ماذا حدث للناس؟ ألا تلاحظون أصدقائي بأن الكثير من أفراد المجتمع بكافة واختلاف طبقاتهم ومرجعياتهم ومفاهيمهم أصبحوا أشخاصاً أنانيين بطريقة لم نعهدها من قبل؟ فأصبح لا أحد يقبل أن يغلط عليه أحد ولا أن يقصر في حقوقه أحد أو يزعله أي شخص لأي سبب، ولكنهم مستعدون هم للغلط والتقصير وكسر خواطر الآخرين وإهانتهم، بل ولا يقبلون بعدها أن توجه إليهم كلمة أو ملاحظة وإن فعلت ذلك فسوف توصف بأبشع الألفاظ ويحرق دمك أنت! انقلبت الآية وأصبح المظلوم يخاف من الظالم والمخطئ عليه أضعف طلباً للحق من المخطئ! وفجأة يصبح كل الناس لها حقوق ولها ألسن، إلا المحترم وذا الضمير الذي يعرف الذي له والذي عليه. فهذا النوع يجد نفسه دائما في مأزق، إما أن يبلع الموس ويسكت ويرضى بالظلم، أو أن يتكلم أو يعترض وحالما يفعل ذلك يصنف كشرير ويغضب الكل منه ويخسر اللعبة بأكملها. فالإنسان المحترم الآن أصدقائي أصبح خاسراً في كل الأحوال، سكت أم تحدث، وبما أنه خسران خسران فالكثير يفضلون الخسارة في صمت، فالصمت من ذهب!
وأصبح الإنسان المعاصر المسكين مو عارف يلاقيها من فين ولا فين، أو من مين ولا مين.
ففي المجتمع تجد الناس مستعدين لرمي الكلمات الثقيلة والتدخل السافر في شؤون الآخرين ونعتهم بما يحزنهم، ولكن إن تجرأت أنت ورددتها لهم وإن قلت كلمة حق فستصبح شريراً. «يتدين» منك إنسان مالاً فتقرضه ثم حينما تحتاجه تدرب حضرتك على ماراثون الركض وراءه لنيل حقك، وجود لك Good luck! أو بالأحرى «هارد لك» يا مسكين! ولو تكلمت، أو تظلمت فيا ويلك، فستصبح أنت بلا شرف ولا أصل ولا تعرف معنى الصداقة أو القرابة أو «الفزعة»! فتبلع الموس وتسكت، وأنت كظيم!
وفي المدرسة مثلا يرى الأهالي بعض المعلمين يظلمون أطفالهم ولا يقومون بالمهمة المطلوبة منهم ولكن لو فتح الإنسان فمه بكلمة واحدة واشتكى لانقلبت عليه الموازين وأصبح المعلم يستقصد ابنه والمدير يكره رؤيته والإداريون يصنفونه «بتاع مشاكل»! أي نظام ابلع الموس واسكت!
نذهب إلى أي متجر فنجد من يقطع عليك الطابور ويتمركز في مكانك بثبات وينظر لك متحدياً ومنتظراً أن تتفوه بكلمة ولديك حل أن تبلع الموس وتسكت، أو أن تتكلم. ولكن إن تكلمت فيا ويلك! فستنهال عليك الألفاظ المزعجة وستنالك الفضيحة العلنية ويحرق دمك ويهدر برستيجك وتتنكد النكد الأعظم فتختار أحيانا أن تصمت، فالصمت من ذهب!
تذهب لإنهاء معاملة فتجد الموظف شبه نائم يمد يده إليك بتأفف لينظر إلى أوراقك، باحثا عن غلطة يوقفك بسببها، وتبلع الموس، وتسكت، لأنك لو تجرأت وتفوهت بكلمة فسوف يطنشك ببرود واحلم يا بطل لو مشت معاملتك، وليس من الغريب أن «يوصي» عليك زملاءه وربعه ليعطوك درسا لا نهائيا في الصبر وقوة التحمل وطول النفس بتعقيد معاملتك وتطفيشك. فماذا تختار، الصمت من ذهب!
وحتى على مستوى من يعمل لديك في المنزل، فتجد نفسك تقول لهم بكل لطف ورحابة صدر، الرجاء يا ماري وبليز وثانك يو ولو سمحت لا تتركي حجرة الصالون متسخة بعد الضيوف اليوم. فتجيبك تنظيف الصالون يوم الخميس مدام! أي انبكمي أيتها الحمقاء وانتظري وعاصري الكراكيب الناتجة عن عزومة الخميس هذا إلى أن يأتي الخميس المقبل ولا تتفوهي بكلمة واحدة وأنتِ ترين العاملة تضع المانيكير والبيدكير وتتصفح النت، فهذا وقت مزاج معاليها، وأما تنظيف الصالون فحتما يجب أن ينتظر ليوم الخميس، اليوم المجدول لهذه المهمة. ماذا وإلا - وبلحظة واحدة تتهاوى أمامنا الذكريات: مكاتب الاستقدام، شروط وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، مانشيتات الصحف عن طلبات البلدان المعنية بالاستقدام، ونبتسم لماري بل ونركض لنحضر لها طبق الجاتوه وكوب الشاي ونبلع الموس ونسكت، فالسكوت من ذهب!
وأصبح الإنسان المعاصر المسكين مو عارف يلاقيها من فين ولا فين، أو من مين ولا مين.
ففي المجتمع تجد الناس مستعدين لرمي الكلمات الثقيلة والتدخل السافر في شؤون الآخرين ونعتهم بما يحزنهم، ولكن إن تجرأت أنت ورددتها لهم وإن قلت كلمة حق فستصبح شريراً. «يتدين» منك إنسان مالاً فتقرضه ثم حينما تحتاجه تدرب حضرتك على ماراثون الركض وراءه لنيل حقك، وجود لك Good luck! أو بالأحرى «هارد لك» يا مسكين! ولو تكلمت، أو تظلمت فيا ويلك، فستصبح أنت بلا شرف ولا أصل ولا تعرف معنى الصداقة أو القرابة أو «الفزعة»! فتبلع الموس وتسكت، وأنت كظيم!
وفي المدرسة مثلا يرى الأهالي بعض المعلمين يظلمون أطفالهم ولا يقومون بالمهمة المطلوبة منهم ولكن لو فتح الإنسان فمه بكلمة واحدة واشتكى لانقلبت عليه الموازين وأصبح المعلم يستقصد ابنه والمدير يكره رؤيته والإداريون يصنفونه «بتاع مشاكل»! أي نظام ابلع الموس واسكت!
نذهب إلى أي متجر فنجد من يقطع عليك الطابور ويتمركز في مكانك بثبات وينظر لك متحدياً ومنتظراً أن تتفوه بكلمة ولديك حل أن تبلع الموس وتسكت، أو أن تتكلم. ولكن إن تكلمت فيا ويلك! فستنهال عليك الألفاظ المزعجة وستنالك الفضيحة العلنية ويحرق دمك ويهدر برستيجك وتتنكد النكد الأعظم فتختار أحيانا أن تصمت، فالصمت من ذهب!
تذهب لإنهاء معاملة فتجد الموظف شبه نائم يمد يده إليك بتأفف لينظر إلى أوراقك، باحثا عن غلطة يوقفك بسببها، وتبلع الموس، وتسكت، لأنك لو تجرأت وتفوهت بكلمة فسوف يطنشك ببرود واحلم يا بطل لو مشت معاملتك، وليس من الغريب أن «يوصي» عليك زملاءه وربعه ليعطوك درسا لا نهائيا في الصبر وقوة التحمل وطول النفس بتعقيد معاملتك وتطفيشك. فماذا تختار، الصمت من ذهب!
وحتى على مستوى من يعمل لديك في المنزل، فتجد نفسك تقول لهم بكل لطف ورحابة صدر، الرجاء يا ماري وبليز وثانك يو ولو سمحت لا تتركي حجرة الصالون متسخة بعد الضيوف اليوم. فتجيبك تنظيف الصالون يوم الخميس مدام! أي انبكمي أيتها الحمقاء وانتظري وعاصري الكراكيب الناتجة عن عزومة الخميس هذا إلى أن يأتي الخميس المقبل ولا تتفوهي بكلمة واحدة وأنتِ ترين العاملة تضع المانيكير والبيدكير وتتصفح النت، فهذا وقت مزاج معاليها، وأما تنظيف الصالون فحتما يجب أن ينتظر ليوم الخميس، اليوم المجدول لهذه المهمة. ماذا وإلا - وبلحظة واحدة تتهاوى أمامنا الذكريات: مكاتب الاستقدام، شروط وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، مانشيتات الصحف عن طلبات البلدان المعنية بالاستقدام، ونبتسم لماري بل ونركض لنحضر لها طبق الجاتوه وكوب الشاي ونبلع الموس ونسكت، فالسكوت من ذهب!