ذهبت أخيرا الى إحدى المكتبات الشهيرة في جدة، بواجهات لامعة وإعلانات مصقولة وقلت «يوريكا» مثل أرشميدس الذي وجد ضالته، فهنا بالتأكيد، وأخيراً، سوف أجد ضالتي من المراجع التي أريدها. ذهبت وكلي أمل أن أجد الكتب المتميزة لكتابنا المحليين.. وانتبهوا أيها السادة والسيدات لكلمة (المحليين)؛ أي أنني لم أبحث عن كتب لكتّاب من الصين أو لجزر الكاريبي أو بوركينا فاسو! قصدت مكتبة في السعودية لشراء إنتاجات كتابنا السعوديين.
بدأت رحلة التنقيب هذه بكل التفاؤل الممكن، متجولة بين الأرفف المنسقة إلى أن وصلت لقسم النقد الأدبي ووجدت الجزء الثاني من «المرأة واللغة» للدكتور عبدالله الغذامي. فرحت به ولكن فرحتي لم تتم، فأين الجزء الأول؟ بحثت بلا ثمرة. ثم انتقلت بعدها لقسم الروايات، فلم أجد مما كنت أبحث عنه إلا رواية واحدة فقط!
قلت في نفسي بالتأكيد سأجد الكتب التي أريدها في فروع أخرى، فوقفت لأسأل الموظف المختص بالبحث على الكمبيوتر، وهذا حوارنا:
«محسوبتكم» أنا: أبحث عن كتب ولم أجدها فهل يمكنني إعطاؤك أسماءها؟
الموظف: كل الكتب الموجودة معروضة ولكنني سأساعدك.
أنا: يا ريت، إنني أبحث عن كتاب المرأة واللغة الجزء الأول لعبدالله الغذامي.
الموظف: لا يوجد ولكن لدينا الجزء الثاني.
أنا: نعم وجدته وأشرت إلى الكتاب في سلتي، ولكنني أبحث عن الجزء الأول فمتى سيصلكم؟
الموظف: لا أستطيع أن أعدك ولم أره من زمان.
أنا: طيب ماذا عن كتبه الأخرى التي لم أجدها مثل: «حكاية الحداثة» و«النقد الثقافي» و«الممارسة النقدية الثقافية» و«تأنيث القصيدة»؟
الموظف: لا يوجد، لا يوجد، لا يوجد، لا يوجد!
أنا: طيب، ماذا عن كتب رجاء عالم؟ لم أجد إلا رواية واحدة. أنا أبحث عن الكتب القديمة مثل قصص مجموعة «نهر الحيوان» والروايات الأخرى مثل «خاتم» و«طوق الحمام»؟
الموظف: لا توجد، لا توجد، لا توجد!
أنا: وماذا عن مؤلفات عابد خزندار؟ (قلت الاسم بمرارة وباغتني «فلاش باك» حزين وأنا أذكر العم عابد، صديق والدي المقرب جدا، منذ أيام الطفولة والى رحيلهما رحمة الله عليهما. تذكرت والدي وتذكرت العم عابد أيضا وكم من كتاب أهداه موقعا بإمضائه إلى والدي، كتب قيمة فقدت مع التنقلات والزمن ولكنني أنقذت منها اثنين حفظتهما بعناية في مكتبتي).
سألته: أين «رواية ما بعد الحداثة» و«الربع الخالي» و«المصطلح السردي» و«البيان في القرآن»؟
الموظف: غير متوفر، غير متوفر، غير متوفر، غير متوفر.
وبعدما سألته عن مجموعة من الكتّاب والكتب الغائبة أو المغيبة، قلت:
أنا: أين ممكن أن أجد كل هذه الكتب؟
الموظف: يا سيدتي لو استطعت زيارة معرض الكتاب في الرياض يمكن أن تجدي بعضاً منها.
أنا: الرياض! يا ريتني أستطيع الذهاب، قلتها في نفسي، ولكنني إذا أردت الذهاب إلى الصيدلية القريبة من المنزل تتحول المسألة إلى معادلة نحتاج لآينشتاين لحلها: أين السائق، السائق تأخر، السائق يصلي، السائق بعيد، السائق اختفى! فكيف لي أن أصل إلى الرياض مرة واحدة! وتخيلت مجرد خيال أن لدي قطارا فائق السرعة «انتر سيتي» أصعد فيه صباحاً من جدة لأصل بعد ساعات إلى الرياض ومن هناك آخذ المترو وأذهب إلى معرض الكتاب، الموضوع بدا في تلك اللحظة بنفس السهولة التي نطق بها الموظف.
قال الموظف ليقطع خيالاتي: أو الحل الأفضل اذهبِ إلى بيروت أو القاهرة فسوف تجدين كل المؤلفات التي تبحثين عنها للكتاب السعوديين هناك!
حملت الكتاب اليتيم الذي وجدته على الأرفف وهو الجزء الثاني «للمرأة واللغة» ومررت بقرب الكاشيرات وأنا أنظر للكافيه الملحقة بالمكتبة المليئة بالزبائن، أعطيت الكتاب للكاشير ودفعت ثمنه: 22 ريالا فقط! ثمناً متواضعاً لكتاب قيم، يقل عن ثمن كوب (اللاتيه) في الكافيه المجاورة.
كتبنا تتوفر وتباع في مكتبات بالخارج ولا تباع لدينا؛ يكسب منها البائع والناشر والموزع الخارجي ولا يكسب كتّابنا إلا الدريهمات القليلة! وحتى فرانشايز القهوة العالمية تكسب «على حس المكتبات» ونحن نخرج قراءً وكتاباً بخفي حنين. فلا القارئ يجد ضالته ولا المؤلف ينال حقه.
هذا ثمن ثقافتنا وهذا مصير الكتاب لدينا وهذا قدر المبدعين في عالمنا.
altawati@gmail.com
بدأت رحلة التنقيب هذه بكل التفاؤل الممكن، متجولة بين الأرفف المنسقة إلى أن وصلت لقسم النقد الأدبي ووجدت الجزء الثاني من «المرأة واللغة» للدكتور عبدالله الغذامي. فرحت به ولكن فرحتي لم تتم، فأين الجزء الأول؟ بحثت بلا ثمرة. ثم انتقلت بعدها لقسم الروايات، فلم أجد مما كنت أبحث عنه إلا رواية واحدة فقط!
قلت في نفسي بالتأكيد سأجد الكتب التي أريدها في فروع أخرى، فوقفت لأسأل الموظف المختص بالبحث على الكمبيوتر، وهذا حوارنا:
«محسوبتكم» أنا: أبحث عن كتب ولم أجدها فهل يمكنني إعطاؤك أسماءها؟
الموظف: كل الكتب الموجودة معروضة ولكنني سأساعدك.
أنا: يا ريت، إنني أبحث عن كتاب المرأة واللغة الجزء الأول لعبدالله الغذامي.
الموظف: لا يوجد ولكن لدينا الجزء الثاني.
أنا: نعم وجدته وأشرت إلى الكتاب في سلتي، ولكنني أبحث عن الجزء الأول فمتى سيصلكم؟
الموظف: لا أستطيع أن أعدك ولم أره من زمان.
أنا: طيب ماذا عن كتبه الأخرى التي لم أجدها مثل: «حكاية الحداثة» و«النقد الثقافي» و«الممارسة النقدية الثقافية» و«تأنيث القصيدة»؟
الموظف: لا يوجد، لا يوجد، لا يوجد، لا يوجد!
أنا: طيب، ماذا عن كتب رجاء عالم؟ لم أجد إلا رواية واحدة. أنا أبحث عن الكتب القديمة مثل قصص مجموعة «نهر الحيوان» والروايات الأخرى مثل «خاتم» و«طوق الحمام»؟
الموظف: لا توجد، لا توجد، لا توجد!
أنا: وماذا عن مؤلفات عابد خزندار؟ (قلت الاسم بمرارة وباغتني «فلاش باك» حزين وأنا أذكر العم عابد، صديق والدي المقرب جدا، منذ أيام الطفولة والى رحيلهما رحمة الله عليهما. تذكرت والدي وتذكرت العم عابد أيضا وكم من كتاب أهداه موقعا بإمضائه إلى والدي، كتب قيمة فقدت مع التنقلات والزمن ولكنني أنقذت منها اثنين حفظتهما بعناية في مكتبتي).
سألته: أين «رواية ما بعد الحداثة» و«الربع الخالي» و«المصطلح السردي» و«البيان في القرآن»؟
الموظف: غير متوفر، غير متوفر، غير متوفر، غير متوفر.
وبعدما سألته عن مجموعة من الكتّاب والكتب الغائبة أو المغيبة، قلت:
أنا: أين ممكن أن أجد كل هذه الكتب؟
الموظف: يا سيدتي لو استطعت زيارة معرض الكتاب في الرياض يمكن أن تجدي بعضاً منها.
أنا: الرياض! يا ريتني أستطيع الذهاب، قلتها في نفسي، ولكنني إذا أردت الذهاب إلى الصيدلية القريبة من المنزل تتحول المسألة إلى معادلة نحتاج لآينشتاين لحلها: أين السائق، السائق تأخر، السائق يصلي، السائق بعيد، السائق اختفى! فكيف لي أن أصل إلى الرياض مرة واحدة! وتخيلت مجرد خيال أن لدي قطارا فائق السرعة «انتر سيتي» أصعد فيه صباحاً من جدة لأصل بعد ساعات إلى الرياض ومن هناك آخذ المترو وأذهب إلى معرض الكتاب، الموضوع بدا في تلك اللحظة بنفس السهولة التي نطق بها الموظف.
قال الموظف ليقطع خيالاتي: أو الحل الأفضل اذهبِ إلى بيروت أو القاهرة فسوف تجدين كل المؤلفات التي تبحثين عنها للكتاب السعوديين هناك!
حملت الكتاب اليتيم الذي وجدته على الأرفف وهو الجزء الثاني «للمرأة واللغة» ومررت بقرب الكاشيرات وأنا أنظر للكافيه الملحقة بالمكتبة المليئة بالزبائن، أعطيت الكتاب للكاشير ودفعت ثمنه: 22 ريالا فقط! ثمناً متواضعاً لكتاب قيم، يقل عن ثمن كوب (اللاتيه) في الكافيه المجاورة.
كتبنا تتوفر وتباع في مكتبات بالخارج ولا تباع لدينا؛ يكسب منها البائع والناشر والموزع الخارجي ولا يكسب كتّابنا إلا الدريهمات القليلة! وحتى فرانشايز القهوة العالمية تكسب «على حس المكتبات» ونحن نخرج قراءً وكتاباً بخفي حنين. فلا القارئ يجد ضالته ولا المؤلف ينال حقه.
هذا ثمن ثقافتنا وهذا مصير الكتاب لدينا وهذا قدر المبدعين في عالمنا.
altawati@gmail.com