فُوضت دولة الكويت في (قمة المنامة) بتسليم رسالة إلى القيادة الإيرانية تتضمَّن الرغبة الخليجية لإقامة علاقات حُسن جوار مبنية على أسس وثوابت ميثاق الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومبادئ القانون الدولي الخاص في العلاقات بين الدول، وقد حمل الرسالة الخليجية إلى طهران يوم الأربعاء الماضي وزير خارجية دولة الكويت الشيخ صباح الخالد، إلا أنه يغلب على مثل هذه الزيارات الرسمية الطابع البروتوكولي وتنتهي عادةً دون نتيجة عملية واضحة، خاصة بعد الانتصار الذي حققته إيران وحلفاؤها في سورية.
وكثيراً ما تتناقل وكالات الأنباء أخبار استدعاء وزارات الخارجية الخليجية للسفراء الإيرانيين، وتسليمهم مذكرات احتجاج رسمية على خلفية تصريحات مستفزة معلومة المضامين والأهداف صادرة عن كبار القيادات الإيرانية، وتتضمَّن المذكرات عبارات دبلوماسية تُنتقى بحذر شديد تؤكد أن تلك التصريحات تعدّ تدخلاً سافراً في الشأن الخليجي الداخلي، وتعدياً مرفوضاً على سيادة واستقلال دول مجلس التعاون.
ويعيدني هذا الأمر، إلى الفترة التي كنتُ فيها مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن هذا الملف الحسَّاس جداً في فترات حساسة من تاريخ مملكة البحرين وتاريخ الخليج عموماً، حيث قمتُ مراراً باستدعاء القائمين بأعمال السفارة الإيرانية؛ لطلب تفسيرات حول التصرفات العدائية المستمرة ضد البحرين والتصريحات المستفزة والمعادية التي يدلي بها قادة النظام الإيراني، إلا أنهم كانوا غير مكترثين بموضوع الاستدعاء بقدر اهتمامهم بطلب تسهيلات لمصالحهم الشخصية، ولا تتعدّى كلماتهم تقديم المبررات الواهية دون الوعود الواضحة والصريحة لاحترام مبادئ حُسن الجوار والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ويثير ذلك الأمر التساؤل حول جدوى تلك الاستدعاءات ومدى إمكانية الثقة بالنظام الإيراني لإقامة علاقات صداقة أساسها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل؟
للأسف لا يبدو بالأفق المنظور شيء من ذلك؛ فالأمل بتغيير إيران لسياستها مع دول الخليج يتلاشى، لإصرارها على تنفيذ بنود دستورها بتصدير مبادئ ثورة الخميني.
ويمكن قراءة الإستراتيجية الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون خاصة والمنطقة العربية عموماً من خلال متابعة سياساتها الآتية:
أولاً: استخدام سياسية تعليق الملفات الخلافية مع دول مجلس التعاون:
إن احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وعدم موافقة إيران على إحالة الموضوع إلى محكمة العدل الدولية، وعدم تجاوبها مع الدعوات الإماراتية لإيجاد حل بالمفاوضات الثنائية، إلى جانب تريثها في حل مشكلات الحدود البحرية بينها وبين عدد من دول مجلس التعاون، يثبت حقيقة أطماعها وسعيها نحو بَسط نفوذها باستخدام القوة.
ثانياً: استغلال غياب الأمن القومي العربي:
إن الخلافات (العربية ـ العربية)، وغياب القوة العسكرية العربية والنفوذ السياسي، شجَّع إيران على استغلال ذلك الضعف لمَد نفوذها في المنطقة، ليُواجه هذا الاستغلال بصحوة عربية متأخرة تقودها السعودية لحماية الأمن القومي العربي.
ثالثاً: استغلال تخبط السياسة الأمريكية في المنطقة:
إن السياسة الفاشلة التي انتهجتها الإدارة الأمريكية السابقة، وما سبّبته من عدم ثقة الدول العربية والخليجية بها، وتحديدها لمسار علاقاتها السياسية والعسكرية معها وفق احترامها لمبادئ حقوق الإنسان، خصوصاً بعد التوقيع على الاتفاق النووي وإقرار قانون جاستا، كل ذلك كان مدعاة لارتياح إيران وثقتها بتحقيقها النصر وقيادتها للإقليم بدعم أمريكي صريح.
رابعاً: الالتزام بتصدير مبادئ الثورة الخمينية:
تؤكد مبادئ الثورة الخمينية ونصوص الدستور الإيراني على التمدّد الشيعي الذي ليس له حدود، من أجل تثبيت نظام (ولاية الفقيه) كنظام إقليمي مُعترف به دولياً، وهو ما يفسّر الموقف الإيراني تجاه الأوضاع في السعودية والبحرين والكويت واليمن والمعتمد على السياسة الاستعمارية القديمة (فرق تسد).
لذلك فإنه وأمام تلك السياسات الإيرانية، والتفاوت الملحوظ في تعاملها السياسي بين دولة خليجية وأخرى، وإصرارها على استغلال الطائفية وادّعاء المظلومية كوسيلة إستراتيجية لتحقيق أهدافها وأطماعها، إلى جانب المتغيرات الإقليمية والدولية المتوقعة بعد تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فإن إيصال الرسالة الخليجية إلى إيران لن يتحقَّق إلا بوجود أسس تعكس قوة دول مجلس التعاون وسيادتها وموقفها العملي الموحَّد تجاه التصرفات الإيرانية المستفزة.
وبحكم خبرتي الغزيرة والطويلة في تفاصيل هذا الملف، أوجز تلك الأسس في نقطتين أساسيتين هما:
أولاً: وضع إستراتيجية خليجية موحَّدة تتضمَّن الحدود الدنيا للتعامل مع إيران، وتقوم على مبدأ الأمن الجماعي والدفاعي الخليجي استناداً إلى الاتفاقيات الخليجية الأمنية.
ثانياً: توحيد الخطاب السياسي الخليجي تجاه إيران والتصريح بكل وضوح وشفافية عن مواقف (عملية) تجاه التصريحات المستفزة التي تحمل في طياتها تهديدات مستمرة ومباشرة للأمن القومي الخليجي.
*المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون
وكثيراً ما تتناقل وكالات الأنباء أخبار استدعاء وزارات الخارجية الخليجية للسفراء الإيرانيين، وتسليمهم مذكرات احتجاج رسمية على خلفية تصريحات مستفزة معلومة المضامين والأهداف صادرة عن كبار القيادات الإيرانية، وتتضمَّن المذكرات عبارات دبلوماسية تُنتقى بحذر شديد تؤكد أن تلك التصريحات تعدّ تدخلاً سافراً في الشأن الخليجي الداخلي، وتعدياً مرفوضاً على سيادة واستقلال دول مجلس التعاون.
ويعيدني هذا الأمر، إلى الفترة التي كنتُ فيها مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن هذا الملف الحسَّاس جداً في فترات حساسة من تاريخ مملكة البحرين وتاريخ الخليج عموماً، حيث قمتُ مراراً باستدعاء القائمين بأعمال السفارة الإيرانية؛ لطلب تفسيرات حول التصرفات العدائية المستمرة ضد البحرين والتصريحات المستفزة والمعادية التي يدلي بها قادة النظام الإيراني، إلا أنهم كانوا غير مكترثين بموضوع الاستدعاء بقدر اهتمامهم بطلب تسهيلات لمصالحهم الشخصية، ولا تتعدّى كلماتهم تقديم المبررات الواهية دون الوعود الواضحة والصريحة لاحترام مبادئ حُسن الجوار والالتزام بعدم التدخل في الشؤون الداخلية.
ويثير ذلك الأمر التساؤل حول جدوى تلك الاستدعاءات ومدى إمكانية الثقة بالنظام الإيراني لإقامة علاقات صداقة أساسها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل؟
للأسف لا يبدو بالأفق المنظور شيء من ذلك؛ فالأمل بتغيير إيران لسياستها مع دول الخليج يتلاشى، لإصرارها على تنفيذ بنود دستورها بتصدير مبادئ ثورة الخميني.
ويمكن قراءة الإستراتيجية الإيرانية تجاه دول مجلس التعاون خاصة والمنطقة العربية عموماً من خلال متابعة سياساتها الآتية:
أولاً: استخدام سياسية تعليق الملفات الخلافية مع دول مجلس التعاون:
إن احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وعدم موافقة إيران على إحالة الموضوع إلى محكمة العدل الدولية، وعدم تجاوبها مع الدعوات الإماراتية لإيجاد حل بالمفاوضات الثنائية، إلى جانب تريثها في حل مشكلات الحدود البحرية بينها وبين عدد من دول مجلس التعاون، يثبت حقيقة أطماعها وسعيها نحو بَسط نفوذها باستخدام القوة.
ثانياً: استغلال غياب الأمن القومي العربي:
إن الخلافات (العربية ـ العربية)، وغياب القوة العسكرية العربية والنفوذ السياسي، شجَّع إيران على استغلال ذلك الضعف لمَد نفوذها في المنطقة، ليُواجه هذا الاستغلال بصحوة عربية متأخرة تقودها السعودية لحماية الأمن القومي العربي.
ثالثاً: استغلال تخبط السياسة الأمريكية في المنطقة:
إن السياسة الفاشلة التي انتهجتها الإدارة الأمريكية السابقة، وما سبّبته من عدم ثقة الدول العربية والخليجية بها، وتحديدها لمسار علاقاتها السياسية والعسكرية معها وفق احترامها لمبادئ حقوق الإنسان، خصوصاً بعد التوقيع على الاتفاق النووي وإقرار قانون جاستا، كل ذلك كان مدعاة لارتياح إيران وثقتها بتحقيقها النصر وقيادتها للإقليم بدعم أمريكي صريح.
رابعاً: الالتزام بتصدير مبادئ الثورة الخمينية:
تؤكد مبادئ الثورة الخمينية ونصوص الدستور الإيراني على التمدّد الشيعي الذي ليس له حدود، من أجل تثبيت نظام (ولاية الفقيه) كنظام إقليمي مُعترف به دولياً، وهو ما يفسّر الموقف الإيراني تجاه الأوضاع في السعودية والبحرين والكويت واليمن والمعتمد على السياسة الاستعمارية القديمة (فرق تسد).
لذلك فإنه وأمام تلك السياسات الإيرانية، والتفاوت الملحوظ في تعاملها السياسي بين دولة خليجية وأخرى، وإصرارها على استغلال الطائفية وادّعاء المظلومية كوسيلة إستراتيجية لتحقيق أهدافها وأطماعها، إلى جانب المتغيرات الإقليمية والدولية المتوقعة بعد تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، فإن إيصال الرسالة الخليجية إلى إيران لن يتحقَّق إلا بوجود أسس تعكس قوة دول مجلس التعاون وسيادتها وموقفها العملي الموحَّد تجاه التصرفات الإيرانية المستفزة.
وبحكم خبرتي الغزيرة والطويلة في تفاصيل هذا الملف، أوجز تلك الأسس في نقطتين أساسيتين هما:
أولاً: وضع إستراتيجية خليجية موحَّدة تتضمَّن الحدود الدنيا للتعامل مع إيران، وتقوم على مبدأ الأمن الجماعي والدفاعي الخليجي استناداً إلى الاتفاقيات الخليجية الأمنية.
ثانياً: توحيد الخطاب السياسي الخليجي تجاه إيران والتصريح بكل وضوح وشفافية عن مواقف (عملية) تجاه التصريحات المستفزة التي تحمل في طياتها تهديدات مستمرة ومباشرة للأمن القومي الخليجي.
*المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون