@khalid_tashkndi
يدور في الكواليس بين المراقبين والخبراء والمحللين الإستراتيجيين أن القمة العربية التي ستعقد نهاية مارس الجاري في المملكة الأردنية ستشهد مفاجأة ومبادرة هامة في ما يتعلق بالظروف الراهنة في المنطقة وتحديداً الأزمة السورية، وكانت هناك تكهنات حول احتمالية مشاركة ممثل للنظام السوري والسعي نحو مصالحة عربية شاملة مع نظام بشار الأسد خاصة أن روسيا وجهت لها دعوة للحضور، ولعل ما عزز هذه التكهنات هو رفع العلم السوري بجانب أعلام الدول العربية المشاركة في القمة، إلا أن الخارجية الأردنية نفت مشاركة النظام السوري في القمة العربية، ولكن ما زال البعض يعقد الآمال على الحلول الممكنة التي ستطرح في المبادرة المزمع تقديمها خلال جلسات القمة.
والحقيقة هي أن واقع الأزمة السورية أشد تعقيداً ويختلف كثيراً عن باقي أزمات المنطقة التي اندلعت قبل ست سنوات حين أشعل البوعزيزي جسده ليشعل بعدهاً ما سمي بربيع الثورات التي أطاحت بعدد من الأنظمة الحاكمة في العالم العربي التي اتسمت بخليط ومزيج من السلطوية المفرطة والتوتاليتارية (الشمولية)؛ ففي تونس على سبيل المثال سقط رأس النظام والطبقات العليا منه فقط ثم عالج البرلمان والأحزاب والتشكيلات السياسية صياغة دستور توافقي راعى الأطر الديموقراطية المنشودة وبالتالي انتهت الثورة وأصبحت الاحتجاجات في شارع بورقيبة هامشية وغير مؤثرة، وفي مصر لم يخض الرئيس السابق حسني مبارك في مواجهة مسلحة مع الشعب بل قرر التنحي ثم دخلت البلاد في صراع سياسي على السلطة نجحت فيه المؤسسة العسكرية بالدخول المباشر في معترك العملية السياسية خلال فترة التحول نحو الديموقراطية وساهم في ذلك ما يحظى به الجيش المصري من تقدير شعبي في ذاكرة المصريين من ناحية، وفشل جماعة الإخوان في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والتخلص من الأجندات والأيديولوجيات التي توارثتها الجماعة منذ نشأتها، وفي الحالة الليبية سقط النظام برمته وتغلغل الحركيون في مفاصل هيكل الدولة مستغلين حالة الفراغ السياسي والأمني التي خلفها سقوط نظام القذافي ونجم عن ذلك السيطرة على المؤتمر الوطني «البرلمان» وإفشال محاولات صياغة دستور يقضي على النزعة السلطوية لدى هذه الجماعات فبقيت الخلافات التي دفعت ليبيا نحو المواجهة مع هذه الجماعات، وعلى صعيد الأزمة اليمنية، تنحى رأس النظام تكتيكياً بعد الضغوط الشعبية الجارفة التي اندفعت لخلعه وبقي النظام العسكري الموالي للرئيس المخلوع فتطورت على يده سلسلة من الأزمات انتهت بالانقلاب على الحكومة الشرعية لتعطيل مسيرة العملية الديموقراطية في اليمن فاشتعلت المواجهة بين الحكومة المنتخبة ديموقراطيا وفق مطالب الشعب ومليشيات الرئيس المخلوع الذي استعان بإيران لفرض بقائه مقابل تحقيق أجنداتها الإقليمية ولكن بدأ في التقهقر بعد استعانة الشرعية بقوات التحالف العربي الإسلامي بقيادة المملكة وشارفت الأزمة على الانتهاء تدريجياً.
أما في حالة الأزمة السورية فالحقائق مريرة للغاية، وتفوق أي حلول أو مبادرات عربية وإقليمية في هذا الشأن، فالصراع القائم حالياً ليس سورياً ولا إقليمياً كما يبدو، إذ تم تدويل هذا الصراع، فعلى الأراضي السورية يوجد صراع قائم بين تحالفات دولية وأقطاب عالمية لا تشترك في الرؤى والأهداف، والقوى العظمى والعالمية التي امتدت أذرعها وجيوبها المسلحة داخل الأراضي السورية لديها مصالح متضاربة ومتضادة، فالمصالح الروسية متجذرة في سورية منذ عام 1971 حين وقع البلدان اتفاقية بناء قاعدة روسية على ميناء طرطوس لإمداد وصيانة الأسطول الروسي «السوفياتي سابقا» بالبحر المتوسط، وأصبحت طرطوس الميناء الدافئ الوحيد لروسيا وشرفتها الإستراتيجية المطلة على المتوسط، وفي ظل الأزمات الروسية مع المعسكر الغربي في أوروبا والولايات المتحدة والعثرة الأوكرانية التي عرقلت تمدد مشاريع نقل الطاقة الروسية باتجاه أوروبا (Pipeline Politics)، انخرطت كبرى الشركات الروسية في تنفيذ مشاريع عدة في مجال الطاقة وإمدادات التابلاين من خلال مسارات أخرى عبر دول البلقان وجميعها تنصب في نهايتها تجاه سورية، وبالتالي فإن سورية تعد بالنسبة إلى الروس بلداً محورياً يخدم تطلعاتها الجيوسياسية، ولذلك هي تخشى حالياً من أي نظام بديل قد يضرب مصالحها الإستراتيجية في سورية، وحاولت أن تقترح حلولا على المعارضة بالاندماج تحت مظلة النظام مقابل خروج الأسد إلا أن التدخلات الخارجية وتمويل المعارضة والدعم الذي حظيت به من قبل المعسكر الغربي الآخر، دفع روسيا باتجاه دعم النظام السوري باعتباره أمراً مصيرياً.
لذلك.. قمة الدول العربية لن تحل وتربط شيئاً في ما يخص الأزمة السورية التي تداخلت فيها المصالح الدولية وساهم نظام الأسد في ذلك بتقديمه تنازلات مذلة ومهينة للمصالح الإيرانية والروسية للإبقاء على نظامه القروسطي الفاشل، والقضية باتت أكبر من جمع فرقاء وتقريب وجهات نظر ورفع علم وشعارات وطنية لا موطن لها أساساً.
ktashkandi@okaz.com.sa
يدور في الكواليس بين المراقبين والخبراء والمحللين الإستراتيجيين أن القمة العربية التي ستعقد نهاية مارس الجاري في المملكة الأردنية ستشهد مفاجأة ومبادرة هامة في ما يتعلق بالظروف الراهنة في المنطقة وتحديداً الأزمة السورية، وكانت هناك تكهنات حول احتمالية مشاركة ممثل للنظام السوري والسعي نحو مصالحة عربية شاملة مع نظام بشار الأسد خاصة أن روسيا وجهت لها دعوة للحضور، ولعل ما عزز هذه التكهنات هو رفع العلم السوري بجانب أعلام الدول العربية المشاركة في القمة، إلا أن الخارجية الأردنية نفت مشاركة النظام السوري في القمة العربية، ولكن ما زال البعض يعقد الآمال على الحلول الممكنة التي ستطرح في المبادرة المزمع تقديمها خلال جلسات القمة.
والحقيقة هي أن واقع الأزمة السورية أشد تعقيداً ويختلف كثيراً عن باقي أزمات المنطقة التي اندلعت قبل ست سنوات حين أشعل البوعزيزي جسده ليشعل بعدهاً ما سمي بربيع الثورات التي أطاحت بعدد من الأنظمة الحاكمة في العالم العربي التي اتسمت بخليط ومزيج من السلطوية المفرطة والتوتاليتارية (الشمولية)؛ ففي تونس على سبيل المثال سقط رأس النظام والطبقات العليا منه فقط ثم عالج البرلمان والأحزاب والتشكيلات السياسية صياغة دستور توافقي راعى الأطر الديموقراطية المنشودة وبالتالي انتهت الثورة وأصبحت الاحتجاجات في شارع بورقيبة هامشية وغير مؤثرة، وفي مصر لم يخض الرئيس السابق حسني مبارك في مواجهة مسلحة مع الشعب بل قرر التنحي ثم دخلت البلاد في صراع سياسي على السلطة نجحت فيه المؤسسة العسكرية بالدخول المباشر في معترك العملية السياسية خلال فترة التحول نحو الديموقراطية وساهم في ذلك ما يحظى به الجيش المصري من تقدير شعبي في ذاكرة المصريين من ناحية، وفشل جماعة الإخوان في تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي والتخلص من الأجندات والأيديولوجيات التي توارثتها الجماعة منذ نشأتها، وفي الحالة الليبية سقط النظام برمته وتغلغل الحركيون في مفاصل هيكل الدولة مستغلين حالة الفراغ السياسي والأمني التي خلفها سقوط نظام القذافي ونجم عن ذلك السيطرة على المؤتمر الوطني «البرلمان» وإفشال محاولات صياغة دستور يقضي على النزعة السلطوية لدى هذه الجماعات فبقيت الخلافات التي دفعت ليبيا نحو المواجهة مع هذه الجماعات، وعلى صعيد الأزمة اليمنية، تنحى رأس النظام تكتيكياً بعد الضغوط الشعبية الجارفة التي اندفعت لخلعه وبقي النظام العسكري الموالي للرئيس المخلوع فتطورت على يده سلسلة من الأزمات انتهت بالانقلاب على الحكومة الشرعية لتعطيل مسيرة العملية الديموقراطية في اليمن فاشتعلت المواجهة بين الحكومة المنتخبة ديموقراطيا وفق مطالب الشعب ومليشيات الرئيس المخلوع الذي استعان بإيران لفرض بقائه مقابل تحقيق أجنداتها الإقليمية ولكن بدأ في التقهقر بعد استعانة الشرعية بقوات التحالف العربي الإسلامي بقيادة المملكة وشارفت الأزمة على الانتهاء تدريجياً.
أما في حالة الأزمة السورية فالحقائق مريرة للغاية، وتفوق أي حلول أو مبادرات عربية وإقليمية في هذا الشأن، فالصراع القائم حالياً ليس سورياً ولا إقليمياً كما يبدو، إذ تم تدويل هذا الصراع، فعلى الأراضي السورية يوجد صراع قائم بين تحالفات دولية وأقطاب عالمية لا تشترك في الرؤى والأهداف، والقوى العظمى والعالمية التي امتدت أذرعها وجيوبها المسلحة داخل الأراضي السورية لديها مصالح متضاربة ومتضادة، فالمصالح الروسية متجذرة في سورية منذ عام 1971 حين وقع البلدان اتفاقية بناء قاعدة روسية على ميناء طرطوس لإمداد وصيانة الأسطول الروسي «السوفياتي سابقا» بالبحر المتوسط، وأصبحت طرطوس الميناء الدافئ الوحيد لروسيا وشرفتها الإستراتيجية المطلة على المتوسط، وفي ظل الأزمات الروسية مع المعسكر الغربي في أوروبا والولايات المتحدة والعثرة الأوكرانية التي عرقلت تمدد مشاريع نقل الطاقة الروسية باتجاه أوروبا (Pipeline Politics)، انخرطت كبرى الشركات الروسية في تنفيذ مشاريع عدة في مجال الطاقة وإمدادات التابلاين من خلال مسارات أخرى عبر دول البلقان وجميعها تنصب في نهايتها تجاه سورية، وبالتالي فإن سورية تعد بالنسبة إلى الروس بلداً محورياً يخدم تطلعاتها الجيوسياسية، ولذلك هي تخشى حالياً من أي نظام بديل قد يضرب مصالحها الإستراتيجية في سورية، وحاولت أن تقترح حلولا على المعارضة بالاندماج تحت مظلة النظام مقابل خروج الأسد إلا أن التدخلات الخارجية وتمويل المعارضة والدعم الذي حظيت به من قبل المعسكر الغربي الآخر، دفع روسيا باتجاه دعم النظام السوري باعتباره أمراً مصيرياً.
لذلك.. قمة الدول العربية لن تحل وتربط شيئاً في ما يخص الأزمة السورية التي تداخلت فيها المصالح الدولية وساهم نظام الأسد في ذلك بتقديمه تنازلات مذلة ومهينة للمصالح الإيرانية والروسية للإبقاء على نظامه القروسطي الفاشل، والقضية باتت أكبر من جمع فرقاء وتقريب وجهات نظر ورفع علم وشعارات وطنية لا موطن لها أساساً.
ktashkandi@okaz.com.sa