وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. «يوم الأم»، الذي تحتفي به الدنيا، من كل عام، ونحن «الاستثناء الوحيد»، ليس في هذا «اليوم» فحسب؛ بل وفي أيام مماثلة من التي أقرها العرف الإنساني، وهو يبحث عن منافذ لزرع الفرح واستنبات البهجة، محددًا في ذلك أياما بعينها، جعلها يوما تحتشد فيه مظاهر الحفاوة وإظهار الفرح كما هو الحال مع الأم، بكل حمولة هذه الكلمة من معاني المحبة والإيثار والرحمة والعطف والحنان.
ولتجاوز ما درجنا عليه في تناول قضايانا المختلف عليها بحالة من التجييش من قبل فريقي الـ«مع» والـ«ضد»، لنعيد ذات الأسطوانة المكرورة، بذات اللغة المستنسخة، من قاموس «حرام»، و«بدعة»، و«تشبّه»، وما إلى ذلك من المحفوظات التي تقف متربصة تنتظر أي محاولة لإظهار الفرح أو ابتداع «يوم جديد»، خارج المحفوظ من الأعياد المشروعة، بتوهم أنها هي المحرك الوحيد لفرحنا واجتماع سرورنا، وما دونها باطل منبوذ، وبدعة محرمة.
إخراج هذا «الملف» من قبضة التفكير الأحادي، وطرحه ليظل حاضرا بالتفكير والنظر الدائم، وإعمال الفكر فيه بمقتضيات الشرع، بما في ذلك القياس جريا على غيره من المسائل الحياتية الأخرى، فلنتجاوز الأيام التي حددها العالم أجمع وجعلها مواسم للفرح، وأيام للسرور والحفاوة، ولننظر إلى جوهر الفعل بميزان الشرع، وندير فيه النقاش بروية ومكث. ولنأخذ قضية «يوم الأم» مثلا، ففي كل عام تحتفل الدنيا بيوم الأم، وتنقل الفضائيات مظاهر هذه الحفاوة. أمهات يكرمن لصنيعهن المثالي، وتجري دموعنا فرحا ونحن نشاهدهن يستقبلن ذلك التكريم بدموع خالطها الحب والعرفان والحنان، مشهد لا يمكن لعاقل ذي نفس سليمة أن يتجافى عنه بحجة أنه «بدعة»، وأن الإسلام حدد لنا الأعياد ولم يذكر فيها عيد الأم، ونقول لأصحاب هذه النظرة المنغلقة أن الشواهد في السنة النبوية تقف ضدكم تماما في هذا المنحى، فعندما قدم نبي الأمة يثرب، وجد اليهود يحتفلون بيوم عاشوراء، فلما سأل عن ذلك أخبروه بأنه يوم نجّى الله فيه موسى فاتخذوه عيدًا، وقال: «نحن أولى بموسى منكم»، فجرت السنة من بعده بالاحتفال بهذا اليوم وإظهار الفرح فيه بالصيام والتعبّد لله عزّ وجلّ، ليبقى بذلك «عيدا» للمسلمين. وأقول عيدا عن قصد وعمد بمفضيات هذه المفردة لغويا واصطلاحيا، وتطابقها مع جريان الأيام عاما بعد عام في نسق الحفاوة والاجتماع بحجة الفضل والبركة فيها. ولو قسنا الأمور على مثال يوم عاشوراء، فنحن والله أولى في شأن الاحتفاء بالأم من غيرنا، فالقرآن الكريم وضعها في مرتبة عظيمة، وجعل رضاها مفتاحا لرضا الله المرجو، أو سخطه المعاذ منه، كما أن سنة المصطفى أكدت على تلك المعاني النيرات في حق الأم، وقدمتها في حسن صحبة المرء ثلاث مرات على الأب، فلئن احتفل العالم بالأم، فقد أحسن، ولكننا أولى بالأم منه؛ فنحن المأمورون ببرها، والمتنادون للعطف عليها، والمسؤولون عن حسن صحبتها في الدنيا، فمن غيرنا أولى بالاحتفاء، ولا غضاضة في تسمية هذا الاحتفاء بـ«عيد الأم»، اتساقًا مع القاعدة الفقهية «لا مشاحة في اللفظ»، فمن وجد في نفسه حرجا من تسميته بـ«العيد»، فليسمه «يوم الأم»، أو أي مصطلح آخر، ولكن لا يخرج علينا بالتحريم، والقول بعدم الجواز، فليس للأمر أي علاقة بـ«البدع»، التي ينتهي بنا الحال إلى التحريم القاطع جملة واحدة، فإنما هو أمر أقل ما يوصف به أنه من مأمورات الشرع، فإذا قال قائل بأنه أمر واجب على المسلم الإتيان به في كل حركة وسكون تتصل بأمه، ضممنا صوتنا إلى صوته، وعضدنا رؤيته، وساندنا موقفه، فالاحتفاء بالأم واجب محتم، وأي بأس في أن نجعل مظهر الاحتفال بشكل جماعي في يوم محدد من أيام العام لعله يصادف قلباً جاحدا فيحنّ، مجتمعنا اليوم أحوج ما يكون لهذا المظهر الاحتفائي، فقد استشرت فيه قضايا العقوق وعدم توقير الأبناء لآبائهم إلى غاية تنذر بخطر وخيم، طالعتنا الصحف أن المحكمة الجزائية بمنطقة سكاكا أصدرت حكما بسجن ثلاثة أشقاء لمدة عام وجلدهم (300) جلد جزاء اعتدائهم على والدتهم بالضرب والبصق في وجهها ومحاولة إحراق منزلها وتكسير أثاثه. ولجأت إلى المحكمة بعد أن فاض بها الكيل جراء المعاناة الدائمة وضربهم لها بشكل يومي!
كما أفصحت وزارة العدل «أن المحاكم في المملكة نظرت في (326) قضية عقوق رفعها آباء وأمهات ضد أبنائهم خلال العام المنصرم».. هذا ما وصل إلى المحاكم وما خفي كان أعظم، أي بما يعادل قضية في كل يوم تشرق فيه الشمس على مجتمعنا، إننا بحاجة إلى يوم للأم، ومثله للأب، وثالث للحب، ورابع للصداقة، وخامس للعمل، وسادس للجار... إلخ. نحتاج إلى أن «نوطن» الأفراح في نفوسنا لتشرق بالفرح، ولا حاجة بنا إلى حرّاس النوايا الذين يقفون على أبواب أفراحنا مع العالم بـ«كرباج» التبديع والتفسيق، وقاموس الإكفهرار والعبوس! خلاص تكفينا سنوات الغفلة ومعاناتها.
ولتجاوز ما درجنا عليه في تناول قضايانا المختلف عليها بحالة من التجييش من قبل فريقي الـ«مع» والـ«ضد»، لنعيد ذات الأسطوانة المكرورة، بذات اللغة المستنسخة، من قاموس «حرام»، و«بدعة»، و«تشبّه»، وما إلى ذلك من المحفوظات التي تقف متربصة تنتظر أي محاولة لإظهار الفرح أو ابتداع «يوم جديد»، خارج المحفوظ من الأعياد المشروعة، بتوهم أنها هي المحرك الوحيد لفرحنا واجتماع سرورنا، وما دونها باطل منبوذ، وبدعة محرمة.
إخراج هذا «الملف» من قبضة التفكير الأحادي، وطرحه ليظل حاضرا بالتفكير والنظر الدائم، وإعمال الفكر فيه بمقتضيات الشرع، بما في ذلك القياس جريا على غيره من المسائل الحياتية الأخرى، فلنتجاوز الأيام التي حددها العالم أجمع وجعلها مواسم للفرح، وأيام للسرور والحفاوة، ولننظر إلى جوهر الفعل بميزان الشرع، وندير فيه النقاش بروية ومكث. ولنأخذ قضية «يوم الأم» مثلا، ففي كل عام تحتفل الدنيا بيوم الأم، وتنقل الفضائيات مظاهر هذه الحفاوة. أمهات يكرمن لصنيعهن المثالي، وتجري دموعنا فرحا ونحن نشاهدهن يستقبلن ذلك التكريم بدموع خالطها الحب والعرفان والحنان، مشهد لا يمكن لعاقل ذي نفس سليمة أن يتجافى عنه بحجة أنه «بدعة»، وأن الإسلام حدد لنا الأعياد ولم يذكر فيها عيد الأم، ونقول لأصحاب هذه النظرة المنغلقة أن الشواهد في السنة النبوية تقف ضدكم تماما في هذا المنحى، فعندما قدم نبي الأمة يثرب، وجد اليهود يحتفلون بيوم عاشوراء، فلما سأل عن ذلك أخبروه بأنه يوم نجّى الله فيه موسى فاتخذوه عيدًا، وقال: «نحن أولى بموسى منكم»، فجرت السنة من بعده بالاحتفال بهذا اليوم وإظهار الفرح فيه بالصيام والتعبّد لله عزّ وجلّ، ليبقى بذلك «عيدا» للمسلمين. وأقول عيدا عن قصد وعمد بمفضيات هذه المفردة لغويا واصطلاحيا، وتطابقها مع جريان الأيام عاما بعد عام في نسق الحفاوة والاجتماع بحجة الفضل والبركة فيها. ولو قسنا الأمور على مثال يوم عاشوراء، فنحن والله أولى في شأن الاحتفاء بالأم من غيرنا، فالقرآن الكريم وضعها في مرتبة عظيمة، وجعل رضاها مفتاحا لرضا الله المرجو، أو سخطه المعاذ منه، كما أن سنة المصطفى أكدت على تلك المعاني النيرات في حق الأم، وقدمتها في حسن صحبة المرء ثلاث مرات على الأب، فلئن احتفل العالم بالأم، فقد أحسن، ولكننا أولى بالأم منه؛ فنحن المأمورون ببرها، والمتنادون للعطف عليها، والمسؤولون عن حسن صحبتها في الدنيا، فمن غيرنا أولى بالاحتفاء، ولا غضاضة في تسمية هذا الاحتفاء بـ«عيد الأم»، اتساقًا مع القاعدة الفقهية «لا مشاحة في اللفظ»، فمن وجد في نفسه حرجا من تسميته بـ«العيد»، فليسمه «يوم الأم»، أو أي مصطلح آخر، ولكن لا يخرج علينا بالتحريم، والقول بعدم الجواز، فليس للأمر أي علاقة بـ«البدع»، التي ينتهي بنا الحال إلى التحريم القاطع جملة واحدة، فإنما هو أمر أقل ما يوصف به أنه من مأمورات الشرع، فإذا قال قائل بأنه أمر واجب على المسلم الإتيان به في كل حركة وسكون تتصل بأمه، ضممنا صوتنا إلى صوته، وعضدنا رؤيته، وساندنا موقفه، فالاحتفاء بالأم واجب محتم، وأي بأس في أن نجعل مظهر الاحتفال بشكل جماعي في يوم محدد من أيام العام لعله يصادف قلباً جاحدا فيحنّ، مجتمعنا اليوم أحوج ما يكون لهذا المظهر الاحتفائي، فقد استشرت فيه قضايا العقوق وعدم توقير الأبناء لآبائهم إلى غاية تنذر بخطر وخيم، طالعتنا الصحف أن المحكمة الجزائية بمنطقة سكاكا أصدرت حكما بسجن ثلاثة أشقاء لمدة عام وجلدهم (300) جلد جزاء اعتدائهم على والدتهم بالضرب والبصق في وجهها ومحاولة إحراق منزلها وتكسير أثاثه. ولجأت إلى المحكمة بعد أن فاض بها الكيل جراء المعاناة الدائمة وضربهم لها بشكل يومي!
كما أفصحت وزارة العدل «أن المحاكم في المملكة نظرت في (326) قضية عقوق رفعها آباء وأمهات ضد أبنائهم خلال العام المنصرم».. هذا ما وصل إلى المحاكم وما خفي كان أعظم، أي بما يعادل قضية في كل يوم تشرق فيه الشمس على مجتمعنا، إننا بحاجة إلى يوم للأم، ومثله للأب، وثالث للحب، ورابع للصداقة، وخامس للعمل، وسادس للجار... إلخ. نحتاج إلى أن «نوطن» الأفراح في نفوسنا لتشرق بالفرح، ولا حاجة بنا إلى حرّاس النوايا الذين يقفون على أبواب أفراحنا مع العالم بـ«كرباج» التبديع والتفسيق، وقاموس الإكفهرار والعبوس! خلاص تكفينا سنوات الغفلة ومعاناتها.