-A +A
عبده خال
كل الموهبة تأتي من ثنايا وأزقة ومنعطفات الحواري.

وقد ظلت هذه الأزقة الملتوية والبرحات الفسيحة رافدا يغذي جميع المناشط الحياتية، ويقدم لها مواهب سرعان ما تتلألأ في سماء الوطن كقيمة فنية تسهم في الإنجازات الوطنية.


وفي حياتي التقيت وقابلت وعشت مع أناس كثر أضاعت الحياة مواهبهم لأسباب عديدة قد يكون أهمها عدم إيمان كل منهم بموهبته التي منحه الله إياها والتلهي عنها بعدم صقلها أو الانضمام إلى جهة تعمد إلى تقديمه كموهبة لافتة.

ولأن المواهب الكروية (الألعاب الرياضية بصفة عامة) تعتمد في كونها ألعابا جماعية فلا يبزغ الموهوب إلا من خلال عناية نادٍ رياضي كان بالضرورة التفات الأندية للمواهب الكروية في ملاعب الحواري، وقد كانت الأندية تبث عيونها في الحواري لاصطياد تلك المواهب وضمها إلى الأندية، وأذكر أن العم يحيى عبدالله هو العين المبثوثة لنادي الاتحاد، وقد استطاع ضم أعداد كبيرة من المواهب لناديه.

ولأن الكرة تحولت إلى مصدر استثماري ضخم إضافة الى رفعة رياضية وطنية نجد أن بريطانيا أوفدت وزيرها لبعض الدول الأفريقية من أجل رعاية الموهوبين هناك وإدخالهم في برنامج استثماري ضخم.

** **

كنت وما زلت أقول لكل من ألتقي به وقد أضاع موهبته بالتقاعس وعدم المثابرة لانضاج موهبته، أقول له:

- أنت أضعت وضيعت.

وفي يوم الجمعة الماضي أكدت على تلك المقولة عندما وجدت نفسي في مواجهة صديق العمر ناصر أحمد عسيري الذي أضاع موهبته في ملاعب الحواري وأمضى أجمل سنوات الفتوة والنضج لاعبا فذا تتسابق الأندية لجذبه لصفوفها وقد فلح نادي الأهلي لتسجيله ضمن صفوف لاعبيه إلا أن حرية اللعب في الحواري أفسدت على ناصر مجدا خاصا كان هو أولى باستثماره.

مضت الأيام وناصر يوزع موهبته الفذة على ملاعب الحواري مكتفيا بالركض على الأتربة وتلويحات أبناء حارته تمجده من غير أن تلاحقه فلاشات الكاميرات أو أن تعتقله القنوات الفضائية في لعبة كروية لا يأتي بها إلا موهوب نادر الموهبة.

هذا اللاعب الفذ لم تنسه حارته (الهنداوية)، فقد اجتمعت ليلة الجمعة الماضية على سيرته في حفل ضخم كان عنوانه (تكريم أفضل لاعب كرة أنجبته الحواري)، وكأنها بهذه المناسبة تعوضه عما تناثر من مهارة ضاعت من غير توثيق، فذاكرة الحواري نسّاءه.

كانت ليلة حرص متبنيها الصديق خالد منصور العنزي على تطريزها بمعظم الأسماء التي أنجبتها حارة الهنداوية من لاعبين وفنانين وأدباء وإعلاميين.. وكأن خالد يفاخر بحارته التي قدمت أسماء كثيرة في كل المجالات.. ويحق للهنداوية أن تفاخر بناصر عسيري الذي ضيّع موهبته بين ملاعبها المتناثرة إلا أنها تتذكر جيدا أنه كان قلبها الكروي النابض.