مثَّلَ رقم خسائر شركة الكهرباء عن الربع الأخير من العام الماضي (2016)، والذي بلغ (2.3 بليون ريال) صدمة لكثيرٍ منَا؛ إذ إنَّ مسيرتنا الاقتصادية الحالية لا تحتمل سوء الأداء أو الهدر أو الفساد. وما أن أعلنَ عن الرقم الضخم لخسائر الشركة، حتى فوجئنا بحالات فساد تظهر في الشركة واستدعى ذلك تدخل «نزاهة» للتحقيق، بطلب من الشركة نفسها. ومبلغ الفساد وإن لم يتجاوز الـ (80 مليون ريال)، إلَّا أنَّ توالي التحقيقات قد تكشف المزيد ويكون لها تأثير «الدومينو».
وجميعنا يعرف أنَّ تقديم الخدمات الكهربائية قد بدأ بجهد القطاع الخاص، من قِبَلِ بعض رجال الأعمال، ومنهم الأستاذان علي وإبراهيم الجفالي -رحمهما الله - في مكة وشركات أخرى في مختلف المناطق. وأزعم أن أداء هذه الشركات الخاصة كان أفضل من الحالي بكثير بالرغم من محدودية الإمكانيات والتقنيات المستخدمة والكفاءات المتوفرة. وقد بدأ الحال في التغيُّر منذ أن أخذَ تقديم هذه الخدمة يتحوَّل ليكون قطاعًا عامًا فأصابه ما أصاب بعض الأجهزة الحكومية من ضعف المراقبة وانتشار أمراضها من هدر وفساد.
وعلى الرغم من وجود «هيئة تنظيم خدمات الكهرباء» -والمفترض فيها أن تكون الجهة الرقابية على مقدمي الخدمة الكهربائية-، إلا أن سيطرة المسؤولين الحكوميين على مجلس إدارة تلك الهيئة، أدى إلى محدودية فعاليتها، بسبب العدد المحدود لاجتماعات المجلس؛ أخْذًا بمبدأ «مالا يتم إنجازه اليوم يتم غدا». وربما أتحمل شخصيًا جزءًا من هذه المسؤولية؛ فقد كنت عضوًا لفترتين في مجلس إدارة الهيئة، تحت قيادة وزيرين قديرين، هما د. غازي القصيبي –رحمه الله– والمهندس عبدالله الحصين.
ولعلي ألخص ما أراه سببًا في الحجم الكبير من الخسائر الذي نزل بالشركة، وتراكمِ سوءِ الأداء وعدمِ تهيئة الشركة بكافة قطاعاتها للتخصيص، على الرغم من المناداة بذلك منذ فترة طويلة، وذلك من خلال العوامل التالية:
أولا: إهمال تخفيض التكاليف وزيادة الكفاءة الإنتاجية، اعتمادًا على ما تمنحه الحكومة من دعم لا محدود، وتلك سمة الشركات الحكومية عامة وشركة الكهرباء والخطوط السعودية بصورة خاصة.
ثانيا: قيام الدولة باختيار كِبار مسؤولي الشركة وأعضاء مجلس إدارتها؛ لكونها مملوكة للدولة بشكل كبير، كما أنَّها قد تتدخل عن طريق المُعيَّنين للتوسط لتعيين عمالتها الرئيسية. والموظف الحكومي المعين في الشركة أو في مجلس الإدارة قد لا يُلِمُّ بتفاصيل ما قد يحدث من سوء أداء في الشركة ونتائجه الكارثية على المركز المالي لها، بل حتى وإنْ ألمّ بذلك، فقد لا تكون لديه قدرة على التغيير. وقد عرفت من بعض من عمل بالشركة سابقًا ما يوحي بأن «العين كانت بصيرة واليد دائما قصيرة».
ثالثا: تبرير الإدارة العليا لشركة الكهرباء هذه الخسائر الضخمة بارتفاع قيمة الوقود المستخدم؛ نتيجةً للزيادة التي فرضتها الحكومة العام الماضي على جميع القطاعات، وذلك التبرير لا يَجِدُ ما يدعمه؛ لأنَّ تلك الزيادة شملتْ أيضا التعرفة الكهربائية، فعادلت الزيادة في قيمة الوقود المستخدم إنْ لم تَزِدْ عليها. وهل يعني ذلك التبرير والوضع أنَّ خسائر الشركة ستزداد مع زيادة قيمة الوقود المستخدم، وهي الزيادة المتوقعة في يوليو القادم (2017).
إن الوضع الحالي لشركة الكهرباء غير مستدام، ويمثل خسائر مالية كبيرة للاقتصاد السعودي في وقت هو في أمسّ الحاجة الى كلِّ ريال يُهدر.
وإلى أن يتم تخصيص هذه الشركة وغيرها من الشركات الحكومية –وهو أمر قد يستغرق سنوات طويلة- فإن هنالك بعض الخطوات الأساسية التي لابد من اتِّخاذها نحو تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل الهدر والفساد، ومنها:
1- القضاء أولا بأول على كلِّ حالة فساد تظهر في الشركة.
2- تشديد الرقابة على الشركة ومتابعتها خطوة بخطوة.
3- إعادة هيكلة الشركة بما يُهيئها للتخصيص.
4- متابعة تحصيل الشركة لقيم كافة فواتير الخدمة، ومن الجميع، لإلغاء العذر الذي يُستخدم بين الحين والآخر لتبرير الخسائر الضخمة.
5- تعيين أشخاص ذوي خبرة وكفاءة عالية، في مناصب الشركة حتى لو لم يكونوا مسؤولين حكوميين، بل يفترض أن لا يكونوا كذلك.
وختاما، فإنَّنا، وفي ظل مسيرة تحقيق الرؤية (2030)، لا نحتمل -حكومةً ومجتمعًا- استمرار الهدر والفساد بيننا، في الوقت الذي نطالب فيه المجتمع بترشيد استهلاكه وتحسين أدائه وتنمية مهاراته وقدراته. وبالتالي فإن محاربة الهدر لابدَّ أنْ تكون شاملة لكل قطاعات الاقتصاد؛ حتى يغدو رشيقًا فيساعد على عملية التنويع والتحوُّل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج.
وجميعنا يعرف أنَّ تقديم الخدمات الكهربائية قد بدأ بجهد القطاع الخاص، من قِبَلِ بعض رجال الأعمال، ومنهم الأستاذان علي وإبراهيم الجفالي -رحمهما الله - في مكة وشركات أخرى في مختلف المناطق. وأزعم أن أداء هذه الشركات الخاصة كان أفضل من الحالي بكثير بالرغم من محدودية الإمكانيات والتقنيات المستخدمة والكفاءات المتوفرة. وقد بدأ الحال في التغيُّر منذ أن أخذَ تقديم هذه الخدمة يتحوَّل ليكون قطاعًا عامًا فأصابه ما أصاب بعض الأجهزة الحكومية من ضعف المراقبة وانتشار أمراضها من هدر وفساد.
وعلى الرغم من وجود «هيئة تنظيم خدمات الكهرباء» -والمفترض فيها أن تكون الجهة الرقابية على مقدمي الخدمة الكهربائية-، إلا أن سيطرة المسؤولين الحكوميين على مجلس إدارة تلك الهيئة، أدى إلى محدودية فعاليتها، بسبب العدد المحدود لاجتماعات المجلس؛ أخْذًا بمبدأ «مالا يتم إنجازه اليوم يتم غدا». وربما أتحمل شخصيًا جزءًا من هذه المسؤولية؛ فقد كنت عضوًا لفترتين في مجلس إدارة الهيئة، تحت قيادة وزيرين قديرين، هما د. غازي القصيبي –رحمه الله– والمهندس عبدالله الحصين.
ولعلي ألخص ما أراه سببًا في الحجم الكبير من الخسائر الذي نزل بالشركة، وتراكمِ سوءِ الأداء وعدمِ تهيئة الشركة بكافة قطاعاتها للتخصيص، على الرغم من المناداة بذلك منذ فترة طويلة، وذلك من خلال العوامل التالية:
أولا: إهمال تخفيض التكاليف وزيادة الكفاءة الإنتاجية، اعتمادًا على ما تمنحه الحكومة من دعم لا محدود، وتلك سمة الشركات الحكومية عامة وشركة الكهرباء والخطوط السعودية بصورة خاصة.
ثانيا: قيام الدولة باختيار كِبار مسؤولي الشركة وأعضاء مجلس إدارتها؛ لكونها مملوكة للدولة بشكل كبير، كما أنَّها قد تتدخل عن طريق المُعيَّنين للتوسط لتعيين عمالتها الرئيسية. والموظف الحكومي المعين في الشركة أو في مجلس الإدارة قد لا يُلِمُّ بتفاصيل ما قد يحدث من سوء أداء في الشركة ونتائجه الكارثية على المركز المالي لها، بل حتى وإنْ ألمّ بذلك، فقد لا تكون لديه قدرة على التغيير. وقد عرفت من بعض من عمل بالشركة سابقًا ما يوحي بأن «العين كانت بصيرة واليد دائما قصيرة».
ثالثا: تبرير الإدارة العليا لشركة الكهرباء هذه الخسائر الضخمة بارتفاع قيمة الوقود المستخدم؛ نتيجةً للزيادة التي فرضتها الحكومة العام الماضي على جميع القطاعات، وذلك التبرير لا يَجِدُ ما يدعمه؛ لأنَّ تلك الزيادة شملتْ أيضا التعرفة الكهربائية، فعادلت الزيادة في قيمة الوقود المستخدم إنْ لم تَزِدْ عليها. وهل يعني ذلك التبرير والوضع أنَّ خسائر الشركة ستزداد مع زيادة قيمة الوقود المستخدم، وهي الزيادة المتوقعة في يوليو القادم (2017).
إن الوضع الحالي لشركة الكهرباء غير مستدام، ويمثل خسائر مالية كبيرة للاقتصاد السعودي في وقت هو في أمسّ الحاجة الى كلِّ ريال يُهدر.
وإلى أن يتم تخصيص هذه الشركة وغيرها من الشركات الحكومية –وهو أمر قد يستغرق سنوات طويلة- فإن هنالك بعض الخطوات الأساسية التي لابد من اتِّخاذها نحو تحسين كفاءة الإنتاج وتقليل الهدر والفساد، ومنها:
1- القضاء أولا بأول على كلِّ حالة فساد تظهر في الشركة.
2- تشديد الرقابة على الشركة ومتابعتها خطوة بخطوة.
3- إعادة هيكلة الشركة بما يُهيئها للتخصيص.
4- متابعة تحصيل الشركة لقيم كافة فواتير الخدمة، ومن الجميع، لإلغاء العذر الذي يُستخدم بين الحين والآخر لتبرير الخسائر الضخمة.
5- تعيين أشخاص ذوي خبرة وكفاءة عالية، في مناصب الشركة حتى لو لم يكونوا مسؤولين حكوميين، بل يفترض أن لا يكونوا كذلك.
وختاما، فإنَّنا، وفي ظل مسيرة تحقيق الرؤية (2030)، لا نحتمل -حكومةً ومجتمعًا- استمرار الهدر والفساد بيننا، في الوقت الذي نطالب فيه المجتمع بترشيد استهلاكه وتحسين أدائه وتنمية مهاراته وقدراته. وبالتالي فإن محاربة الهدر لابدَّ أنْ تكون شاملة لكل قطاعات الاقتصاد؛ حتى يغدو رشيقًا فيساعد على عملية التنويع والتحوُّل من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج.