gbadkook@
في تجاوز صادم ومرفوض حدث قبل نحو أسبوعين، ضد مجموعة من المواطنات اللاتي تواجدن في أحد الأسواق الكبرى بجدة، وروته لي بعض قريباتي اللاتي كُنّ شاهدات عليه ورجونني الكتابة عنه، أقدم أحد الأعضاء الميدانيين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على تصرّف لا يخلو من الشهامة فقط، بل ويتنافى أيضاً مع قيمنا الدينية ومكارم الأخلاق، وفوق كل ذلك فإن ما أقدم عليه عضو الهيئة، اصطدم مع مسؤوليته الوظيفية، إذ قام بتحريض مجموعة من الشباب على أولئك النساء!.
القصة شاهدها كثيرون، وخلاصتها أن أولئك السيدات، ومعظمهن من كبيرات السن، كُنّ يجلسن في المكان المخصّص للنساء بأحد محلات القهوة؛ في أحد الأسواق الكبرى، ويفصلهن عن مكان الرجال حاجز لا يسمح بالرؤية، وفجأه ظهر أمامهن عضو الهيئة، وبادرهن بالتوبيخ والصراخ عليهن، ثم وجّه حديثه للشباب الجالسين في المكان المخصص لهم في الجانب الآخر للمحل قائلا: «تعالوا وشاهدوا هؤلاء المتبرّجات، متّعوا أعينكم أيها الشباب برؤية الكاشفات؛ الفرجة بالمجان»!.
تطاول ذلك (الشخص) لم يقتصر على العبارة التحريضية السابقة، وإنما أضاف عليها بعض المفردات المُهينة للسيدات والفتيات المتواجدات هناك، لدرجة أن بعض الطفلات الصغيرات المصاحبات لأمهاتهن، أصبن بالفزع وبدأن في البكاء، وربما يعتقد من قرأ الأسطر السابقة بأن أولئك النساء كنّ يفتقرن للحشمة لارتدائهن ملابس فاضحة، أو يتحدثن بصوت عالٍ تغلب عليه الميوعة، أو يقمن بتصرفات تلفت إليهن الأنظار ولا تليق بالمرأة المسلمة.
وبالطبع فإن أياً من ذلك لم يحدث، وكان «ذنبهن» -كما أخبرهن عضو الهيئة خلال تطاوله عليهن- بأنهن (متبرّجات) -من وجهة نظره-؛ أي أنهن لا يرتدين النقاب أو لا يغطين وجوههن، في حين أن أولئك النسوة كنّ متحجّبات؛ أي (مُتسفّعات) بالطِرَح؛ كعادة الكثير من السيدات في مجتمع مدينة جدة، مع التزامهن بغطاء الشعر وكامل الجسد، إلّا أنه اعتبر ذلك تبرُّجاً يستوجب إهانتهن، بل ذهب لأبعد من ذلك؛ بدعوته الشباب للـ(فرجة عليهن)!.
ورغم أن الحادثة (قد) تكون فردية وبمثابة (اجتهاد جانبه الصواب) من رجل الهيئة، إلا أنه من الصعب إخراجها من سياقها العام؛ وهو تكرار تجاوزات (بعض) الأعضاء على أفراد في المجتمع، ومحاولتهم فرض (رؤيتهم) الأحادية للدين، على جميع الناس؛ بزعم احتكارهم الفهم الصحيح للنصوص وتأويلات الأدلة الشرعية، وعدم مراعاتهم للاختلافات الفقهية المذهبية، ولا لعادات المجتمع في مناطق البلاد المختلفة، التي تتفاوت من منطقة لأخرى.
ولا أظن أنني بحاجة للتأكيد على أمرٍ بات معروفاً لطلاب العلم الشرعي قبل كبار العلماء، وأقصد بذلك اختلاف الفقهاء منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم حتى الآن، حول الكثير من المسائل الفقهية، ومنها حكم كشف وجه المرأة، إذ إن الأمر خلافي وقديم، وكل فريق لديه ما يعتقد أنه يؤيد وجهة نظره، وهو ما يقودنا للتساؤل عن أسباب محاولة البعض فرض آرائهم في القضايا الخلافية على الجميع، رغم ما ينطوي عليه ذلك من تنفير عن الدين وترويع للآمنين.
وما أود التأكيد عليه هو أننا -نحن السعوديين- نحمد الله على نعمة الإسلام ووجود المقدسات في بلادنا، كما ونشكره على حرص ولاة أمرنا -يحفظهم الله- على تطبيق أحكام الشريعة الغرّاء، وأننا لن نقبل التفريط في ديننا ولا التهاون في تمسّكنا بقيمنا السامية، إلّا أنه في مقابل ذلك فإننا نتطلع إلى أن نعيش مع أسرنا بسلام؛ بعيداً عن الأجواء المحتقنة التي ما فتئ البعض يحاول فرضها علينا، بزعم أنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ رغم إقرارنا بأنها شعيرة سامية ومن ركائز ديننا السمح.
الموقف السابق جعلني أستحضر الموقف (المؤسف) الذي حدث مؤخرا في مجلس الشورى عندما اعترض أحد أعضائه -وبشكل غير نظامي- على توصية بعض زملائه لدمج (الهيئة) مع وزارة الشؤون الإسلامية؛ مستشهداً برأيٍ متشدِّد لأحد الغلاة من دائمي الاعتراض على توجّهات الدولة، والمزايدين عليها، وبصرف النظر عمّا ستؤول إليه التوصية، فإن ذلك الموقف يؤكد ضرورة مراجعة أسباب التطرُّف؛ تمهيداً لمواجهته فكرياً، بجوار المواجهة الأمنية المتميزة.
ختاماً، أود الإشارة إلى أن انتقادنا -نحن الكتّاب- لتجاوزات بعض منتسبي الهيئة إنما يعكس حرصنا على صورة ومكانة مؤسساتنا الدينية التي نُكنُّ لها كل التقدير، من أن تؤثر عليها تلك التصرفات، خصوصاً تجاه القضايا الخلافية ككشف وجه المرأة، وإذا كان لي أن أقيس هنا، فإن بعض عضوات مجلس الشورى منقبات وبعضهن محجّبات؛ وذلك مثال واضح على تفاوت العادات في مجتمعنا، ورغم ذلك لم تفرض الدولة ولا رئاسة المجلس على المحجّبات منهن، ضرورة ارتداء النقاب.
بقي أن أتقدم بمقالي هذا إلى معالي الدكتور عبدالرحمن السند الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ راجياً أن يعتبره بلاغاً ضد ذلك العضو المتجاوز؛ ما يستوجب التحقيق والعقاب، كما أرجوه التأكيد على رفع وعي الأعضاء الميدانيين، وزيادة فهمهم لفقه الاختلاف، وإفهامهم أن التطاول على النساء وترويع الأطفال ليس من الأمر بالمعروف في شيء!.
gbadkook@yahoo.com
في تجاوز صادم ومرفوض حدث قبل نحو أسبوعين، ضد مجموعة من المواطنات اللاتي تواجدن في أحد الأسواق الكبرى بجدة، وروته لي بعض قريباتي اللاتي كُنّ شاهدات عليه ورجونني الكتابة عنه، أقدم أحد الأعضاء الميدانيين لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على تصرّف لا يخلو من الشهامة فقط، بل ويتنافى أيضاً مع قيمنا الدينية ومكارم الأخلاق، وفوق كل ذلك فإن ما أقدم عليه عضو الهيئة، اصطدم مع مسؤوليته الوظيفية، إذ قام بتحريض مجموعة من الشباب على أولئك النساء!.
القصة شاهدها كثيرون، وخلاصتها أن أولئك السيدات، ومعظمهن من كبيرات السن، كُنّ يجلسن في المكان المخصّص للنساء بأحد محلات القهوة؛ في أحد الأسواق الكبرى، ويفصلهن عن مكان الرجال حاجز لا يسمح بالرؤية، وفجأه ظهر أمامهن عضو الهيئة، وبادرهن بالتوبيخ والصراخ عليهن، ثم وجّه حديثه للشباب الجالسين في المكان المخصص لهم في الجانب الآخر للمحل قائلا: «تعالوا وشاهدوا هؤلاء المتبرّجات، متّعوا أعينكم أيها الشباب برؤية الكاشفات؛ الفرجة بالمجان»!.
تطاول ذلك (الشخص) لم يقتصر على العبارة التحريضية السابقة، وإنما أضاف عليها بعض المفردات المُهينة للسيدات والفتيات المتواجدات هناك، لدرجة أن بعض الطفلات الصغيرات المصاحبات لأمهاتهن، أصبن بالفزع وبدأن في البكاء، وربما يعتقد من قرأ الأسطر السابقة بأن أولئك النساء كنّ يفتقرن للحشمة لارتدائهن ملابس فاضحة، أو يتحدثن بصوت عالٍ تغلب عليه الميوعة، أو يقمن بتصرفات تلفت إليهن الأنظار ولا تليق بالمرأة المسلمة.
وبالطبع فإن أياً من ذلك لم يحدث، وكان «ذنبهن» -كما أخبرهن عضو الهيئة خلال تطاوله عليهن- بأنهن (متبرّجات) -من وجهة نظره-؛ أي أنهن لا يرتدين النقاب أو لا يغطين وجوههن، في حين أن أولئك النسوة كنّ متحجّبات؛ أي (مُتسفّعات) بالطِرَح؛ كعادة الكثير من السيدات في مجتمع مدينة جدة، مع التزامهن بغطاء الشعر وكامل الجسد، إلّا أنه اعتبر ذلك تبرُّجاً يستوجب إهانتهن، بل ذهب لأبعد من ذلك؛ بدعوته الشباب للـ(فرجة عليهن)!.
ورغم أن الحادثة (قد) تكون فردية وبمثابة (اجتهاد جانبه الصواب) من رجل الهيئة، إلا أنه من الصعب إخراجها من سياقها العام؛ وهو تكرار تجاوزات (بعض) الأعضاء على أفراد في المجتمع، ومحاولتهم فرض (رؤيتهم) الأحادية للدين، على جميع الناس؛ بزعم احتكارهم الفهم الصحيح للنصوص وتأويلات الأدلة الشرعية، وعدم مراعاتهم للاختلافات الفقهية المذهبية، ولا لعادات المجتمع في مناطق البلاد المختلفة، التي تتفاوت من منطقة لأخرى.
ولا أظن أنني بحاجة للتأكيد على أمرٍ بات معروفاً لطلاب العلم الشرعي قبل كبار العلماء، وأقصد بذلك اختلاف الفقهاء منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم حتى الآن، حول الكثير من المسائل الفقهية، ومنها حكم كشف وجه المرأة، إذ إن الأمر خلافي وقديم، وكل فريق لديه ما يعتقد أنه يؤيد وجهة نظره، وهو ما يقودنا للتساؤل عن أسباب محاولة البعض فرض آرائهم في القضايا الخلافية على الجميع، رغم ما ينطوي عليه ذلك من تنفير عن الدين وترويع للآمنين.
وما أود التأكيد عليه هو أننا -نحن السعوديين- نحمد الله على نعمة الإسلام ووجود المقدسات في بلادنا، كما ونشكره على حرص ولاة أمرنا -يحفظهم الله- على تطبيق أحكام الشريعة الغرّاء، وأننا لن نقبل التفريط في ديننا ولا التهاون في تمسّكنا بقيمنا السامية، إلّا أنه في مقابل ذلك فإننا نتطلع إلى أن نعيش مع أسرنا بسلام؛ بعيداً عن الأجواء المحتقنة التي ما فتئ البعض يحاول فرضها علينا، بزعم أنها من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ رغم إقرارنا بأنها شعيرة سامية ومن ركائز ديننا السمح.
الموقف السابق جعلني أستحضر الموقف (المؤسف) الذي حدث مؤخرا في مجلس الشورى عندما اعترض أحد أعضائه -وبشكل غير نظامي- على توصية بعض زملائه لدمج (الهيئة) مع وزارة الشؤون الإسلامية؛ مستشهداً برأيٍ متشدِّد لأحد الغلاة من دائمي الاعتراض على توجّهات الدولة، والمزايدين عليها، وبصرف النظر عمّا ستؤول إليه التوصية، فإن ذلك الموقف يؤكد ضرورة مراجعة أسباب التطرُّف؛ تمهيداً لمواجهته فكرياً، بجوار المواجهة الأمنية المتميزة.
ختاماً، أود الإشارة إلى أن انتقادنا -نحن الكتّاب- لتجاوزات بعض منتسبي الهيئة إنما يعكس حرصنا على صورة ومكانة مؤسساتنا الدينية التي نُكنُّ لها كل التقدير، من أن تؤثر عليها تلك التصرفات، خصوصاً تجاه القضايا الخلافية ككشف وجه المرأة، وإذا كان لي أن أقيس هنا، فإن بعض عضوات مجلس الشورى منقبات وبعضهن محجّبات؛ وذلك مثال واضح على تفاوت العادات في مجتمعنا، ورغم ذلك لم تفرض الدولة ولا رئاسة المجلس على المحجّبات منهن، ضرورة ارتداء النقاب.
بقي أن أتقدم بمقالي هذا إلى معالي الدكتور عبدالرحمن السند الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ راجياً أن يعتبره بلاغاً ضد ذلك العضو المتجاوز؛ ما يستوجب التحقيق والعقاب، كما أرجوه التأكيد على رفع وعي الأعضاء الميدانيين، وزيادة فهمهم لفقه الاختلاف، وإفهامهم أن التطاول على النساء وترويع الأطفال ليس من الأمر بالمعروف في شيء!.
gbadkook@yahoo.com