لم تكد تمر إلا أيام قلائل على تقلد الرئيس الأمريكي الجديد المنتخب مقاليد الحكم، حتى بدأ في إعطاء الأوامر التي تقضي بتنفيذ وعوده الانتخابية الأشد جدلاً، فقد أمر ببدء بناء الجدار العازل بينه وبين المكسيك، ثم أمر بوقف منح التأشيرات لمواطنين ينتمون لسبع دول شرق أوسطية، وهو ما أثار الكثير من الجدل بين النخبة والعامة على حد سواء، وخرجت المظاهرات الحاشدة في شوارع بعض المدن الأمريكية رافضة القرارات، ومهاجمة لترمب، في ذات الوقت الذي بدأت فيه الصحف وغالبية وسائل الإعلام والكثير من الشخصيات العامة ومنظمات الأعمال الشهيرة في شن حرب إعلامية ضده منددة به وبأعضاء إدارته.
المثير للدهشة ليست ردود الأفعال داخل الولايات المتحدة - فهم أدرى بشؤون دنياهم - بل ردود الأفعال في العالم العربي وصحافته التي اعترضت على القرار، باعتباره قراراً عنصرياً سيؤثر بالسلب على مصالح وحرية مواطني هذه الدول السبع، ويتحسرون على زمن أوباما الذي كان يفتح أبواب الولايات المتحدة على مصراعيها أمام الجميع، ولكن لو نظرنا بالقليل من التروي في قرارات ترمب فسنجد أنه يبرر تلك القرارات باعتبارها ستحمي دولته من إرهاب بعض المسلمين المتطرفين كداعش وحلفائهم، وهم نفس الفئة التي عانت وتعاني منها غالبية الدول العربية، ممن ادعوا زيفاً تدينهم، وتزيوا بزي الإسلام وهم أبعد الناس عنه، وهم من يسعون فساداً في العراق واليمن وليبيا وسورية والصومال، بل هو- تقريباً - نفس الموقف الذي تتخذه حكومات بعض الدول العربية تجاه هذه الفئة، بحيث منعتهم من دخول أراضيها وتعقبت من تسللوا إلى داخلها منهم وحظرت جميع أحزابهم وجرمت أنشطتهم.
لا أعلم في حقيقة الأمر سبب الهجوم على ترمب، هل هو حزن على فترات الرفاهية التي تمتعنا بها إبان رئاسة أوباما؟ أم شوق إلى رياح الفتنة التي أشعلتها الإدارات الأمريكية السابقة في المنطقة برمتها وجعلتها مرتعاً للإرهاب والتطرف؟ أم أن سبب الهجوم هو الخوف مما هو قادم؟ وبرأيي قد لا يكون هناك أسوأ مما نمر به الآن، فلنترك الرئيس ترمب جانباً، ودعونا نجيب على السؤال الأهم الذي يطرح نفسه الآن هو: ماذا قدم العرب للعرب؟ من الملاحظ أن الكثير من قادة العالم وشعوبه يعتبرون الولايات المتحدة البوصلة التي يجب أن يتحرك الجميع طبقاً لاتجاهاتها وإرشاداتها، فالولايات المتحدة -بنظرهم- هي من تملك القدرة على توحيد الشعوب، وهي أيضاً من تملك القدرة على تفريقها، وهي التي تنقذ الدول اقتصادياً وهي التي تدمرها، ويسعى الكثيرون للتحلي بالأمل والتمسك بأهداب التفاؤل وانتظار الخير من كل إدارة أمريكية جديدة تمسك بزمام الحكم في الولايات المتحدة طامعين في كسب ودها ونيل رضاها.
ولكن هل الخطأ يقع على عاتق الولايات المتحدة أم يقع جزء كبير منه علينا نحن؟ فالكثيرون ينتظرون الخير من الإدارات الأمريكية المتتالية، ينتظرون دعمها لحل المشكلات الاقتصادية والبطالة على رأسها في دولهم، ينتظرون تقديمها مساعدات اقتصادية وعسكرية لهم، ينتظرون دعماً أمنياً وإستراتيجيا منها، ولكن هل تجيد الولايات المتحدة بالفعل لعب هذا الدور؟ هل تهب لمساعدة المظلوم وردع الظالم وانتشال المأزومين من أزماتهم ومحاربة الإرهاب وحل مشكلات الدول المحلية التي لا تخصها في شيء؟ يؤكد الواقع أن كل ذلك لم يحدث يوماً في تاريخ الولايات المتحدة، والتي تتمحور جميع أفعالها وسلوكياتها وأنشطتها حول مصالحها وحول حماية مصالح اللوبيات المؤثرة فيها، فالولايات المتحدة لا تقدم دعماً اقتصادياً أو عسكرياً لدولة ما إلا بعد تنفيذ عدة شروط تشترطها مسبقاً على هذه الدولة، ولا تستمر المساعدات إلا باستمرار الدولة في انتهاج نفس المنهج الذي تحدده لها ولا تحيد عنه يمنة أو يسرة قيد أنملة، وإن رأت الدولة خياراً أفضل ترغب في تطبيقه، فسرعان ما تلوح الولايات المتحدة ببطاقة المساعدات وتهدد بصلف وعجرفة بإمكانية إيقافها، والولايات المتحدة لا تخوض حروباً إلا إذا كان لها فيها مصالح أو اهتمامات مباشرة، كالحفاظ على موارد النفط آمنة، أو تأمين حلفائها لضمان استمرار مدها بما تحتاجه من موارد تفتقدها وتحتاج إليها ولا تملكها.
إن أصدق ما يمكن أن يقال عن الإدارة الأمريكية هو القول الدارج الذي يقضي بأن ما تعطيه الولايات المتحدة للدول من مساعدات باليمين تلتف وتعود مرة أخرى لتأخذه بالشمال، وكل تلك الأدلة الدامغة لا تحيلنا إلا لنتيجة واحدة، وهي ضرورة ألا نعول على أي إدارة أمريكية جديدة في حل مشكلاتنا الخاصة، لأنها لن تتدخل في حلها إلا بالقدر الذي يمس مصالحها الذاتية ويؤثر على حاضرها ومستقبلها، ولعل الأزمة السورية أوضح مثال على ذلك، فالأزمة السورية أزمة عربية إقليمية تورطت فيها عدة قوى تتعيش على استمرار أوار الحرب فيها، ولأنها لا تمس مصالح الولايات المتحدة كثيراً فهي لم تتدخل بشكل حقيقي لاستئصال شأفة الجماعات الإرهابية التي تسعى للاستيطان والتحصن فيها، ولم تتصد لمجازر الأسد التي أباد فيها شعبه وتسبب في تهجير الملايين منهم في ظروف غير إنسانية بل وغير آدمية، ولم تقف وقفة حاسمة ضد التدخل الروسي السافر لمصلحة الأسد رغم ما يمثله هذا التدخل من خرق صريح لجميع القوانين والأعراف الدولية، فالأمر هنا في هذه الحالة لا يمسها من قريب أو من بعيد، ولهذا فهي لا تبالي.
مرة أخرى.. لماذا نعول على الإدارة الأمريكية لحل مشكلة صراع إقليمي وعربي يمس الدول العربية في المقام الأول والأخير؟ أليس من العيب أن تفشل 22 دولة عربية في حل الأزمة السورية ونجد من المحللين من يصرح بأن إدارة أوباما عجزت عن حل المشكلة السورية؟ هل يمكن أن نرجو خيراً من التدخل الغربي لحل أي مشكلة تخصنا كعرب دونما تعصب أو انحياز مسبق؟ وبصفة شخصية لست متفائلاً ولكني لست متشائماً أيضاً، كما أني لا أبالي أكثر بتدخل الدول الغربية لحماية مصالحنا أو تحقيق أهدافنا، لأنه لن يحمي مصالحنا غيرنا ولن تحقق أهدافنا سوى عقول وسواعد أبناء وطننا المخلصين، ونحن وإن كنا من باب التفاؤل المطلق لا نستبق الأحداث ونتخذ موقفا مسبقا من الإدارة الأمريكية الجديدة إلا أننا لا نريد منها شيئاً ولا ننتظر منها معروفاً، وكل ما نتمناه هو أن تجمعنا وحدة المصالح المشتركة، وأن يسود علاقاتنا التفاهم والاحترام المتبادل.
المثير للدهشة ليست ردود الأفعال داخل الولايات المتحدة - فهم أدرى بشؤون دنياهم - بل ردود الأفعال في العالم العربي وصحافته التي اعترضت على القرار، باعتباره قراراً عنصرياً سيؤثر بالسلب على مصالح وحرية مواطني هذه الدول السبع، ويتحسرون على زمن أوباما الذي كان يفتح أبواب الولايات المتحدة على مصراعيها أمام الجميع، ولكن لو نظرنا بالقليل من التروي في قرارات ترمب فسنجد أنه يبرر تلك القرارات باعتبارها ستحمي دولته من إرهاب بعض المسلمين المتطرفين كداعش وحلفائهم، وهم نفس الفئة التي عانت وتعاني منها غالبية الدول العربية، ممن ادعوا زيفاً تدينهم، وتزيوا بزي الإسلام وهم أبعد الناس عنه، وهم من يسعون فساداً في العراق واليمن وليبيا وسورية والصومال، بل هو- تقريباً - نفس الموقف الذي تتخذه حكومات بعض الدول العربية تجاه هذه الفئة، بحيث منعتهم من دخول أراضيها وتعقبت من تسللوا إلى داخلها منهم وحظرت جميع أحزابهم وجرمت أنشطتهم.
لا أعلم في حقيقة الأمر سبب الهجوم على ترمب، هل هو حزن على فترات الرفاهية التي تمتعنا بها إبان رئاسة أوباما؟ أم شوق إلى رياح الفتنة التي أشعلتها الإدارات الأمريكية السابقة في المنطقة برمتها وجعلتها مرتعاً للإرهاب والتطرف؟ أم أن سبب الهجوم هو الخوف مما هو قادم؟ وبرأيي قد لا يكون هناك أسوأ مما نمر به الآن، فلنترك الرئيس ترمب جانباً، ودعونا نجيب على السؤال الأهم الذي يطرح نفسه الآن هو: ماذا قدم العرب للعرب؟ من الملاحظ أن الكثير من قادة العالم وشعوبه يعتبرون الولايات المتحدة البوصلة التي يجب أن يتحرك الجميع طبقاً لاتجاهاتها وإرشاداتها، فالولايات المتحدة -بنظرهم- هي من تملك القدرة على توحيد الشعوب، وهي أيضاً من تملك القدرة على تفريقها، وهي التي تنقذ الدول اقتصادياً وهي التي تدمرها، ويسعى الكثيرون للتحلي بالأمل والتمسك بأهداب التفاؤل وانتظار الخير من كل إدارة أمريكية جديدة تمسك بزمام الحكم في الولايات المتحدة طامعين في كسب ودها ونيل رضاها.
ولكن هل الخطأ يقع على عاتق الولايات المتحدة أم يقع جزء كبير منه علينا نحن؟ فالكثيرون ينتظرون الخير من الإدارات الأمريكية المتتالية، ينتظرون دعمها لحل المشكلات الاقتصادية والبطالة على رأسها في دولهم، ينتظرون تقديمها مساعدات اقتصادية وعسكرية لهم، ينتظرون دعماً أمنياً وإستراتيجيا منها، ولكن هل تجيد الولايات المتحدة بالفعل لعب هذا الدور؟ هل تهب لمساعدة المظلوم وردع الظالم وانتشال المأزومين من أزماتهم ومحاربة الإرهاب وحل مشكلات الدول المحلية التي لا تخصها في شيء؟ يؤكد الواقع أن كل ذلك لم يحدث يوماً في تاريخ الولايات المتحدة، والتي تتمحور جميع أفعالها وسلوكياتها وأنشطتها حول مصالحها وحول حماية مصالح اللوبيات المؤثرة فيها، فالولايات المتحدة لا تقدم دعماً اقتصادياً أو عسكرياً لدولة ما إلا بعد تنفيذ عدة شروط تشترطها مسبقاً على هذه الدولة، ولا تستمر المساعدات إلا باستمرار الدولة في انتهاج نفس المنهج الذي تحدده لها ولا تحيد عنه يمنة أو يسرة قيد أنملة، وإن رأت الدولة خياراً أفضل ترغب في تطبيقه، فسرعان ما تلوح الولايات المتحدة ببطاقة المساعدات وتهدد بصلف وعجرفة بإمكانية إيقافها، والولايات المتحدة لا تخوض حروباً إلا إذا كان لها فيها مصالح أو اهتمامات مباشرة، كالحفاظ على موارد النفط آمنة، أو تأمين حلفائها لضمان استمرار مدها بما تحتاجه من موارد تفتقدها وتحتاج إليها ولا تملكها.
إن أصدق ما يمكن أن يقال عن الإدارة الأمريكية هو القول الدارج الذي يقضي بأن ما تعطيه الولايات المتحدة للدول من مساعدات باليمين تلتف وتعود مرة أخرى لتأخذه بالشمال، وكل تلك الأدلة الدامغة لا تحيلنا إلا لنتيجة واحدة، وهي ضرورة ألا نعول على أي إدارة أمريكية جديدة في حل مشكلاتنا الخاصة، لأنها لن تتدخل في حلها إلا بالقدر الذي يمس مصالحها الذاتية ويؤثر على حاضرها ومستقبلها، ولعل الأزمة السورية أوضح مثال على ذلك، فالأزمة السورية أزمة عربية إقليمية تورطت فيها عدة قوى تتعيش على استمرار أوار الحرب فيها، ولأنها لا تمس مصالح الولايات المتحدة كثيراً فهي لم تتدخل بشكل حقيقي لاستئصال شأفة الجماعات الإرهابية التي تسعى للاستيطان والتحصن فيها، ولم تتصد لمجازر الأسد التي أباد فيها شعبه وتسبب في تهجير الملايين منهم في ظروف غير إنسانية بل وغير آدمية، ولم تقف وقفة حاسمة ضد التدخل الروسي السافر لمصلحة الأسد رغم ما يمثله هذا التدخل من خرق صريح لجميع القوانين والأعراف الدولية، فالأمر هنا في هذه الحالة لا يمسها من قريب أو من بعيد، ولهذا فهي لا تبالي.
مرة أخرى.. لماذا نعول على الإدارة الأمريكية لحل مشكلة صراع إقليمي وعربي يمس الدول العربية في المقام الأول والأخير؟ أليس من العيب أن تفشل 22 دولة عربية في حل الأزمة السورية ونجد من المحللين من يصرح بأن إدارة أوباما عجزت عن حل المشكلة السورية؟ هل يمكن أن نرجو خيراً من التدخل الغربي لحل أي مشكلة تخصنا كعرب دونما تعصب أو انحياز مسبق؟ وبصفة شخصية لست متفائلاً ولكني لست متشائماً أيضاً، كما أني لا أبالي أكثر بتدخل الدول الغربية لحماية مصالحنا أو تحقيق أهدافنا، لأنه لن يحمي مصالحنا غيرنا ولن تحقق أهدافنا سوى عقول وسواعد أبناء وطننا المخلصين، ونحن وإن كنا من باب التفاؤل المطلق لا نستبق الأحداث ونتخذ موقفا مسبقا من الإدارة الأمريكية الجديدة إلا أننا لا نريد منها شيئاً ولا ننتظر منها معروفاً، وكل ما نتمناه هو أن تجمعنا وحدة المصالح المشتركة، وأن يسود علاقاتنا التفاهم والاحترام المتبادل.