين موقف الصهاينة تجاه ما يجري بقوله: «على إسرائيل أن تنتشي، لأن العرب اليوم يقتلون بعضهم بعضا، ودون أن نقوم نحن بذلك»...؟! ولقد كان لإسرائيل - وما زال - نصيب كبير في تفجير أغلب الأحداث المأساوية العربية، وفي هز الكيان العربي، وإشعال الاضطراب والفوضى في كثير من ديار العرب. صحيح، أن هناك «أسبابا» أخرى لما المنطقة العربية فيه من فوضى واضطراب وعدم استقرار، وغياب للأمن الحقيقي. إذ اقتربت الأمة من حافة الانهيار نتيجة أسباب، يأتي في مقدمتها: ما يسود في أكثر بلادها من: استبداد، وطائفية مقيتة، ومذهبية مدمرة، وسوء فهم لدينهم الإسلامي، وتفسير لأحكامه على نحو غير صحيح (الإسلاموية). إضافة إلى دور إيران والقوى الدولية المتنفذة، وأطماعها بالمنطقة.


وتظل إسرائيل، بما توفر لها من إمكانات استخباراتية وسياسية وعسكرية هائلة، ودعم دولي مطلق، هي الطرف الرئيس المتربص، الذي يعمل ليل نهار للإضرار بهذه الأمة، واستغلال ما في المنطقة من تناقضات لضرب أمن واستقرار البلاد العربية. أضحت إسرائيل تعمل لتفاقم من علل الأمة، وتصب الزيت على نيرانها. ثم تقف فرحة شامتة في ما يجري، ورادة سببه إلى «همجية ووحشية العرب» – كما يقول إعلام الصهاينة.

****

ومما يسهل من مهمة إسرائيل التخريبية أن «الاهتمام» العربي بالعدوان الصهيوني على الأمة العربية أمسى أقل كثيراً من السابق، ومما يجب. وتكاد الأنظار والبصائر تصرف عنه. إذ بلغ الآن (2017م) أدنى درجاته منذ قيام دولة إسرائيل عام 1948م، على حساب شعب بأكمله، وضد أمة ممتدة. لقد تقلص هذا الاهتمام على كل المستويات العربية، الرسمية وغير الرسمية. وكما يبدو للمراقبين، فإن الإعلام العربي، هو الآن أقل اهتماماً وانشغالا بــ«الصراع العربي - الإسرائيلي»، وبما تفعله إسرائيل من محاولات تهويد كل فلسطين. ووصل عدم الاهتمام، وقلة الاكتراث، إلى أكثر المعنيين بالأمر، وهم الفلسطينيون، ضحايا هذا العدوان المباشرون. إنه اليأس، والإحباط. إضافة لانشغال معظم العرب الآن بأنفسهم، وبما يجري في ديارهم، ومن حولهم من أحداث جلل، وتطورات تدفع للتشاؤم، وليس الأمل. فهذه الأحداث المتلاحقة والمتسارعة تمس حياتهم مباشرة، وتهدد أمنهم، بل وبقاءهم.

****

وفى ظل هذا الارتياح والحبور الصهيوني المسعور، صعقت إسرائيل، في العام الماضي، وخاصة في نهايته، بصفعات كبيرة ثلاث... آلمت الكيان الغاصب، وسرت ضحاياه وأعداءه، وأفرحتهم قليلا. ولضيق الحيز المتاح للمقال، سوف نخصص مقال هذا الأسبوع لذكر ما نعتبره «الصفعة الأولى» لإسرائيل في العام 2016م. وفى المقال القادم نتطرق - باختصار – للصفعتين الأخريين. فبتاريخ 18 /‏ 10 /‏ 2016م، تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو) قرارا ينفي وجود ارتباط ديني لليهود بالمسجد الأقصى وحائط البراق وتلة باب المغاربة، واعتبارها حقا للمسلمين، وتراثا إسلاميا خالصا، ومكانا مخصصا لعبادتهم. وطالب القرار إسرائيل بالعودة إلى الوضع التاريخي الذى كان قائما حتى سبتمبر 2000م، عندما كانت دائرة الأوقاف الإسلامية الأردنية هي السلطة المشرفة على المسجد الأقصى وتلة المغاربة. وتشير إسرائيل لكل هذه المنطقة بـ «جبل الهيكل». وبالطبع، غضبت إسرائيل من هذا القرار، وسخرت – كالعادة – من مضمونه، وتعهدت بتجاهله.

ويعتبر اليهود حائط البراق (المبكى عندهم) الواقع أسفل باحة الأقصى آخر بقايا المعبد اليهودي (الهيكل) الذى دمره الرومان. وأكد القرار، في أحد بنوده، على الوضع القانوني للقدس الشرقية، معتبرا إياها مدينة محتلة، بموجب قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بفلسطين.

وتكاد هذه الصفعة، وغيرها، تذهب هدرا... في الهواء. وتمضي إسرائيل في غيها... غير مكترثة باستياء العالم من عدوانها واحتلالها، طالما لا تستخدم الآلية الدولية الحاسمة والحازمة لتنفيذ القرارات الدولية الصادرة بحق إسرائيل، وطالما أن العرب هم الآن أضعف من أن يضغطوا على المعنيين، لنيل حقوقهم المشروعة.