عندما يلتقط شاعر أو رسام فكرة هائمة، تلك اللحظة تساوي عمرا، ليس بالضرورة عمر مبدعها، وإنما عمر تلك اللحظة الملهمة، مطلع مبهم لقصيدة جميلة، خطوط حائرة لرسمة بديعة، جملة موسيقية مستعصية قد تنتهي لحنا شجيا، لمحة شاردة في العقل تتوالد منها معان جديدة، والمعاني، كما قال ناقدنا القديم، ملقاة على قارعة الطريق، تلك اللحظة تلتقطها وتضفرها فتخلق منها خلقا آخر. كم تفاحة سقطت على رأس بشر، واحد فقط استلهم الفكرة وانتهى بقانون يصعب فهم الكون بدونه، كثيرون مروا بحديقة غناء، قليل منهم من ألهمته قصيدة أو لوحة فنية، أو حتى كتابا عن الحدائق. والمرء لا يحتاج أن يكون فنانا ليشعر بجمال الوجود، قد يشجيك سماع آية كريمة فتسبح معها خواطرك وأنت تسبح ربك، حديث شريف، عبارة في كتاب أو كلمة في نقاش عابر، تتذكرها فتخلق منها تلك اللحظة معاني لم تخطر ببالك من قبل.
مع ذلك هل صحيح ما قاله ناقد قديم آخر لا يرانا نقول إلا معادا من قولنا مكرورا، قد يصح، إذا صدقت المعاناة وصدق التعبير عنها، خذوا هذا المعنى المتشابه حد التطابق لشاعرين قمة في التضاد، يقول رهين المحبسين أبو العلاء المعري: «صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد، خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد»، فيأتي بعده بحوالى قرن الشاعر المترف عمر الخيام ليقول: «وكم توالى الليل بعد النهار وطال بالأنجم هذا المدار، فأمش الهوينا إن هذا الثرى من أعين ساحرة الاحورار». هل ثمة تكرار هنا؟ نعم، لكن هل شعر به أحد؟ لا أظن.
أعود لتلك اللحظة، عندما تتهادى إليك خاطرة وتداعب خيالك فكرة، لا يهمها إن كنت مستعدا، لا يهمها ظرفي زمانك ومكانك، هي تأتي وقتما تريد، إن آنست فيك نديما راودتك عن نفسك حتى تذهلك عما حولك، لا أدري لم سموها بنات أفكار، هل مسها من طبع الأنثى مس؟ لا أعلم، كل ما أعلمه عن دلالها أنها تأتي «غراء فرعاء مصقول عوارضها، تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل»، أما إن آنست منك حبيبا فستغرقك في جحيم من القبل، وتترعك بكؤوس المعاني، وتراقصك على نغمات الحروف وموسيقى الكلمات. تأخذك تلك اللحظة لعالم مسحور يختلط فيه البخور بالنور والظلام فلا تكاد تبصر إلا إياها، هائم في أجوائها فتساقط عليك رطبا جنيا من أفكار شتى فتصيح وجدا: «وجدتها.. وجدتها».
إن غفلت، ولا شك ستغفل، كثير منا يغفل في سكرته مع تلك اللحظة، عن تدوينها، ستذهب الفكرة وتفيق السكرة وتبقى الحسرة. تلك اللحظة باغتتني بفكرة القدرة على التخيل وأنا أقود سيارتي، وخوفا من الحسرة، والأجدى الخوف من حادث، توقفت جانبا وربطت رأسها ويديها على علبة مناديل بجانبي، ثم واصلت سيري.
مع ذلك هل صحيح ما قاله ناقد قديم آخر لا يرانا نقول إلا معادا من قولنا مكرورا، قد يصح، إذا صدقت المعاناة وصدق التعبير عنها، خذوا هذا المعنى المتشابه حد التطابق لشاعرين قمة في التضاد، يقول رهين المحبسين أبو العلاء المعري: «صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد، خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد»، فيأتي بعده بحوالى قرن الشاعر المترف عمر الخيام ليقول: «وكم توالى الليل بعد النهار وطال بالأنجم هذا المدار، فأمش الهوينا إن هذا الثرى من أعين ساحرة الاحورار». هل ثمة تكرار هنا؟ نعم، لكن هل شعر به أحد؟ لا أظن.
أعود لتلك اللحظة، عندما تتهادى إليك خاطرة وتداعب خيالك فكرة، لا يهمها إن كنت مستعدا، لا يهمها ظرفي زمانك ومكانك، هي تأتي وقتما تريد، إن آنست فيك نديما راودتك عن نفسك حتى تذهلك عما حولك، لا أدري لم سموها بنات أفكار، هل مسها من طبع الأنثى مس؟ لا أعلم، كل ما أعلمه عن دلالها أنها تأتي «غراء فرعاء مصقول عوارضها، تمشي الهوينا كما يمشي الوجى الوحل»، أما إن آنست منك حبيبا فستغرقك في جحيم من القبل، وتترعك بكؤوس المعاني، وتراقصك على نغمات الحروف وموسيقى الكلمات. تأخذك تلك اللحظة لعالم مسحور يختلط فيه البخور بالنور والظلام فلا تكاد تبصر إلا إياها، هائم في أجوائها فتساقط عليك رطبا جنيا من أفكار شتى فتصيح وجدا: «وجدتها.. وجدتها».
إن غفلت، ولا شك ستغفل، كثير منا يغفل في سكرته مع تلك اللحظة، عن تدوينها، ستذهب الفكرة وتفيق السكرة وتبقى الحسرة. تلك اللحظة باغتتني بفكرة القدرة على التخيل وأنا أقود سيارتي، وخوفا من الحسرة، والأجدى الخوف من حادث، توقفت جانبا وربطت رأسها ويديها على علبة مناديل بجانبي، ثم واصلت سيري.