يوم الجمعة الماضي عاشت الولايات المتحدة وشاهد العالم مراسيم تسليم وتسلم السلطة من رئيس انتهت ولاية حكمه، باراك حسين أوباما.. ورئيس قادم (دونالد ترمب)، ظل الأخير لما يقرب من 50 يوماً يُسمى الرئيس المنتخب، ولم يصبح رئيساً، إلا بعد أن أقسم اليمين، بعد
انتهاء فترة ولاية سلفه بلحظات! انتقال سلس وحضاري للسلطة، في أقوى وأغنى دولة في العالم، تستمد عظمتها الحقيقية من تقاليدها الديموقراطية، الحديثة نسبياً، وقيم مجتمعها المتعدد، المتجسدة في دستورها «الليبرالي»، الذي لا يخرج عن كونه عقداً اجتماعياً، وافق الشعب الأمريكي بموجبه عن قناعة على إنشاء الدولة.. وإرساء دعائم أكثر الأنظمة السياسية استقراراً، تعبيراً عن إرادتهم الحرة، وتوكيداً لسيادتهم وسيطرتهم على مؤسسات السلطة ورموزها في مجتمعهم.
مهما لوحظ من مظاهر الترف في فعاليات الاحتفالية، إلا أنها في واقع الأمر، تظل تجسيداً لواقع الولايات المتحدة ومكانتها الأممية، وليست مجرد بهرجة جوفاء.. وكذا تعبيراً عن نفوذ وقوة مؤسسة الرئاسة في الولايات المتحدة، ومدى ما يتبع به رمزها (الرئيس الأمريكي) من سلطات تنفيذية حقيقية، إلا أنها أبعد ما تكون عن كونها سلطات مطلقة. لهذا طغى الجانب الشعبي، على فعاليات الاحتفالية، على أي شبهة لسطوة الحكم ونفوذه، بإظهار إمكانات وقدرات سلطة رئيس الدولة. يكفي، في هذا الموضع ذكر: أنه لم تتضمن فعاليات التنصيب، استعراضاً عسكرياً، كما هو الأمر في دول أخرى، يُفْصِحُ عن قوة الردع الاستراتيجي الجبارة للولايات المتحدة، حتى لا يظهر الأمر وكأنه استعراض لسطوة الحكم، على إرادة الناس.. وحتى يظل دوماً رموز السلطة ومؤسساتها تحت رقابة الناخبين، ومصير بقائهم فيها معلق باستمرار تمتعهم بثقة الشعب.
ليس غريباً في فعاليات هذه الاحتفالية، أن تبدأ بمراسم وداع رئيس انتهت ولايته، قبل الترحيب برئيس جديد قادم إلى البيت الأبيض. رغم قصر مراسيم توديع الرئيس باراك أوباما في بداية الاحتفالية، إلا أن البدء بها يرمز إلى نهاية سلمية لعهد، وبداية متفائلة بعهد جديد.
هذ الوداع الجليل للرئيس أوباما، فيه بطريقة غير مباشرة، ما يرمز إلى براءة ذمة سياسية لشخصه وعهده.. وإقرار بإنجاز إدارته وإسهامها في التراكم الحضاري للتجربة الديموقراطية الأمريكية.. وكذا تأكيد مكانة الهيمنة الكونية، التي تتمتع بها في النظام الدولي. يحدث كل ذلك،
رغم الخلافات الأيدلوجية والمنهجية والحزبية، بين رئيس سابق وآخر قادم، فكلاهما جاء بإرادة الشعب الأمريكي الحرة، نهاية الأمر.
لقطة ملفتة ومعبرة من الاحتفالية، تمثلت في ذلك الحديث الودي الذي دار بين الرئيسين بعد مراسم القسم، وحتى توديع الرئيس الجديد وزوجته ونائبه وزوجته، الرئيس أوباما ونائبه وزوجتيهما، حتى السيارة الرئاسية التي أقلتهما حتى الطوافة الرئاسية التي بدورها طارت بهما
خارج نطاق حدود العاصمة، كفصل أخير من مشهد لا تخفى دلالته الرمزية من خروج إدارة سابقة من منطقة مؤسسات الحكم في العاصمة، ودخول رموز جديدة لتبدأ حكمها داخل مؤسسات الحكم في العاصمة الأمريكية. لقد خرج الرئيس أوباما من الحكم، إلا أنه يظل يستمتع بامتيازات المنصب وحصانته، طوال حياته.. ويظل اسمه يُسبق بلقب وهيبة رئيس الولايات المتحدة.. ويبقى ما أسهمت به إدارته من إنجازات.. وما تعرضت له من قصور وسلبيات، عرضة للتقييم والنقد وحكم التاريخ.
التاريخ سيسجل أن الرئيس أوباما خرج من الحكم وهو في أوج شعبيته.. وأمريكا أغنى وأكثر مناعة وقوة وتقدما، من ثماني سنوات مضت، بل وفي تاريخها. في المقابل: يبدأ الرئيس الجديد حكمه، وهو في أدنى درجات شعبيته، بما قد لم يسبقه به أي رئيس أمريكي سابق. هذا انعكس على مستوى وكثافة وحضور الاحتفالية. نظرة للمشهد العام ٢٠٠٩ عند تنصيب الرئيس أوباما مقارنة باحتفالية تنصيب الرئيس ترمب يوم الجمعة الماضي، تظهر الفرق الكبير والملفت في أعداد الحضور من الجماهير، أخذاً في عين الاعتبار تقارب حالات الطقس في الاحتفاليتين، نظراً لتطابق التوقيت الزمني للحدثين.
انخفاض كثافة حضور الاحتفالية لم تقتصر على الجماهير، بل إنها طالت العديد من رموز مؤسسات الحكم في واشنطن من الحزبين، وكذا العديد من رموز النخبة في المجتمع الأمريكي، مقارنة باحتفالية تنصيب الرئيس أوباما من ثماني سنوات. ليس هذا، فحسب... بل قد يكون لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة تحدث مظاهر لامتعاض جماهيري من قدوم رئيس جديد ظهر في الاحتجاجات المناوئة، في واشنطن وكثير من المدن الأمريكية. كل تلك المظاهر غير المرحبة في الاحتفالية دفعت الرئيس دونالد ترامب ليبدو تصالحياً في خطاب تنصيبه، في ما يمكن تفسيره على أنه استعداد لمراجعة خطابه الشعبوي الحاد أثناء الحملة الانتخابية، الذي أوجس خيفة الكثيرين في الولايات المتحدة، والعالم.
تُرى هل هي مصادفة تاريخية بحتة أن تحدث فعاليات هذا التداول السلمي للسلطة في الولايات المتحدة، بكل ما تعنيه من ممارسة ديموقراطية حضارية ومستقرة، في الوقت الذي تتفاعل فيه على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي محاولات يرفض فيها رئيس منتهية ولايته ترك السلطة، في جامبيا، لصالح رئيس آخر جرى انتخابه من قبل الشعب، معرضاً البلاد لاحتمالات الحرب الأهلية.. والغزو من الخارج، وكأنه لا يكفيه حكم البلاد لمدة ٢٢ سنة!
إن عظمة وقوة وغنى وتقدم الولايات المتحدة، تُعزى في معظمها لقيم وحركة نظامها السياسي، التي تجلت بصورة حية في مراسم تنصيب رئيسها الجديد. إنجاز الشعب الأمريكي الحقيقي، منذ الاستقلال، تمثل في ترويضه لحركة الصراع السياسي داخل مجتمعه، بالتوصل لصيغة حضارية للتداول السلمي للسلطة.. تبعها بالتخلص من عوامل عدم الاستقرار الكامنة في صيغة الاتحاد الكونفيدرالي الهش، بتحويلها إلى اتحاد فيدرالي أكثر متانة ومنعة يتكون اليوم من 50 ولاية، تمتد في قلب قارة أمريكا الشمالية المعتدل والغني بموارده آلاف الأميال على جانبي المحيطين الهادي والأطلسي، بل تمتد إلى عمق المحيط الهادي (ولاية هاواي)، وإلى ما وراء شمال غرب العالم الجديد على حدوده مع العالم القديم، في آسيا وتخوم القارة المتجمدة الشمالية (ولاية ألاسكا).
الاستقرار السياسي أساس تقدم الدول ومنعتها.
انتهاء فترة ولاية سلفه بلحظات! انتقال سلس وحضاري للسلطة، في أقوى وأغنى دولة في العالم، تستمد عظمتها الحقيقية من تقاليدها الديموقراطية، الحديثة نسبياً، وقيم مجتمعها المتعدد، المتجسدة في دستورها «الليبرالي»، الذي لا يخرج عن كونه عقداً اجتماعياً، وافق الشعب الأمريكي بموجبه عن قناعة على إنشاء الدولة.. وإرساء دعائم أكثر الأنظمة السياسية استقراراً، تعبيراً عن إرادتهم الحرة، وتوكيداً لسيادتهم وسيطرتهم على مؤسسات السلطة ورموزها في مجتمعهم.
مهما لوحظ من مظاهر الترف في فعاليات الاحتفالية، إلا أنها في واقع الأمر، تظل تجسيداً لواقع الولايات المتحدة ومكانتها الأممية، وليست مجرد بهرجة جوفاء.. وكذا تعبيراً عن نفوذ وقوة مؤسسة الرئاسة في الولايات المتحدة، ومدى ما يتبع به رمزها (الرئيس الأمريكي) من سلطات تنفيذية حقيقية، إلا أنها أبعد ما تكون عن كونها سلطات مطلقة. لهذا طغى الجانب الشعبي، على فعاليات الاحتفالية، على أي شبهة لسطوة الحكم ونفوذه، بإظهار إمكانات وقدرات سلطة رئيس الدولة. يكفي، في هذا الموضع ذكر: أنه لم تتضمن فعاليات التنصيب، استعراضاً عسكرياً، كما هو الأمر في دول أخرى، يُفْصِحُ عن قوة الردع الاستراتيجي الجبارة للولايات المتحدة، حتى لا يظهر الأمر وكأنه استعراض لسطوة الحكم، على إرادة الناس.. وحتى يظل دوماً رموز السلطة ومؤسساتها تحت رقابة الناخبين، ومصير بقائهم فيها معلق باستمرار تمتعهم بثقة الشعب.
ليس غريباً في فعاليات هذه الاحتفالية، أن تبدأ بمراسم وداع رئيس انتهت ولايته، قبل الترحيب برئيس جديد قادم إلى البيت الأبيض. رغم قصر مراسيم توديع الرئيس باراك أوباما في بداية الاحتفالية، إلا أن البدء بها يرمز إلى نهاية سلمية لعهد، وبداية متفائلة بعهد جديد.
هذ الوداع الجليل للرئيس أوباما، فيه بطريقة غير مباشرة، ما يرمز إلى براءة ذمة سياسية لشخصه وعهده.. وإقرار بإنجاز إدارته وإسهامها في التراكم الحضاري للتجربة الديموقراطية الأمريكية.. وكذا تأكيد مكانة الهيمنة الكونية، التي تتمتع بها في النظام الدولي. يحدث كل ذلك،
رغم الخلافات الأيدلوجية والمنهجية والحزبية، بين رئيس سابق وآخر قادم، فكلاهما جاء بإرادة الشعب الأمريكي الحرة، نهاية الأمر.
لقطة ملفتة ومعبرة من الاحتفالية، تمثلت في ذلك الحديث الودي الذي دار بين الرئيسين بعد مراسم القسم، وحتى توديع الرئيس الجديد وزوجته ونائبه وزوجته، الرئيس أوباما ونائبه وزوجتيهما، حتى السيارة الرئاسية التي أقلتهما حتى الطوافة الرئاسية التي بدورها طارت بهما
خارج نطاق حدود العاصمة، كفصل أخير من مشهد لا تخفى دلالته الرمزية من خروج إدارة سابقة من منطقة مؤسسات الحكم في العاصمة، ودخول رموز جديدة لتبدأ حكمها داخل مؤسسات الحكم في العاصمة الأمريكية. لقد خرج الرئيس أوباما من الحكم، إلا أنه يظل يستمتع بامتيازات المنصب وحصانته، طوال حياته.. ويظل اسمه يُسبق بلقب وهيبة رئيس الولايات المتحدة.. ويبقى ما أسهمت به إدارته من إنجازات.. وما تعرضت له من قصور وسلبيات، عرضة للتقييم والنقد وحكم التاريخ.
التاريخ سيسجل أن الرئيس أوباما خرج من الحكم وهو في أوج شعبيته.. وأمريكا أغنى وأكثر مناعة وقوة وتقدما، من ثماني سنوات مضت، بل وفي تاريخها. في المقابل: يبدأ الرئيس الجديد حكمه، وهو في أدنى درجات شعبيته، بما قد لم يسبقه به أي رئيس أمريكي سابق. هذا انعكس على مستوى وكثافة وحضور الاحتفالية. نظرة للمشهد العام ٢٠٠٩ عند تنصيب الرئيس أوباما مقارنة باحتفالية تنصيب الرئيس ترمب يوم الجمعة الماضي، تظهر الفرق الكبير والملفت في أعداد الحضور من الجماهير، أخذاً في عين الاعتبار تقارب حالات الطقس في الاحتفاليتين، نظراً لتطابق التوقيت الزمني للحدثين.
انخفاض كثافة حضور الاحتفالية لم تقتصر على الجماهير، بل إنها طالت العديد من رموز مؤسسات الحكم في واشنطن من الحزبين، وكذا العديد من رموز النخبة في المجتمع الأمريكي، مقارنة باحتفالية تنصيب الرئيس أوباما من ثماني سنوات. ليس هذا، فحسب... بل قد يكون لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة تحدث مظاهر لامتعاض جماهيري من قدوم رئيس جديد ظهر في الاحتجاجات المناوئة، في واشنطن وكثير من المدن الأمريكية. كل تلك المظاهر غير المرحبة في الاحتفالية دفعت الرئيس دونالد ترامب ليبدو تصالحياً في خطاب تنصيبه، في ما يمكن تفسيره على أنه استعداد لمراجعة خطابه الشعبوي الحاد أثناء الحملة الانتخابية، الذي أوجس خيفة الكثيرين في الولايات المتحدة، والعالم.
تُرى هل هي مصادفة تاريخية بحتة أن تحدث فعاليات هذا التداول السلمي للسلطة في الولايات المتحدة، بكل ما تعنيه من ممارسة ديموقراطية حضارية ومستقرة، في الوقت الذي تتفاعل فيه على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي محاولات يرفض فيها رئيس منتهية ولايته ترك السلطة، في جامبيا، لصالح رئيس آخر جرى انتخابه من قبل الشعب، معرضاً البلاد لاحتمالات الحرب الأهلية.. والغزو من الخارج، وكأنه لا يكفيه حكم البلاد لمدة ٢٢ سنة!
إن عظمة وقوة وغنى وتقدم الولايات المتحدة، تُعزى في معظمها لقيم وحركة نظامها السياسي، التي تجلت بصورة حية في مراسم تنصيب رئيسها الجديد. إنجاز الشعب الأمريكي الحقيقي، منذ الاستقلال، تمثل في ترويضه لحركة الصراع السياسي داخل مجتمعه، بالتوصل لصيغة حضارية للتداول السلمي للسلطة.. تبعها بالتخلص من عوامل عدم الاستقرار الكامنة في صيغة الاتحاد الكونفيدرالي الهش، بتحويلها إلى اتحاد فيدرالي أكثر متانة ومنعة يتكون اليوم من 50 ولاية، تمتد في قلب قارة أمريكا الشمالية المعتدل والغني بموارده آلاف الأميال على جانبي المحيطين الهادي والأطلسي، بل تمتد إلى عمق المحيط الهادي (ولاية هاواي)، وإلى ما وراء شمال غرب العالم الجديد على حدوده مع العالم القديم، في آسيا وتخوم القارة المتجمدة الشمالية (ولاية ألاسكا).
الاستقرار السياسي أساس تقدم الدول ومنعتها.