-A +A
سعيد السريحي
ثمة سوق سوداء تدار علنا وعلى رؤوس الأشهاد في ظل صمت مريب عنها وغض طرف عجيب عمن يديرونها ويروجون لها ويستفيدون منها ويتضررون من عملياتها، تلك السوق السوداء تتمثل في المبالغة القبيحة في طلب الديات وما يرتبط بها من حملات استجداء يرتهن الذين يقومون بجمعها لخيارين إما توفير مبلغ الدية ومن ثم تنازل أصحاب الدم أو تعريض المحكوم عليه للقتل قصاصا.

كنت قد كتبت قبل سنتين حين بلغت المطالبة بإحدى الديات عشرة ملايين، أن علينا أن نتوقع أن نشهد مطالبة بمبلغ مائة مليون إن لم يتم التصدي لهذه الظاهرة، ومنذ ذلك التاريخ والمطالبة بالديات تتصاعد حتى بلغ آخر مبلغ فيها ٣٧ مليون ريال، وهو ما يعني أن المطالبة بمبلغ المائة مليون باتت أمرا وشيكا وأن سمعتنا كشعب يتاجر في الديات علنا باتت أمرا لا يستطيع أحد أن ينكره.


ولما لم يكن لبعض الأصوات المنكرة لمثل هذه السمسرة أن تصحح مما يحدث شيئا، كما لم يكن للنصائح والتوجيهات التي يقدمها بعض المسؤولين أن تجدي فإن المسألة باتت بحاجة إلى سن تشريع يوقف هذه السوق السوداء للديات وتنظيم يضع حدا لها، ولكي يتحقق ذلك لابد من اتخاذ إجرائين في وقت واحد: يتمثل الأول في إيقاف تنفيذ حد القصاص، إيقاف التنفيذ وليس إلغاء الحكم، وإيقاف التنفيذ يجيء تفعيلا لقاعدة درء الحدود بالشبهات، والشبهة في هذه الحالة هي قبول أصحاب الدم بالدية بديلا للقصاص، ذلك أن القبول بالدية، حتى وإن جاء مشروطا بزمان محدد ومبلغ مبالغ فيه، يكفي أن يكون سببا في تأجيل تنفيذ حد القصاص.

أما الإجراء الثاني الذي ينبغي اعتماده فهو إخضاع المطالبين بتلك الديات للمساءلة والمحاسبة، وإذا كان النظام يدين من يزيد في سعر الباذنجان ريالا واحدا فليس للنظام نفسه أن يغض الطرف عمن يزيد في مبلغ الدية المقرر شرعا عشرات الأضعاف ويتخذها وسيلة للابتزاز والتربح، معرضا سمعة شعب بأكمله لكي يقال عنه إنه شعب لا يستحي أن يتاجر حتى بدماء الضحايا من أبنائه.