-A +A
عبده خال
بالأمس كتبت مقالا عن أهمية إفشاء العلم في أي جزئية دينية تخص الناس لما في ذلك من تيسير ووضعهم على بينة من تعدد الآراء الفقهية في المسألة الواحدة، وأن إفشاء العلم في الزمن الراهن ضرورة تستوجب التخلي عن الحذر خاصة إذ كانت كثافة الدهماء قد تناقصت (عما كانت عليه الأمة من جهل) وغدت طبقة المتعلمين تحاصر أقلية العامة وهذا أدعى لإفشاء العلم إذا صح بيانه أو لم يصح، فهذا القيد تضعضع مع وجود النخب في كل مجال. وعلى المشايخ دفع الناس للتثقف في أمر دينهم من خلال القراءة ويكفينا عشرات البرامج التي تدور في دائرة الأسئلة الباردة والإجابة الأكثر برودة، وإذا كنا نمضي كل سنوات دراسة العامة والجامعية ندرس الفقه وبعد ذلك يخرج منا عشرات الأفراد يسألون في قضايا مروا عليها دراسة وتطبيقا، فهذا يعنى فشل كل ما يحدث على أرض الواقع من تلقين وحفظ... ولا أريد الانقياد خلف هذا الإسهاب في مسألة الأسئلة والأجوبة التي خلقت أناسا ينتظرون الإجابات الجاهزة، إذ أننا غدونا نعشق الملخصات في كل شيء...حتى الدين نريد له مخلصات في كل عبادة وكل أدعية!

دعونا نعود إلى ضرورة إفشاء العلم، وكثير من الفقه ستر على قضايا اعتبرها من علم الخاصة والتي لا يجب معرفة العامة بها، ومن علم الخاصة المكنون هي الأمور المتعلقة بالمرأة وعملها إذ تم تقنين عمل المرأة في عملين أو ثلاثة وأغلقت عليها بقية الأبواب لدينا واعتبر البعض أن عملها: طبيبة أو ممرضة أو محامية أو طيارة أو مهندسة لا يرضي الله ولا رسوله... ومنعت من عشرات المهن بسبب الخشية على المرأة من الخروج من بيتها حتى لو أنها درست وحصلت على الشهادات العليا فيكفى علمها لنفسها ولتلزم بيتها.. ولأن الحياة لا تقف عند حد أو أحد فهي تسير وفق احتياجاتها وتزيح من يرفضها لتجعله أثرا بعد عين..


وفي أمس الأول أوضح الشيخ عبدالله المنيع جواز عمل المرأة (مأذونة أنكحة) وفي عملها هذا لا توجد أي موانع شرعية..

هذه الإجازة لم تكن لتصدر في زمن سابق إذ ظلت كثير من الأحكام الفقهية في خزينة بعض العقول ولم يسمح بفتح تلك الخزينة الموصدة إلا في الأيام القليلة الماضية..

وإذا كان الأصل في الأمور جميعها الحل باستثناءات قليلة في المأكل والمشرب والملبس، فلماذا تم تعميم الحرام أو المحرم في أمور كثيرة؟

وعن عمل المرأة تكالبت كثير من الأحكام المانعة لعملها أو صعودها إلى أعلى المناصب وقابل هذا المنع آراء فقهية أخرى (في بلدان إسلامية أخرى غيرنا طبعا) تجيز تولي المرأة منصب رئيسة دولة وهناك من أجاز عملها قاضية كون القضاء جهازا من أجهزة الدولة وليس له الولاية العامة..

وحين يتم كتم علم عشرات الأحكام الفقهية استنادا على قول قديم لبعض العلماء بعدم الخوض فيها بحجة الخشية على الناس من التفلت أو التواكل أو الاستسهال يكون هذا الرأي معتمدا على التميز والتخصص للعلماء الربانيين وهي الحجة الواهية كون الدين لا تخصص فيه كما أشرت في مقالة الأمس.

أخيرا لو قلت لأحد ما: أن السيدة عائشة رضى الله عنها جلست للفتوى فهل تجيز للمرأة الدخول إلى هيئة كبار العلماء وأن تكون مفتية؟ ستجد عشرات الأصابع تتابعك لعنا وإدانة على جرأتك على ما لم نعتد عليه.

أكرر الحياة تسير على عجلتها الضروس، وتطحن كل ما لا يتسق مع مسيرتها، فالله خلقها لأن تقبل كل الاختلافات والتناقضات.