فوجئت بسؤال قوي من أحد الأصدقاء في عشاء كنا نحضره سويا، إذ قال لي «هل تعتبرون مجتمعا متسامحا؟»، وأخذت في التفكير والتدبر في عمق السؤال قبل الإجابة عنه. وبدأت استرجع مواقف مختلفة للعدوانية والعنصرية والتمييز الصريح وكنت أحاول أن أبرر بيني وبين نفسي وأجد الأعذار، ولكني توقفت بعد أن وجدت الواقع أشد وجعا وأكثر إيلاما. ولعل القرار الإداري الأخير الذي تم اتخاذه بالتحذير الشديد ضد كافة أوجه التعصب الرياضي سواء في الملاعب الرياضية أو ضمن الوسائل الإعلامية بمختلف أشكالها. والتعصب الرياضي في الملاعب السعودية لم يعد يأخذ أشكالا «اعتيادية» من التعصب لأندية ضد أخرى بل تحول إلى ممارسات عنصرية وطائفية وقبلية عنيفة جدا تهدد السلم الاجتماعي، والمؤسف أن هذا المسلك المشين في واقع الأمر ما هو إلا مرآة حزينة وقبيحة للعديد من التصرفات والسلوكيات المجتمعية التي تحولت إلى مسلمات وجزء من الحوار اليومي الذي يمر بلا رادع ولا عقوبة، ويبتسم ويسخر من الجميع دون إحساس بالخجل والعيب والعار. التسامح قيمة إنسانية مهمة جسدها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثه الشريف حينما قال «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، وهذا مقام عظيم قال عنه المصطفى صلى الله عليه وسلم إن الإيمان لا يكتمل إلا حينما تتحقق الأخوة والمحبة في تلك الأخوة وبالتالي امتلاء المساجد بالمصلين والاحتفاء بالشعائر الدينية وحدها غير كاف في غياب التسامح المطبق بين البشر ومن الأخوة. وغياب ذلك أدى إلى تطبيق «العنصرية الهادئة»، وهي أدوات تمييز تم «الاعتراف» بها وشرعنتها بالتدريج، فلا يتم توظيف إلا من هم أصحاب العقيدة النقية (وهي ممارسة لا تتم بالعلن)، ولكن توجد «قوى» تشكك في عقائد البعض كافية بأن تدمر سمعته ومستقبله المهني تماما كما يحصل في بدعة «تطليق» الزواج نظرا لعدم تكافؤ النسب (وهي مسألة بدعية إذ لا تحصل في أي مجتمع آخر) ولكنها أسلوب آخر لتحقيق وتأصيل الحواجز العنصرية التي تكون جدران عزل حقيقية بين أفراد المجتمع الواحد، وهي مسألة تتحول بالتدريج إلى عصبية خطيرة من رواسب الجاهلية تجعل الإنسان الضعيف العنصري الجاهل يتمسك بانتمائه العرقي أو المناطقي أو العائلي أو القبلي والمذهبي على حساب انتمائه الوطني الشمولي. إننا أمام مشاهد حزينة لا تستحق معها اللين أو المجاملة. مشاهد سرطانية خبيثة في الجسد الوطني وتهدده وهي مشاهد لا تستحق إلا العلاج الكيماوي الحارق والذي يواجه المرض ويستأصله من جذوره. العنصرية سرطان يجب القضاء عليه وعدم التبرير له ولا الدفاع عنه.