من يحكم الولايات المتحدة الأمريكية. سؤال يتبادر لدى الكثيرين، ويحير الكثير من المتابعين والمتخصصين. نظرياً: الشعب هو الذي يحكم أقوى وأغنى وأكثر دول عالم تقدماً اليوم. واقعياً: الولايات المتحدة يحكمها نظام مؤسساتي تتفاعل فيه وتتكامل سلطات الحكم الرسمية مع مؤسسات المجتمع المدني في ظل مشاركة سياسية نشطة.. فعالة.. حرة، ومنفتحة، تحكمها قيم ديموقراطية مرعية وواضحة.
صحيح أن الشعب الأمريكي هو الذي يأتي، بإرادته الحرة برموز الحكم إلى السلطة. إلا أنه حال تنصيبهم في مواقع مسؤولياتهم، تكتسب مؤسسات السلطة، بغض النظر عن الرموز المنتخبة، شرعية عملية وسلطة حقيقية ذاتية، منفصلة وإن ليست ببعيدة، عن الأساس النظري والأصيل لمصدر الشرعية الحقيقي (الشعب الأمريكي).
صحيح، أيضاً: أن الديمقراطية هي حركة صراع بين أفكار وبدائل للتعامل مع مشاكل المجتمع والتصرف في موارده، بغض النظر عن الرموز التي تتنافس على ثقة الناخبين، إلا أنه في حقيقة الأمر: للدولة منطقها ونفوذها، من خلال إرادة ومضاء مؤسسات الحكم الرسمية، التي تتحرك بحذر وذكاء، تحت الرقابة المتبادلة بينها.. وتحت أعين مؤسسات المجتمع المدني النشطة والنافذة، من أجل تحجيم السلطة والحؤول بينها وبين الاستبداد والتسلط.
من هنا يتضاءل رمز السلطة، في خضم المؤسسة التي يعمل فيها، لدرجة تحديد مدى مدخلاته فيها، بالقدر التي يفرضه منطق السياسة لا مسوغات تقلده لمنصبه المنتخب، مهما بلغت مكانة ذلك المنصب ومن يشغله. حتى إنه قيل: إن منصب الرئيس، لا يتطلب مؤهلات معينة لتقلده.. وأن أي شخص جاءت به إرادة الشعب الأمريكي، يمكن أن يقوم بمهام مسؤولياته فيه، بغض النظر عن خبراته وقدراته الشخصية.
45 رئيسا أمريكيا تعاقبوا على البيت الأبيض منذ انتخاب أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن (١٧٨٩ - ١٧٩٧). استعراض الرؤساء الأمريكيين يعكس «موزاييك» تعددية المجتمع الأمريكي. جميع الرؤساء الأمريكيين، ماعدا في حالات نادرة ومتباعدة، بقوا في مناصبهم، رغم أدائهم حتى نهاية فترة ولايتهم.. ومن ترك المنصب منهم سواء لأسباب طبيعية أو سياسية وهم قلة، استمر عهدهم، حتى نهاية فترة ولايتهم. هذا لا يعني أن هناك من الرؤساء الأمريكيين من لم يتركوا بصمات فارقة في تاريخ الولايات المتحدة والعالم، إلا أنه في النهاية: الطموحات الشخصية لأي رئيس أمريكي، كثيراً ما تصطدم ومن ثَمّ تتواضع أمام حركة وقيم النظام السياسي الأمريكي، التي تحكم مؤسسات الحكم في واشنطن.
عند الحديث عن محدودية، بل وحتى هامشية رموز الحكم وشخوصه في النظام الأمريكي، لا يقتصر الحديث عن تواضع مدخلاتهم أمام مؤسسات السلطة الرسمية في واشنطن، فحسب... بل أيضاً: أمام مؤسسات النظام السياسي غير الرسمية، التي تتفاعل بحدة ونشاط وفاعلية، خارج كواليس الحكم وتحصيناته السياسية والدستورية. من أوضح معالم استقرار النظام الأمريكي، دور التوازن والضبط الذي تقوم مؤسسات المجتمع المدني، تأتي في مقدمتها الصحافة، من أجل ضمان عدم خروج رموز الحكم ومؤسساته عن القيم التي أرساها دستور البلاد، وصولاً إلى تأكيد مبدأ وواقع السيادة الشعبية.
النظام السياسي الأمريكي، بالتالي: مصمم لحماية نصوص العقد الاجتماعي، الذي أرسى قواعد مؤسسات الدولة وحكم سلوكيات رموزها، من أجل ألا تحيد الحكومة عن الدور المنوط القيام به، كونها حكومة محدودة الصلاحيات والأجل. اقتراب غير تقليدي لمواجهة المشكلة الأزلية، التي عصفت بتاريخ البشرية وتمحورت حول جدلية الحكم الرشيد.
لذا: ما يُلاحظ هذه الأيام، من محاولة استقواء للرموز على المؤسسات، في سلوكيات الرئيس الجديد، وإن كان يأتي وفاءً لما قطعه الرئيس ترمب على ناخبيه، بالمباشرة في تطهير واشنطن مما قال عنه: فساد المؤسسات ورجعيتها واستعادة سيطرة الشعب عليها من قبل ممثليه، ويقصد نفسه، هنا على سبيل الحصر، إنما هي في حقيقة الأمر: دعوة حق يراد بها شيء آخر.
بعيداً عن ما يمكن استقراؤه من شخصية الرئيس ترمب المثيرة للجدل، فإنه من الناحية العملية والسياسية لا يمكن تصور مواصلة الرئيس ترمب لمعركته ضد مؤسسات الدولة، بشقيها الرسمي والمدني، مهما بلغ تماديه في تصوره لشعبيته، أو لنقل: (شعوبيته). في حقيقة الأمر: الرئيس ترمب، ولم تمض مائة يوم على ولايته، يسجل أدنى مستوى للشعبية واجهت أي رئيس أمريكي قبله.
الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وليس أشخاص.
صحيح أن الشعب الأمريكي هو الذي يأتي، بإرادته الحرة برموز الحكم إلى السلطة. إلا أنه حال تنصيبهم في مواقع مسؤولياتهم، تكتسب مؤسسات السلطة، بغض النظر عن الرموز المنتخبة، شرعية عملية وسلطة حقيقية ذاتية، منفصلة وإن ليست ببعيدة، عن الأساس النظري والأصيل لمصدر الشرعية الحقيقي (الشعب الأمريكي).
صحيح، أيضاً: أن الديمقراطية هي حركة صراع بين أفكار وبدائل للتعامل مع مشاكل المجتمع والتصرف في موارده، بغض النظر عن الرموز التي تتنافس على ثقة الناخبين، إلا أنه في حقيقة الأمر: للدولة منطقها ونفوذها، من خلال إرادة ومضاء مؤسسات الحكم الرسمية، التي تتحرك بحذر وذكاء، تحت الرقابة المتبادلة بينها.. وتحت أعين مؤسسات المجتمع المدني النشطة والنافذة، من أجل تحجيم السلطة والحؤول بينها وبين الاستبداد والتسلط.
من هنا يتضاءل رمز السلطة، في خضم المؤسسة التي يعمل فيها، لدرجة تحديد مدى مدخلاته فيها، بالقدر التي يفرضه منطق السياسة لا مسوغات تقلده لمنصبه المنتخب، مهما بلغت مكانة ذلك المنصب ومن يشغله. حتى إنه قيل: إن منصب الرئيس، لا يتطلب مؤهلات معينة لتقلده.. وأن أي شخص جاءت به إرادة الشعب الأمريكي، يمكن أن يقوم بمهام مسؤولياته فيه، بغض النظر عن خبراته وقدراته الشخصية.
45 رئيسا أمريكيا تعاقبوا على البيت الأبيض منذ انتخاب أول رئيس للولايات المتحدة جورج واشنطن (١٧٨٩ - ١٧٩٧). استعراض الرؤساء الأمريكيين يعكس «موزاييك» تعددية المجتمع الأمريكي. جميع الرؤساء الأمريكيين، ماعدا في حالات نادرة ومتباعدة، بقوا في مناصبهم، رغم أدائهم حتى نهاية فترة ولايتهم.. ومن ترك المنصب منهم سواء لأسباب طبيعية أو سياسية وهم قلة، استمر عهدهم، حتى نهاية فترة ولايتهم. هذا لا يعني أن هناك من الرؤساء الأمريكيين من لم يتركوا بصمات فارقة في تاريخ الولايات المتحدة والعالم، إلا أنه في النهاية: الطموحات الشخصية لأي رئيس أمريكي، كثيراً ما تصطدم ومن ثَمّ تتواضع أمام حركة وقيم النظام السياسي الأمريكي، التي تحكم مؤسسات الحكم في واشنطن.
عند الحديث عن محدودية، بل وحتى هامشية رموز الحكم وشخوصه في النظام الأمريكي، لا يقتصر الحديث عن تواضع مدخلاتهم أمام مؤسسات السلطة الرسمية في واشنطن، فحسب... بل أيضاً: أمام مؤسسات النظام السياسي غير الرسمية، التي تتفاعل بحدة ونشاط وفاعلية، خارج كواليس الحكم وتحصيناته السياسية والدستورية. من أوضح معالم استقرار النظام الأمريكي، دور التوازن والضبط الذي تقوم مؤسسات المجتمع المدني، تأتي في مقدمتها الصحافة، من أجل ضمان عدم خروج رموز الحكم ومؤسساته عن القيم التي أرساها دستور البلاد، وصولاً إلى تأكيد مبدأ وواقع السيادة الشعبية.
النظام السياسي الأمريكي، بالتالي: مصمم لحماية نصوص العقد الاجتماعي، الذي أرسى قواعد مؤسسات الدولة وحكم سلوكيات رموزها، من أجل ألا تحيد الحكومة عن الدور المنوط القيام به، كونها حكومة محدودة الصلاحيات والأجل. اقتراب غير تقليدي لمواجهة المشكلة الأزلية، التي عصفت بتاريخ البشرية وتمحورت حول جدلية الحكم الرشيد.
لذا: ما يُلاحظ هذه الأيام، من محاولة استقواء للرموز على المؤسسات، في سلوكيات الرئيس الجديد، وإن كان يأتي وفاءً لما قطعه الرئيس ترمب على ناخبيه، بالمباشرة في تطهير واشنطن مما قال عنه: فساد المؤسسات ورجعيتها واستعادة سيطرة الشعب عليها من قبل ممثليه، ويقصد نفسه، هنا على سبيل الحصر، إنما هي في حقيقة الأمر: دعوة حق يراد بها شيء آخر.
بعيداً عن ما يمكن استقراؤه من شخصية الرئيس ترمب المثيرة للجدل، فإنه من الناحية العملية والسياسية لا يمكن تصور مواصلة الرئيس ترمب لمعركته ضد مؤسسات الدولة، بشقيها الرسمي والمدني، مهما بلغ تماديه في تصوره لشعبيته، أو لنقل: (شعوبيته). في حقيقة الأمر: الرئيس ترمب، ولم تمض مائة يوم على ولايته، يسجل أدنى مستوى للشعبية واجهت أي رئيس أمريكي قبله.
الولايات المتحدة دولة مؤسسات، وليس أشخاص.