alitawati@
كم كانت مفاجئة نتائج البحوث العلمية الأمريكية التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية بمناسبة تقديم الساعة في معظم أمريكا الشمالية وأوروبا وبعض دول الشرق الأوسط ساعة واحدة عند الثانية من صباح ثاني يوم أحد في شهر مارس، بدعوى توفير ساعة إضافية من النهار للعاملين وتوفير فاتورة الطاقة بالمنازل في المساء.
فلقد رصد الباحثون مخاطر جمة ذات ارتباط وثيق بهذه الممارسة على حياة الإنسان، منها حدوث ارتفاع مفاجئ في عدد الإصابات بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية، وانخفاض الإنتاجية في يوم تقديم الساعة واليوم الذي يليه. وحتى ديباجات الأحكام القضائية التي يصدرها القضاة الفدراليون في اليوم الذي يلي يوم تقدم الساعة في أمريكا، لوحظ أنها تزيد بنسبة 5% في المتوسط عن باقي الأيام. أما التوفير في فاتورة الطاقة فلقد ثبت أيضا أنه غير صحيح.
ورغم عدم انضمام ولايتي أريزونا وهاواي لممارسة تقديم الساعة منذ البداية، إلا أن كافة الضغوط والمحاولات فشلت في تمرير مشروع قانون فدرالي لإلغائها على مستوى الاتحاد الأمريكي.
والحقيقة أن بدعة تقديم الوقت صيفا وتأخيره شتاء تنطوي على خدعة رخيصة ظاهرها أن صاحب العمل يريد أن يضمن للعامل ساعة إضافية من ضوء النهار، وباطنها أنه يريد تشغيله ساعة إضافية على حساب راحته وصحته، بل وحياته في بعض الأحيان. أما ابتداع هذه الممارسة أثناء الحرب العالمية الثانية التي كانت معظم معاركها نهارية فيتضمن هدفا خبيثا، ربما لم يتنبه له أحد، وهو إطالة ساعات القتال النهاري للجندي الواحد في ضوء تزايد الإصابات وتناقص أعداد الجنود.
ولئن ابتدع الغرب تقديم الساعات وتأخيرها لتحقيق أغراض بعينها فلقد عرف العرب – قبل الإسلام – أيضا تأخير بعض الشهور لأغراض مختلفة. وعرفت الممارسة العربية بمفردة «النسيء» وتعني فيما تعني «التأخير» وكانت ترقى إلى حدّ الشعيرة التي يختص بها أناس أجمع عليهم العرب دون غيرهم يؤخرون الشهور حتى يجعلون صفر المحرم فيحلون ما حرم الله بالاقتتال وسفك الدماء. والنسيء بهذا المعنى تلاعب في الوقت والتاريخ، ولذلك كانت آية النسيء في القرآن الكريم حاسمة في التغليظ بحرمته باعتباره زيادة في الكفر بحسب ما ورد في قوله تعالى «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (37) التوبة. ولقد حج بعض الصحابة رضوان الله عليهم مرتين في ذي القعدة، حتى حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع التي وافق فيها ذا الحجة، والتي أنصت الناس فيها لخطبته التاريخية الشهيرة التي قال من ضمن ما قال فيها «((إنَّ الزَّمَانَ قَدِ استدار كهيئته يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ: السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً، مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَة، وذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ (2) الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشعْبَانَ، أيُّ شَهْر هَذَا؟)) قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَننَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: ((ألَيْسَ ذَا الحِجَّةِ؟)) قُلْنَا: بَلَى.. حتى قَالَ: ((فَإنَّ دِمَاءكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عليكم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقُونَ رَبَّكُمْ فَيَسْألُكُمْ عَنْ أعْمَالِكُمْ، ألا فَلا تَرْجعوا بعدي كُفّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض، ألا لَيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أنْ يَكُونَ أوْعَى لَهُ مِنْ بَعْض مَنْ سَمِعَهُ))، ثُمَّ قَالَ: ((إلاَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللهم فاشهد)). وها قد بلغنا وربما كنا بمعرفتنا في هذا العصر أوعى له من بعض من سمعه. ومن يومها تم تثبيت التسلسل الطبيعي للأشهر العربية في السنة دون تقديم ولا تأخير، حقنا لدماء الناس وصيانة لحقوقهم.
ولم يعدم الإسلام حلا بالنسبة للتوفيق بين طول ليل الشتاء وقرّه وركون الكائنات الحية فيه للبيات، وطول نهار الصيف والتكيف مع حره بالتبكير بالعمل، دون اللجوء للنسيء، وذلك من خلال الحفاظ على أوقات الصلاة التي كانت مطابقة للحركة الطبيعية للكون. فالنهار يبدأ عند المسلمين بعد صلاة الفجر وينتهي بصلاة المغرب، ولذلك عرف المسلمون «التوقيت الغروبي» الذي تضبط الساعات فيه على طول النهار وقصره مع التدرج في تغيير مواعيد النوم والاستيقاظ لتتوافق تماما مع التغيرات الفصلية المتدرجة للوقت، فلا يشعر المسلم سواء كان عاملا أو غير عامل بأنه استيقظ رغما عنه لأن حركته مطابقة لحركة الكون، ولا يتعرض بالتالي لما يتعرض له من يقدمون له الساعة في يوم محدد فتكون النتيجة ما كشفت عنه الأبحاث الحديثة.
حكمة إلهية عليا، تلك التي وردت في الآية الكريمة، وتنظيم تنفيذي نبوي مذهل في تثبيت ترتيب الشهور وتوقيتات الصلاة، ونظرة ثاقبة من الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تثبيت أول المحرم الموافق للهجرة النبوية كأول شهر في السنة الهجرية، ودرس مجاني للعالم من دين الفطرة دين التوافق مع النواميس الكونية.. دين الإسلام.
altawati@gmail.com
كم كانت مفاجئة نتائج البحوث العلمية الأمريكية التي تناقلتها وكالات الأنباء العالمية بمناسبة تقديم الساعة في معظم أمريكا الشمالية وأوروبا وبعض دول الشرق الأوسط ساعة واحدة عند الثانية من صباح ثاني يوم أحد في شهر مارس، بدعوى توفير ساعة إضافية من النهار للعاملين وتوفير فاتورة الطاقة بالمنازل في المساء.
فلقد رصد الباحثون مخاطر جمة ذات ارتباط وثيق بهذه الممارسة على حياة الإنسان، منها حدوث ارتفاع مفاجئ في عدد الإصابات بالأزمات القلبية والسكتات الدماغية، وانخفاض الإنتاجية في يوم تقديم الساعة واليوم الذي يليه. وحتى ديباجات الأحكام القضائية التي يصدرها القضاة الفدراليون في اليوم الذي يلي يوم تقدم الساعة في أمريكا، لوحظ أنها تزيد بنسبة 5% في المتوسط عن باقي الأيام. أما التوفير في فاتورة الطاقة فلقد ثبت أيضا أنه غير صحيح.
ورغم عدم انضمام ولايتي أريزونا وهاواي لممارسة تقديم الساعة منذ البداية، إلا أن كافة الضغوط والمحاولات فشلت في تمرير مشروع قانون فدرالي لإلغائها على مستوى الاتحاد الأمريكي.
والحقيقة أن بدعة تقديم الوقت صيفا وتأخيره شتاء تنطوي على خدعة رخيصة ظاهرها أن صاحب العمل يريد أن يضمن للعامل ساعة إضافية من ضوء النهار، وباطنها أنه يريد تشغيله ساعة إضافية على حساب راحته وصحته، بل وحياته في بعض الأحيان. أما ابتداع هذه الممارسة أثناء الحرب العالمية الثانية التي كانت معظم معاركها نهارية فيتضمن هدفا خبيثا، ربما لم يتنبه له أحد، وهو إطالة ساعات القتال النهاري للجندي الواحد في ضوء تزايد الإصابات وتناقص أعداد الجنود.
ولئن ابتدع الغرب تقديم الساعات وتأخيرها لتحقيق أغراض بعينها فلقد عرف العرب – قبل الإسلام – أيضا تأخير بعض الشهور لأغراض مختلفة. وعرفت الممارسة العربية بمفردة «النسيء» وتعني فيما تعني «التأخير» وكانت ترقى إلى حدّ الشعيرة التي يختص بها أناس أجمع عليهم العرب دون غيرهم يؤخرون الشهور حتى يجعلون صفر المحرم فيحلون ما حرم الله بالاقتتال وسفك الدماء. والنسيء بهذا المعنى تلاعب في الوقت والتاريخ، ولذلك كانت آية النسيء في القرآن الكريم حاسمة في التغليظ بحرمته باعتباره زيادة في الكفر بحسب ما ورد في قوله تعالى «إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ» (37) التوبة. ولقد حج بعض الصحابة رضوان الله عليهم مرتين في ذي القعدة، حتى حج النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع التي وافق فيها ذا الحجة، والتي أنصت الناس فيها لخطبته التاريخية الشهيرة التي قال من ضمن ما قال فيها «((إنَّ الزَّمَانَ قَدِ استدار كهيئته يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ: السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرَاً، مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ: ثَلاثٌ مُتَوالِياتٌ: ذُو القَعْدَة، وذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ (2) الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشعْبَانَ، أيُّ شَهْر هَذَا؟)) قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أعْلَمُ، فَسَكَتَ حَتَّى ظَننَّا أنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ، قَالَ: ((ألَيْسَ ذَا الحِجَّةِ؟)) قُلْنَا: بَلَى.. حتى قَالَ: ((فَإنَّ دِمَاءكُمْ وَأمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عليكم حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا في بَلَدِكُمْ هَذَا في شَهْرِكُمْ هَذَا، وَسَتَلْقُونَ رَبَّكُمْ فَيَسْألُكُمْ عَنْ أعْمَالِكُمْ، ألا فَلا تَرْجعوا بعدي كُفّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْض، ألا لَيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يَبْلُغُهُ أنْ يَكُونَ أوْعَى لَهُ مِنْ بَعْض مَنْ سَمِعَهُ))، ثُمَّ قَالَ: ((إلاَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللهم فاشهد)). وها قد بلغنا وربما كنا بمعرفتنا في هذا العصر أوعى له من بعض من سمعه. ومن يومها تم تثبيت التسلسل الطبيعي للأشهر العربية في السنة دون تقديم ولا تأخير، حقنا لدماء الناس وصيانة لحقوقهم.
ولم يعدم الإسلام حلا بالنسبة للتوفيق بين طول ليل الشتاء وقرّه وركون الكائنات الحية فيه للبيات، وطول نهار الصيف والتكيف مع حره بالتبكير بالعمل، دون اللجوء للنسيء، وذلك من خلال الحفاظ على أوقات الصلاة التي كانت مطابقة للحركة الطبيعية للكون. فالنهار يبدأ عند المسلمين بعد صلاة الفجر وينتهي بصلاة المغرب، ولذلك عرف المسلمون «التوقيت الغروبي» الذي تضبط الساعات فيه على طول النهار وقصره مع التدرج في تغيير مواعيد النوم والاستيقاظ لتتوافق تماما مع التغيرات الفصلية المتدرجة للوقت، فلا يشعر المسلم سواء كان عاملا أو غير عامل بأنه استيقظ رغما عنه لأن حركته مطابقة لحركة الكون، ولا يتعرض بالتالي لما يتعرض له من يقدمون له الساعة في يوم محدد فتكون النتيجة ما كشفت عنه الأبحاث الحديثة.
حكمة إلهية عليا، تلك التي وردت في الآية الكريمة، وتنظيم تنفيذي نبوي مذهل في تثبيت ترتيب الشهور وتوقيتات الصلاة، ونظرة ثاقبة من الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تثبيت أول المحرم الموافق للهجرة النبوية كأول شهر في السنة الهجرية، ودرس مجاني للعالم من دين الفطرة دين التوافق مع النواميس الكونية.. دين الإسلام.
altawati@gmail.com