لم يعدُ وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، الحقيقة حينما أعلن يوم السبت 18/ 2/ 2017 أمام مؤتمر ميونيخ للأمن في دورته الحادية والخمسين، التي شارك فيها زعماء ووزراء وقادة رأي عام عالميون، عن انتهاء نظام العالم الأمني للمرحلة التي أسماها «ما بعد الحرب الباردة» في إشارة لنظام القطبية الواحدة الذي هيمنت عليه الولايات المتحدة ومن ورائها حلفاؤها الغربيون. كذلك هو مصيب في دعوته لإقامة نظام أمني عالمي جديد مع تجاوز تسميته له بنظام «ما بعد الغرب».
ويستمر لافروف في وصفه للنظام العالمي الذي ينشده بأنه نظام تتمتع فيه كافة الدول صغيرة كانت أو كبيرة بالاستقلال والسيادة الوطنية الكاملة والاحترام المتبادل. ويستشهد بعلاقات بلاده بدول مثل إيران ومصر وسوريا كتطبيق لعالم (اليوتوبيا) الذي يتخيله. ولذلك هو يدعو لتفكيك حلف شمال الأطلسي (النيتو) بصفته أداة متقادمة من أدوات الحرب الباردة.
ولا عجب بأن موقف لافروف من النيتو وأوروبا الموحدة يتطابق، رغم تضارب الإشارات، مع موقف الرئيس (ترمب) ما يوحي بوجود تناغم من المبكر وصفه بالتحالف بين حكومة بوتين والإدارة الأمريكية الجديدة ورغبة الطرفين العارمة في تخطي تفكيك الأطلسي إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي.
وبالطبع لا يختلف أي من المحللين السياسيين مع لافروف في أن العالم أصبح فعلاً بحاجة لنظام أمني عالمي جديد. ولكن يبدو أن وزير الخارجية الروسي تعمد تجاهل حقيقة أن النظام العالمي الجديد بدا بالتشكل فعلا منذ بداية الألفية الجديدة وأن ملامحه الأساسية أضحت واضحة بشكل لا تخطئه العين. وأنه على عكس ما يرغب، نظام «متعدد الرؤوس» مازال الغرب حاضرا فيه برأسين هما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإن بدت بينهما خلافات مرحلية يراهن هو على تعميقها بالإيحاء بتحالف قوي بين بوتين و(ترمب)، ومتجاهلا أيضا ضيق مساحة مناورة الإدارة الأمريكية في مواجهة دولة مؤسسات أمريكية عميقة، خاصة إذا ما وصلت الأمور حدّ المساس بالتحالف الإستراتيجي والانتماء العرقي التاريخي لأي إدارة أمريكية بأوروبا.
وحتى إن بدا أن روسيا متحالفة في الظاهر أيضاً مع الصين، إلا أن تقربها لأمريكا ترمب يفضح قلقها وتخوفها العميق من العملاق الصيني ذي الرأس الكبير الذي يلقي بظلاله الثقيلة على كل آسيا بصفة عامة، وعلى جيرانه القريبين ومنهم روسيا نفسها واليابان وكوريا، على وجه الخصوص. وما تحالف روسيا مع دكتاتوريات معروفة في جوارها وفي منطقتنا سوى محاولة يائسة للحفاظ على وضع الدولة العظمى الذي تعلم جيدا أنها ليست مؤهلة للبقاء به طويلا، فالقوة النووية التي تعول روسيا عليها كثيرا لا يمكن أن تصنع دولة عظمى كل الوقت وإن كانت يمكن أن تصنع قوة مخيفة لبعض الوقت.
ويبقى النظام العالمي الجديد الذي يتشكل حاليا مفتوحا ومرشحا لظهور رؤوس إقليمية جديدة منها الهند والبرازيل طال الزمان أو قصر سواء تحالف الروس والأمريكان أو لم يتحالفوا، ويعزز ذلك إمعان (ترمب) في استعداء العالم على أسس عنصرية.
ولذلك انقسمت الدول القوية في مختلف الأقاليم وفي مقدمتها إقليمنا إلى مجموعتين، إحداهما مثل إيران، قررت الانحياز للجانب الذي تعتقد أنه أصبح مهيمنا والذي هو حاليا، روسيا، أما المجموعة الأخرى، ومنها المملكة العربية السعودية، فقد كانت أكثر وعيا وانتهجت منهجا (براجماتيا) يتفهم النظام الجديد ويعيد تقدير الموقف الإستراتيجي بناء على التطورات الراهنة والمحتملة. ومع الحفاظ على علاقات جيدة بالأصدقاء الحاليين فلا مانع في نظر المملكة من تطوير علاقات متوازنة مع القوى المؤثرة الأخرى. فصداقة هذا لا تعني مناصبة العداء لذاك.
ومن هنا كانت جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الآسيوية تنفيذا منهجيا لهذا التوجه. فآسيا تمثل بالنسبة لنا البيت والجوار وتصنف دولها بالنسبة لنا إلى ثلاث مجموعات هي دول ذات عمق عقائدي، ودول ذات عمق مصلحي ودول بين بين. ففي حين تصنف ماليزيا وإندونيسيا ضمن المجموعة الأولى تصنف الصين واليابان ضمن المجموعة الثانية، أما الهند، على سبيل المثال، فتقع في المجموعة الثالثة لوجود أقلية مسلمة تتخطى في ثقلها مفهوم الأقلية وتؤثر في سياسات بلادها تجاهنا وتجاه العالم بشكل فعال.
وهنا أود التأكيد على ضرورة إعادة بناء الجسور مع إندونيسيا على وجه الخصوص. ذلك العملاق الإسلامي الذي تحيط به المؤامرات العالمية لتفتيته وإبعاده عن عمقه الطبيعي وامتداده التاريخي.
ولا بد من التأكيد أيضا قبل الختام على أن أسباب النجاح تم توفيرها بشكل تام والأبواب الآسيوية أشرعت على مصاريعها خلال جولة سابقة لولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لدخول بلادنا في مرحلة جديدة من التوازن بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، لتعزيز موقع بلادنا القيادي في المنطقة وضمان استمرارها في صيانة تاريخ عريق من العلاقات الدولية التي يشهد العالم كله بأنها تسهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين.
ويستمر لافروف في وصفه للنظام العالمي الذي ينشده بأنه نظام تتمتع فيه كافة الدول صغيرة كانت أو كبيرة بالاستقلال والسيادة الوطنية الكاملة والاحترام المتبادل. ويستشهد بعلاقات بلاده بدول مثل إيران ومصر وسوريا كتطبيق لعالم (اليوتوبيا) الذي يتخيله. ولذلك هو يدعو لتفكيك حلف شمال الأطلسي (النيتو) بصفته أداة متقادمة من أدوات الحرب الباردة.
ولا عجب بأن موقف لافروف من النيتو وأوروبا الموحدة يتطابق، رغم تضارب الإشارات، مع موقف الرئيس (ترمب) ما يوحي بوجود تناغم من المبكر وصفه بالتحالف بين حكومة بوتين والإدارة الأمريكية الجديدة ورغبة الطرفين العارمة في تخطي تفكيك الأطلسي إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي.
وبالطبع لا يختلف أي من المحللين السياسيين مع لافروف في أن العالم أصبح فعلاً بحاجة لنظام أمني عالمي جديد. ولكن يبدو أن وزير الخارجية الروسي تعمد تجاهل حقيقة أن النظام العالمي الجديد بدا بالتشكل فعلا منذ بداية الألفية الجديدة وأن ملامحه الأساسية أضحت واضحة بشكل لا تخطئه العين. وأنه على عكس ما يرغب، نظام «متعدد الرؤوس» مازال الغرب حاضرا فيه برأسين هما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وإن بدت بينهما خلافات مرحلية يراهن هو على تعميقها بالإيحاء بتحالف قوي بين بوتين و(ترمب)، ومتجاهلا أيضا ضيق مساحة مناورة الإدارة الأمريكية في مواجهة دولة مؤسسات أمريكية عميقة، خاصة إذا ما وصلت الأمور حدّ المساس بالتحالف الإستراتيجي والانتماء العرقي التاريخي لأي إدارة أمريكية بأوروبا.
وحتى إن بدا أن روسيا متحالفة في الظاهر أيضاً مع الصين، إلا أن تقربها لأمريكا ترمب يفضح قلقها وتخوفها العميق من العملاق الصيني ذي الرأس الكبير الذي يلقي بظلاله الثقيلة على كل آسيا بصفة عامة، وعلى جيرانه القريبين ومنهم روسيا نفسها واليابان وكوريا، على وجه الخصوص. وما تحالف روسيا مع دكتاتوريات معروفة في جوارها وفي منطقتنا سوى محاولة يائسة للحفاظ على وضع الدولة العظمى الذي تعلم جيدا أنها ليست مؤهلة للبقاء به طويلا، فالقوة النووية التي تعول روسيا عليها كثيرا لا يمكن أن تصنع دولة عظمى كل الوقت وإن كانت يمكن أن تصنع قوة مخيفة لبعض الوقت.
ويبقى النظام العالمي الجديد الذي يتشكل حاليا مفتوحا ومرشحا لظهور رؤوس إقليمية جديدة منها الهند والبرازيل طال الزمان أو قصر سواء تحالف الروس والأمريكان أو لم يتحالفوا، ويعزز ذلك إمعان (ترمب) في استعداء العالم على أسس عنصرية.
ولذلك انقسمت الدول القوية في مختلف الأقاليم وفي مقدمتها إقليمنا إلى مجموعتين، إحداهما مثل إيران، قررت الانحياز للجانب الذي تعتقد أنه أصبح مهيمنا والذي هو حاليا، روسيا، أما المجموعة الأخرى، ومنها المملكة العربية السعودية، فقد كانت أكثر وعيا وانتهجت منهجا (براجماتيا) يتفهم النظام الجديد ويعيد تقدير الموقف الإستراتيجي بناء على التطورات الراهنة والمحتملة. ومع الحفاظ على علاقات جيدة بالأصدقاء الحاليين فلا مانع في نظر المملكة من تطوير علاقات متوازنة مع القوى المؤثرة الأخرى. فصداقة هذا لا تعني مناصبة العداء لذاك.
ومن هنا كانت جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الآسيوية تنفيذا منهجيا لهذا التوجه. فآسيا تمثل بالنسبة لنا البيت والجوار وتصنف دولها بالنسبة لنا إلى ثلاث مجموعات هي دول ذات عمق عقائدي، ودول ذات عمق مصلحي ودول بين بين. ففي حين تصنف ماليزيا وإندونيسيا ضمن المجموعة الأولى تصنف الصين واليابان ضمن المجموعة الثانية، أما الهند، على سبيل المثال، فتقع في المجموعة الثالثة لوجود أقلية مسلمة تتخطى في ثقلها مفهوم الأقلية وتؤثر في سياسات بلادها تجاهنا وتجاه العالم بشكل فعال.
وهنا أود التأكيد على ضرورة إعادة بناء الجسور مع إندونيسيا على وجه الخصوص. ذلك العملاق الإسلامي الذي تحيط به المؤامرات العالمية لتفتيته وإبعاده عن عمقه الطبيعي وامتداده التاريخي.
ولا بد من التأكيد أيضا قبل الختام على أن أسباب النجاح تم توفيرها بشكل تام والأبواب الآسيوية أشرعت على مصاريعها خلال جولة سابقة لولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لدخول بلادنا في مرحلة جديدة من التوازن بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، لتعزيز موقع بلادنا القيادي في المنطقة وضمان استمرارها في صيانة تاريخ عريق من العلاقات الدولية التي يشهد العالم كله بأنها تسهم في تعزيز السلم والاستقرار العالميين.